هل فشل الجيش الروسي في إثبات قوته في أوكرانيا؟

18 مارس 2022 12:01 م
كثرت التحليلات الغربية والدولية حول "فشل" الحملة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب. ومن الطبيعي الترويج لهذا الاستنتاج - وفق ما يعتبر مسؤولون روسيون نتيجة هيمنة الغرب على الصحف الكبرى وانحياز وسائل التواصل الاجتماعي الذي قضى بتعديل قوانينها وتشجيع العداء لروسيا. ولكن هل ينطبق الواقع على الصوت المدوي للإعلام العالمي؟

ويرى مسؤولون في روسيا إنها ليست المرة الأولى التي يجابه بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دول الغرب مجتمعة. فسبق أن دارت المعركة الروسية – الأميركية في الميدان وعلى ساحات الإعلام الدولي في أكثر من مناسبة، وبينها سورية حيث نشط الإعلام بالاستهزاء بالقوات الروسية قبل وصولها إلى سورية إلا ان روسيا استطاعت مع حلفائها على الأرض تمكين حكومة دمشق من استعادة معظم المناطق التي فقدت السيطرة عليها، على الرغم من مشاركة أميركا والناتو في غرف الحرب للتخطيط والتدريب وإرسال شحنات السلاح إلى الجهاديين في سورية.

ووفقاً لتقييم المسؤولين في موسكو، فقد نجحت القوات الروسية في اليوم الأول من العملية الخاصة في أوكرانيا - كما أطلقوا عليها - تدمير 90 في المئة من القدرات العسكرية الأساسية للجيش الأوكراني، ووصلت إلى مشارف العاصمة كييف، في مطار أنطونوف، في اليوم الثاني من المعركة. وهذا لم يحصل في العراق عام 2003 حين اجتاحت أميركا وبريطانيا وحلفائهما ثلاثة أسابيع للوصول إلى بغداد، على الرغم من عدم دعم أي دولة لنظام صدام حسين وانشراح صدر العراقيين لرؤية صدام يسقط، وتالياً فان البيئة العراقية كانت حاضنة لقوات الغزو في المراحل الأولى قبل أن ينقلب عليها العراقيون تدريجياً.

ومن اللافت أن أحداً لم يقل أحد سوى الإعلام الغربي القوي والمؤثر ان خطة موسكو تتضمن الدخول إلى العاصمة كييف في يوم أو اثنين أو أسبوع أو اثنين. فأوكرانيا أقوى دول الاتحاد السوفياتي السابق بعد روسيا. ومساحتها تفوق مساحة سورية والعراق مجتمعتين أو فرنسا وبلجيكا وهولندا معاً. بالإضافة إلى ذلك، فقد أمر الرئيس باراك أوباما عام 2015 بإرسال قوات أميركية لتدريب القوات الأوكرانية وتبعها حلف الناتو الذي درب وشارك أوكرانيا بمناورات عسكرية عدة لتجهيز استعدادا لمجابهة روسيا يوماً ما. وكانت موسكو ترفع الصوت عالياً أمام أميركا مطالبة الناتو بالبقاء بعيداً عن أوكرانيا إلى ان حشد الكرملين قوات بدءاً من ابريل عام 2021 على الحدود الأوكرانية.

وتعلم أميركا تماماً اسلوب قتال الجيش الروسي الكلاسيكي، كما تعلمه أوكرانيا التي تدربت على أيدي هذا الجيش سابقاً. ولذلك فقد نشطت الولايات المتحدة وحلفاءها بضخ الأطنان من الأسلحة لتتناسب مع المعركة المقبلة.

إلا أن أمرين غيرا المعادلة: أولاً فان أوكرانيا قد حشدت أكثر قواتها على حدود دونباس لتواجه الجيش الروسي ولتشغله في حرب طويلة الأمد. ولذلك فقد دفع بوتين القوات على هذه الجبهة ولكنه ذهب إلى الجنوب والشمال ودخل إلى بيلاروسيا ليصل إلى كييف بالسرعة غير المتوقعة.

الأمر الثاني المستغرب أن روسيا – بحسب البنتاغون – زجت بـ150.000 جندي من الألوية والجيوش المدرعة الميكانيكية إلى معركة لمواجهة جيش أوكراني يدافع عن أرضه بعدد 350.000 إلى 400.000 مقاتل. وفي علم الحرب، يهاجم الجيش بقوة 3 ضد واحد أو 4 ضد واحد من المدافعين. إلا أن روسيا قلبت المعادلة ولم تتردد بالزج بقوات أقل من نصف القوات المدافعة الاوكرانية على الرغم من تدفق الأسلحة الغربية بمليارات الدولارات منذ عام 2015 (وحدها أميركا دفعت 2.4 مليار دولار في الأعوام الماضية ومليار في أسبوع الحرب) والتعاون الاستخباراتي الكثيف من الغرب الذي يدير المعركة بغرفة داخل أوكرانيا وخارجها.

ويكشف المسؤولون أن الخطة الأولى الروسية حاولت التقدم دون إراقة الكثير من الدماء والحفاظ على البنية التحتية الأوكرانية وعدم تدميرها بسبب العلاقة الاجتماعية بين الدولتين ولأن روسيا لا تريد في البداية إعادة بناء كل أوكرانيا في حال جرى تدميرها. ولم يستخدم الجيش الروسي سياسة الأرض المحروقة. ولكن ذلك لم يمنع الجيش الروسي في الانتقال إلى خطة بديلة بدأت بتدمير أكبر مما كانت تقتضيه الخطة الأولى. ومن الواضح ان بوتين لا يريد ان يحتل كل أوكرانيا عسكرياً إذا استطاع، بل ان تقدمه وضربه لقدرات الجيش الأوكراني وإظهار تصميمه على الانتصار يهدف إلى فرض الاستسلام.

ومن الواضح ان الحرب هي على الأحادية الأميركية في العالم وان ساحة المعركة هي أوكرانيا. وقد شبهها أحد الخبراء الاستراتيجيين بأن أوكرانيا تشبه ساحة واترلو التي خسر بها نابوليون بونابرت (أميركا) الحرب بعد انتصاراته الكثيرة. فالنتيجة معروفة للجميع، إلا أن هدف أميركا هو إطالة أمد الحرب إلى أكثر وقت ممكن لتكسير هيبة الجيش الروسي في أوكرانيا وإزاحة بوتين عن عرش القوة المناهضة للهيمنة الأميركية التي يسير بها وعلى جانبه الصين التي تنتظر النتيجة بصبر.

لقد وضع الخبراء الغربيون الخطة الروسية العسكرية وشرحوا تفاصيلها بتحليلاتهم الشخصية وأفشلوها على ساحات الاعلام والتواصل الاجتماعي وانتقدوها وقالوا ان بوتين أساء التقدير. بينما لم يفصح الرئيس الروسي عن خطته ويتقدم داخل أوكرانيا ببطء وثبات وقد أزال غالبية القوة الجوية والبحرية وبقيت قوة حرب العصابات التي لم يتعود عليها جيش كلاسيكي مثل الجيش الروسي.

إنها حرب طويلة لن ينجو منها الاقتصاد في جميع أنحاء العالم. ولكنها حرب أميركا الأخيرة ولن تتخلى روسيا عن هدفها مهما كلفها من أثمان كما يؤكد قادة موسكو، فهي دولة مصنعة للأسلحة ولا تعتبر ان الكلفة التي يجب أن تدفعها من خسارة لجنودها مهمة مهما تعاظمت.

ويبقى الخاسر الأكبر من الحرب هو الجميع وعلى رأس هؤلاء الشعب الأوكراني والقارة الاوروبية.