أميركا والفصل بين سورية وإيران

17 مارس 2022 10:00 م

مرّت الذكرى الـ11 على اندلاع الثورة السوريّة التي أسفرت عن قيام واقع جديد في بلد صار تحت خمسة احتلالات، فيما لا يزال النظام قائماً، كون بشّار الأسد لا يزال في دمشق.

المفارقة أنّ النظام غير مدرك بما حلّ بسورية التي عرفناها والتي تتفكّك على مراحل.

يعيش النظام السوري في عزلة عن العالم، بل في عالم خاص به رافضاً أخذ العلم بعمق التغيّرات التي شهدتها المنطقة في ضوء رفضه التخلي عن شعار «الأسد او نحرق البلد»، عنوان كتاب الأميركي من أصل لبناني سام داغر.

يختزل الكتاب المأساة السوريّة أفضل اختزال ويظلّ بين الأفضل في تشريح النظام السوري تشريحاً دقيقاً وكشف الذهنيّة المسيطرة عليه، وهي ذهنيّة مافيا عائلية وشبكة مصالح ودوائر محيطة ومرتبطة بها لا أكثر.

ما بدا بثورة شعبيّة انتهى بخمسة احتلالات يصعب التكهن بما يمكن أن تؤدي إليه.

هناك احتلال إسرائيلي للجولان مستمرّ منذ العام 1967. وهناك احتلال إيراني لجزء من سورية وسيطرة مباشرة لـ«الجمهوريّة الاسلاميّة» على مركز القرار. وهناك احتلال تركي في الشمال السوري.

وهناك احتلال روسي اتخذ شكل قواعد عسكريّة في اللاذقية ومحيطها وطرطوس... وهناك أخيراً احتلال أميركي، على تماس مع الأكراد الساعين الى حكم ذاتي لمناطق سوريّة غنيّة بالنفط والغاز والمياه وكلّ ما له علاقة بالزراعة.

ما يجمع بين الاحتلالات الخمسة هو الرغبة تحويل سورية الى يوغوسلافيا أخرى.

احتاج تفكّك يوغوسلافيا ما يزيد على عشر سنوات وذلك منذ وفاة جوزيف بروز تيتو في العام 1980.

مع رحيل تيتو، بدأت العواصف تضرب يوغوسلافيا التي ما لبثت يوغوسلافيا ان تحوّلت الى دول مستقلّة عدة في بداية تسعينات القرن الماضي.

استطاعت أوروبا بمساعدة أميركيّة مباشرة في ضبط الوضع ووضع حدّ لحروب دمويّة ومآس إنسانية ذات طابع عرقي وديني في أحيان كثيرة.

لم يكن في استطاعة أوروبا البقاء بعيدة عن أحداث مصيرية تدور في يوغوسلافيا داخل القارة العجوز.

هذا ما يفسّر الذعر الذي أصابها مجدّداً نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

جعل هذا الغزو كلّ دولة أوروبية، بما في ذلك المانيا، تضع يدها على قلبها وتباشر في التفكير جدّياً في كيفية حماية نفسها مستقبلاً.

يترافق ذلك مع سؤال في غاية الأهمّية يفرض نفسه بقوة.

هذا السؤال مرتبط الى حد كبير بطبيعة العلاقة الاوروبيّة - الاميركيّة والدرجة التي يمكن فيها الاعتماد على أميركا وحلف شمال الأطلسي كمنظومة دفاعيّة للغرب عموماً.

ما يميّز الحالة السوريّة في الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة الشعبيّة، وهي ثورة، في أساسها رفض السوريين عموما نظاما اقلّويا حولهم عبيدا لديه، بداية اهتمام جدّي أميركي وأوروبي بما يدور في هذا البلد والربط بين الأحداث السوريّة وأوكرانيا.

فجأة، يتبيّن أنّ تجاهل التدخّل الروسي، وقبله الإيراني، في سورية كان من بين الأسباب التي سهّلت على فلاديمير بوتين اتخاذه قرارا باجتياح دولة مستقلّة مثل أوكرانيا.

هذا ما دفع الى مزيد من التصلّب الأميركي في التعاطي مع النظام السوري، اقلّه ظاهراً، بدل استخدام المرونة مع بشّار الأسد كما فعل باراك أوباما في أغسطس 2013 عندما استخدم الاخير السلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري.

من بين ما يؤكّد التشدّد الأميركي، توقيع نائبين في مجلس النواب، هما الجمهوري جو ويلسون والديموقراطي فيشنتي غونزالس، مشروع قرار بعنوان «تقدير للذكرى الـ11 للثورة السورية ضد بشار الأسد والاعتراف بها». يطالب مشروع القرار، بين ما يطالب به:

- اعتراف مجلس النواب بالذكرى 11 للثورة السورية.

- التأكيد أن سياسة الولايات المتحدة هي دعم جهود الشعب السوري للوصول إلى سورية حرة - ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان لجميع السوريين من جميع المكونات الاثنية والدينية والمرأة.

- الإشادة بشجاعة السوريين الذين انتفضوا في 15 مارس 2011 للتظاهر ضد نظام الأسد الوحشي وبشجاعة الناشطين الديموقراطيين المنخرطين في النزاع ضد نظام الأسد.

يشدّد مشروع القرار على «معارضة محاولات تطبيع العلاقات لأي دولة مع نظام الأسد».

كذلك، يطالب بـ «الاعتراف بأنه لا حل للأزمة في سورية مادام النظام الوحشي لبشار الاسد في السلطة».

يطالب مشروع القرار الرئيس جو بايدن بعدم الاعتراف بأي حكومة يشكلها النظام ويقودها الأسد وعدم الاعتراف بترشح الاسد في أي انتخابات مقبلة نهائياً.

ثمّة نقاط أخرى مهمّة في مشروع القرار لا بدّ من التوقف عندها. من بين هذه النقاط:

- مطالبة الرئيس (بايدن) بتطبيق قوي لقانون قيصر، خصوصا ضد المؤسسات الواقعة في مناطق سيطرة النظام وقامت بتطبيع العلاقات معه.

كذلك إيقاف خط الغاز العربي وأي صفقات أخرى للطاقة يمكن ان تؤمن الغاز والكهرباء للنظام.

- مطالبة الرئيس برفض أي حوار أو مفاوضات سياسية مع روسيا بقيادة بوتين في شأن سورية.

- مطالبة الرئيس (بايدن) بوقف كل المشاريع الممولة من الأمم المتحدة في سورية والتي تقدم مساعدة للنظام الوحشي، وبدلاً من ذلك ضمان أن المساعدات تصل إلى مستحقيها من الشعب السوري.

- مطالبة الرئيس بوضع مقاربة جديدة للتصدي لتجارة «الكبتاغون» التي يقوم بها النظام الوحشي.

يعكس مشروع القرار، اللافت في ذكره لتفاصيل من نوع تهريب «الكبتاغون»، وجود تحرّك داخل الولايات المتحدة من اجل الحؤول دون ان تدفع سورية ثمن أيّ صفقة أميركيّة - إيرانيّة كما حصل في العام 2013 في عهد أوباما.

تبيّن، وقتذاك ان قرار الرئيس الأميركي الذي أخذ بنصائح فلاديمير بوتين وامتنع عن الردّ على لجوء رئيس نظام السوري الى السلاح الكيميائي، كان يستهدف مراعاة إيران المتورطة في سورية وفي الحرب على الشعب السوري إلى أبعد حدود.

حدث ذلك في مرحلة كانت المفاوضات السرّية الاميركيّة - الايرانيّة من أجل التوصل إلى اتفاق صيف العام 2015 تمرّ بمرحلة دقيقة.

هل جعلت حرب أوكرانيا الإدارة الاميركيّة تفصل بين ملفيّ سورية وايران.

أيّام أو اسابيع قليلة تفصل عن معرفة ما اذا كانت إدارة بايدن تعلّمت شيئاً من التجارب التي مرّت فيها الإدارات الأميركية المتلاحقة التي تعاطت مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» ومع شخص من طينة بوتين بأوهامه الضخمة وقدرته على استغلال أي نقاط ضعف أميركيّة في أيّ مكان من العالم.