بأي كلفة «تنتصر» روسيا في حربها على أوكرانيا؟

7 مارس 2022 10:00 م

انتهت المرحلة الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا، بعدما دمرت القدرات القتالية الجوية للجيش الأوكراني والدفاعات الجوية والأسلحة الفتاكة. وتمضي المرحلة الثانية في تأمين المناطق والسيطرة على القدرات العلمية النووية ذات العلاقة بأسلحة الدمار الشامل والمفاعلات النووية والمختبرات الجرثومية.

ونشطت في الوقت عينه، المرحلة الثالثة على خط التفاوض عبر سعي روسي لترتيب البيت الأوكراني على نحو يفضي إلى تحييده عن الغرب.

أما المرحلة الرابعة، فلن تتأخر وتقضي بحصار المدن وتطويقها وقطع الاتصال بها وحرمانها من الكهرباء لإخضاعها وإيقاف الإمدادات العسكرية عن الجيش الأوكراني الذي يدافع عنها.

إلا أن رؤية الدبابات والآليات الروسية تحترق، قد أثارت تساؤلات كبيرة، وهي تتعلق بالكلفة التي قد استعد لها الرئيس فلاديميير بوتين لدفعها في الحرب.

وعلى وقع هذه التطورات، انبرى العالم إلى تصوير روسيا «شريرة»، وأوكرانيا «بطلة طيبة»، حتى ذهب سفير أميركا السابق في موسكو مايكل ماكفول إلى القول إنه «لا يوجد روسي بريء أو حيادي بعد اليوم».

وأطلقت الحرب الباردة الجديدة، الماكينة الإعلامية، لتساند أميركا المتهمة بشن حرب عسكرية - اقتصادية على روسيا، على الأراضي الأوكرانية وفي القارة الأوروبية، رغم إن أوكرانيا لا تتبع حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي.

وتهدف أميركا - من خلال «الناتو» - ليس إلى هزيمة روسيا، لإدراكها أن الدولة العظمى ستنتصر في النهاية، بل إلى تحويل أوكرانيا إلى ساحة استنزاف، وتسعى إلى إطالة أمد الحرب لإغراق الجيش الروسي في «المُستنقع الأوكراني ووحوله»، وجعل روسيا دولة ضعيفة لا تأثير لها، خصوصاً بعد الصفقات الإستراتيجية مع الصين وإيران، ومزاحمة الولايات المتحدة على الأسواق العربية والدولية، لتبقى على رأس القيادة للعالم من دون منازع.

إلا أن موسكو، أظهرت أنها مستعدة لدفع الثمن والانجرار إلى «المستنقع» الذي تريده لها واشنطن.

فبوتين قرر خوض معركة لم تخضها بلاده أو أي دولة من قبل من حيث أسلوب وتكتيكات الحرب المتبعة في أوكرانيا.

فقد قرر الجيش - بطلب من بوتين - عدم اتباع سياسة التدمير والأرض المحروقة التي غالباً ما تتبعها الجيوش قبل الدخول في المعارك. واكتفى منذ اندلاع المعارك، بضرب صاروخ ذكي واحد على العاصمة كييف، أصاب بدقة برج إرسال المحطة التلفزيونية لا غير.

وهذا دليل آخر على أن بوتين يخوض المعركة بكلفة مرتفعة ويدرك نتائجها.

بالإضافة إلى ذلك، استخدم الجيش الروسي أسلوب «التابوت المتحرك» باستخدامه الدبابات والآليات من دون تدمير الأهداف الأرضية، أولاً من خلال قوات خاصة أو مشاة تتعامل مع الفرق الأوكرانية، والتي تمتلك أكثر من 17000 قطعة مضادة للصواريخ، تسلمتها من دول «الناتو».

ولم يدمر الجيش الروسي، المدن ويقتل سكانها كما هي العادة في نماذج الحروب التي تعمل على كسر معنويات السكان والمقاتلين والجيش، ما يتسبب بهروب واستسلام المدن الأخرى. ولم يقطع اتصالات الجيش الأوكراني ولا مدنييه، ولم يلتفت كثيراً إلى الكمائن لأرتال الدبابات ولم ينشر القناصة.

وقد لوحظ استطلاع قليل أمام تشكيل الدبابات الجبهوي وليس الهجوم السهمي، الذي يؤمن الحماية للقوات المتفوقة، وهذا يدل على الثقة المتزايدة بالنفس ما كلف الجيش الروسي خسائر بشرية وعتادا.

وتتقدم أرتال الدبابات من الشمال والشرق والجنوب لتشكيل جزيرة تعزل فيها الجيش الأوكراني لتخفيف الخسائر، علماً أن أوكرانيا تمتلك أقوى جيش في دول الاتحاد السوفياتي السابق ويبلغ عدده نحو 400 ألف جندي وضابط واحتياطي، وتدرب لأعوام على أيدي «الناتو»، وقام بمناورات متعددة مع الحلف.

كما يخوض مواجهات منذ 8 أعوام في منطقة دونباس الشرقية.

وثمة اعتقاد بأن موسكو تدرك من تجابه وتصر على إبقاء القدرات الأوكرانية والمحافظة عليها (الجيش والقوى الأمنية).

إذاً، لقد رفع بوتين شعار «لا للأرض المحروقة» لغاية اليوم... ومن غير المعروف ما إذا كان سيتجه إلى تغيير سياسته العسكرية التي توقع خسائر كبيرة في صفوف جيشه أم لا.

لكن تصميمه على هذه السياسة أو تغييرها وتحمل نتائجها لن يغيّر في أهدافه، أي إخضاع أوكرانيا، لأن أي تغيير من شأنه أن يؤشر إلى ضعف موقفه، مما يعني أزاحة روسيا عن الساحة الدولية لأمد بعيد جداً.