«كورونا» والتطورات الجيوسياسية وسلاسل التوريد تعكّر مزاج التضخم عالمياً

أسعار النفط والغذاء... قصة صعود مشترك

5 مارس 2022 10:00 م

- لا خطط حكومية لصرف دعومات نقدية الفترة المقبلة وتجميد قرار تثبيت الأسعار متوقع
- طريق الأسعار الجنوني لم يعد باتجاه واحد وترجيح سلسلة زيادات
- التعرّض لموجة تضخم أكثر قسوة وارد فأسعار الطاقة متصلة بكافة السلع الأساسية
- الشركات حول العالم ستنقل عبء صعوبة ضبطها لتكاليف النقل إلى «جيب» المستهلك
- مستوردو النفط يعزّزون صعوده برفع مخزونهم ومصدّروه سيفعلون الأمر نفسه لكن غذائياً
- كفاية مخزون الدولة الإستراتيجي لسنة لن تكبح جماح الأسعار
- التضخم لن يكون موقتاً وعودة سلاسل التوريد لتدفقاتها الطبيعية تحتاج 3 سنوات

بينما ينعش ارتفاع أسعار النفط وبقوة إيرادات ميزانية الكويت التي تعاني عجزاً متتالياً منذ نحو 7 سنوات، يبدو أن طريق تسجيل الأسعار القياسية لن يكون في اتجاه واحد.

فالمفاجأة غير السارة هنا، أنه كلما صعد سعر النفط سيكون هناك ارتفاع موازٍ في أسعار السلع غذائياً واستهلاكياً، ما يرجح فرضية انتقال الأسواق في الفترة المقبلة لموجة تضخم أكثر قسوة، باعتبار أن أسعار الطاقة متصلة بصناعة وتوريد جميع السلع.

ونتيجة لذلك سيقابل ما ستجنيه الميزانية العامة من إيرادات مضاعفة من استعادة النفط مستوياته التاريخية، بعد قرب برنت من معدل 120 دولاراً للبرميل، مقارنة بأدنى مستوى وصل إليه آخر 20 سنة عند 15.98 دولار، وتحديداً في 19 أبريل 2020، تسارع وتيرة صعود أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بالتوازي، أخذاً بالاعتبار أنها سجلت أخيراً معدلات غير مسبوقة، منذ انهيار الأسواق المالية العالمية أواسط ثمانينات القرن الماضي.

فتكلفة الوقود المرتفعة تضغط بدورها على الأسعار الإجمالية، لتشكل مع ذلك خطراً على المستهلك، وسط استعار تكاليف النقل، التي طالت نيرانها القطاعات المختلفة، وفي مقدمتها السلع الغذائية والاستهلاكية. كل القطاعات

ونتيجة لذلك، بدأ كل بيت في الكويت وفي جميع أنحاء العالم يشعر بغلاء الأسعار، الذي وصفه البعض بالجنوني، مدفوعاً بوقع التوترات السياسية، وقبلها جائحة كورونا التي كان من تداعياتها انقطاع سلاسل التوريد العالمية تارة، وتباطؤها تارة أخرى، ما أدى في النهاية إلى تعزيز مسار تكاليف النقل والتأمينات، التي نما بعضها أخيراً بمعدلات وصلت عشرات أضعاف أسعارها السابقة.

يشار إلى أن صندوق النقد الدولي حذّر في وقت سابق من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع ظهور بعض مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم، علماً أن الأرقام القياسية للتضخم محلياً ارتفعت في يناير الماضي إلى 4.3 في المئة على أساس سنوي، حسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء.

مستويات مقلقة

وأخذاً بالاعتبار أن الكويت دولة مستوردة في المقام الأول لجميع السلع الرئيسية، وعلى رأسها الأغذية والمواد الإنشائية، والأجهزة الإلكترونية، يكون على الجميع الاستعداد لموجة تضخم جديدة، لن تكون على الأرجح موقتة، بل ممتدة مدعومة بما يحدث مع الشركات وآلية التسعير عالمياً. وبالطبع ستبقى هذه التوقعات حاضرة إلى أن تتغير المعطيات والوقائع التي يمكن أن تلجم تسارع وتيرة التضخم عالمياً.

وواضح أن مرحلة غلاء الأسعار لمستويات مقلقة ستكون طويلة، وهذا ما أكده خبراء دوليون، حيث توقعوا المزيد من الزيادات في الأسعار واستمرارها، وما يعزز هذه التوقعات، مزيج عوامل غير مسبوقة تعكر أجواء التضخم، ليس أقلها أن تعافي سلاسل التوريد، وعودتها لطبيعتها يحتاج 3 سنوات حسب تقديرات المؤسسات الدولية.

واستبعدت مصادر حكومية خيار منح أي دعومات إضافية للمواطنين في الفترة المقبلة، في مواجهة موجة ارتفاع الأسعار الحالية، سواء نقدية، أو من خلال زيادة أوزان التموين غذائياً وإنشائياً. وقالت المصادر إن شبكة الدعومات الحالية تستقيم مع أوضاع سيولة صندوق الاحتياطي العام، والعجز المسجل، رغم تراجعه قياساً بالمعدلات المحققة العام الماضي، مشيرة إلى أن الدعم المقدم حالياً للسلع الرئيسية سيظل على معدلاته والتي يُعوّل عليها كثيراً في تهدئة الأسعار.

غُبار الحرب

ووسط استمرار تداعيات جائحة كورونا، ولو أن مخاوفها قد قلت، وزيادة القلق من تصاعد غبار الحرب الروسية الأوكرانية وإمكانية تحولها لحرب عالمية ثالثة، يتنامى القلق في الأسواق المستوردة للنفط، من استمرار صعوده، وكمحاولة تقليدية سيلجأ مستوردو الطاقة لزيادة طلب النفط بغرض تخزينه، لتقليل فرص التعرض لأزمة مستقبلاً، ما ينبئ بتحقيق قفزة إضافية في أسعاره، خصوصاً في ظل إبقاء منظمة أوبك على خططها في ما يتعلق بسقف إنتاجها، بينما يتقلّص الضخ الروسي.

وفي الوقت نفسه ستتجه معظم الحكومات والشركات المستوردة للسلع الغذائية والاستهلاكية لتبني السلوك نفسه، بزيادة معدلات تخزينها من هذه المواد وللأسباب نفسها، ما يؤدي حكماً لتصاعد معدلات طلبها، مقابل تراجع منسوب المعروض عالمياً، ومن ثم ستتزايد فرص الانكشاف على مخاطر موجات زيادة جديدة بالأسعار.

وعملياً ستضطر الشركات حول العالم، إلى نقل عبء صعوبة ضبطها لتكاليف النقل إلى «جيب» المستهلك، فمع استمرار ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد، غير مأمول إلزام هذه الشركات بضمان استقرار الأسواق محلياً.

وتحظى فرضية تعرض الأسواق محلياً لقفزة أسعار جديدة، وربما لقفزات متتالية، بقبول حكومي، فمجرد إحكام القبضة الرقابية على الأسواق، والعمل على تأمين المخزونات الكافية من السلع الضروية، لم يعد كافياً لتهدئة موجة الصعود، التي تضرب كل أسواق العالم وفي وقت واحد، وذلك بشهادة الفواتير، وأرقام الكلفة المتضاعفة، ما يعني أنه يصعب رقابياً تثبيت الأسعار، أو حتى منع الزيادة المسجلة، لا سيما إذا كانت معدلاتها لا تخالف تحركها عالمياً.

قفزة جديدة

وفيما أكدت المصادر أن مخزون الدولة الإستراتيجي من السلع الرئيسية وفي مقدمتها الحبوب واللحوم سواء الحية أو المجمدة، في أحسن أحواله خلال هذه الفترة، وأن السلع الرئيسية ذات الصلاحية طويلة الأجل تكفي لفترة تتراوح بين 6 و12 شهراً، لم تستبعد حدوث زيادات إضافية للأسعار خلال الفترة المقبلة، تحت ضغط تباطؤ سلاسل التوريد عالمياً. ومع هذه التوقعات لفتت المصادر إلى إمكانية تجميد قرار تثبيت الأسعار الذي صدر خلال أزمة كورونا، باعتبار أن الغلاء المسجل بالفترة الأخيرة محلياً مدفوع بحركة الأسعار المتطورة عالمياً.

7 خطوات على طاولة الحكومة لمكافحة التضخم

بينما تتزايد مخاوف المستهلكين من استمرار تعرض السلع الرئيسية لارتفاعات، خصوصاً مع قرب حلول شهر رمضان، ذكرت المصادر أن مسؤولي وزارة التجارة والصناعة قدموا قبل فترة إلى مجلس الوزراء مجموعة توصيات، وإجراءات، تحقق نسبياً انضباط الأسواق محلياً، أبرزها:

1 - العمل على تعزيز متانة المخزون الإستراتيجي للسلع الغذائية.

2 - إعادة النظر في هيكل الرسوم الجمركية التي تحصّلها الجهات الحكومية.

3 - طرح أراض تخزينية جديدة، يمكن من خلالها رفع الطاقة الاستيعابية لتخزين السلع الغذائية والاستهلاكية، مع تشجيع القطاع الخاص لتعزيز مخزونه الإستراتيجي.

4 - تشجيع الهيئة العامة للقوى العاملة على فتح باب تراخيص العمل الجديدة، لتخفيف تكلفة النقل والأعمال المترتبة على زيادة الأجور المحققة أخيراً بسبب وجود نقص في القوى العاملة.

5 - إعادة ترسيم دور الجمعيات التعاونية، بما يزيد كفاءة قيامها بدورها الحقيقي، لجهة تحقيقها توازناً بالأسعار لصالح المستهلك.

6 - زيادة القبضة الرقابية على الأسواق، والتصدي لأي محاولة مصطنعة لرفع الأسعار.

7 - تنمية ثقافة الاقتصاد في الاستهلاك، بتحفيز المستهلك لمراعاة إمكاناته وحاجاته الحقيقية، بعدم الشراء غير المبرر، والذي يشعل الاستهلاك أكثر، ومن ثم تقليل ضغط السحوبات على الأسواق والمخزون الإستراتيجي.