قيم ومبادئ

السمع والطاعة

10 فبراير 2022 10:00 م

السمع والطاعة، أحدث جدلاً دستورياً وتنظيمياً تبعه انشقاقات بل واتهامات لم تتسع لها صدور البعض، فأصبح الخيار الوحيد المتاح بين السمع والطاعة أو الانفصال والانشغال بتكتل جديد ولخط جديد!

والناس في هذه المسألة منهم من رضخ للتهديد أو الشتيمة! ومنهم من كتم في صدره ليحفظ الود - إن كان هناك ود - ومنهم من ترك العمل برمته بسبب تعنت المسؤول والسمع والطاعة فُسرت بعده تفاسير تبعاً للمدارس الفقهية التي تتبعها، فالخوارج تحجروا بمعناه وانفرد كل واحد بناحية يفسره كيفما يريد، والحزبيون ألصقوه بالدين وجيروا النصوص لصالحهم ومصالح حزبهم. وعلى هذا الأساس جرى الخطاب الإسلامي - السياسي - والخطاب العروبي الحزبي.

وهنا يبرز سؤال، هل الكويت دولة شورى إسلامية أم هي دولة استبدادية عسكرية النزعة! تأمر ويجب على رعاياها السمع والطاعة كحال بعض الجماعات الإسلامية؟ ولا تتيح لهم أن يناقشوها في ما تفعل أو تقول!

معظم قادة الأحزاب والزعماء الوطنيين يعتقدون أنهم وحدهم الذين يحق لهم أن يتناقشوا في ما بينهم، فإذا توصلوا إلى قرار فهو ملزم لجميع القواعد الحزبية وعلى الجميع واجب السمع والطاعة بغير اعتراض... كما ساد الاعتقاد بأنه لا يمكن العمل واستمرار الإنجاز إذا لم يكن للزعيم حق السمع والطاعة.

ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن كل قائد لا بد أن يذهب في يوم من الأيام، والحقيقة الأخرى أن التربية المطلوبة بشكل عام اليوم هي أن تنتج الجماعة أو الحزب جنوداً طائعين ينفذون أمر القائد في استسلام تام، ولكنها لا تربي أفراداً صالحين قادرين على تحمل المسؤولية، وعليها فما أسهل من انحراف الجماعة كلها بانحراف المسؤول فقط.

إن مبدأ السمع والطاعة وما يلحقه من آداب يجب أن تُراجع بصورة شاملة ودقيقة من الناحية الشرعية والدستورية والتربوية، فمن الناحية الشرعية تنضبط الطاعة بضابطها الشرعي «إنما الطاعة في المعروف» ومن الناحية التربوية ونظامها التربوي يجب أن يكون هناك ما يوقف «المسؤولين» عند حدهم حين يقعون بالمخالفات الشرعية الواضحة، ولكن لا يتمادوا في اختياراتهم الإدارية من أجل تصفية الحسابات والمحافظة على كيان الحزب ورموزه!

وإذا استمر الحال كما هو عليه وبقيت الجماعة أسيرة لما يقرره مسؤولوها يفعلون ما يعنى لهم رغم تقدمهم بالسن وبالتفكير - حتى مع افتراض الإخلاص الكامل فيهم - فسيظل العمل يتعثر ويتعثر ويتشظى لجهة عدم وضوح مبدأ السمع والطاعة ومقاصده الشرعية، ذلك أن الظروف الراهنة في العمل دقيقة للغاية بسبب الملابسات الداخلية والخارجية ففي داخل الجماعة ضعف تربية الشباب وانحسار التدين واضح فيهم، وفي الخارج الانفتاح والفضاء الواسع للأفكار المنحرفة والشذوذ الأخلاقي الذي يستهدف فئة الشباب مع هلامية معنى الحرية وممارساتها، الأمر الذي اختلطت معه المفاهيم، ما نتج لنا المساس بالذات الأميرية والإمعان في إطلاق الاتهامات، لأن الدليل أو الخروج على الآداب العامة والذوق العام تحت ذريعة الحريات الشخصية، كما أن الفراغ في الساحة الدعوية جعل فئة الشباب المنفتح يتفرج على البضاعة الحاضرة أمامه في «الدكان الديموقراطي» وبضاعة حاضرة في «الدكان الليبرالي» أو الحداثي أو مما تعج به الساحة مما يلوث العقول والأرواح.

إن بقاء مسألة السمع والطاعة عند النخب السياسية في دائرة الغموض وعند الإسلاميين في دائرة الجدل فيما هو من حق ولي الأمر، وفيما ليس له الحق فيه وتجب محاسبته (بالنسبة للدستور الكويتي، الأمير ذاته مصانة، ولا يجوز محاسبته مباشرة إلا من خلال وزراءه)، وعلى هذا النحو من السوء تجري الأمور في عالمنا العربي والإسلامي اليوم، ويُراد لها أن تسير إلى الأسوأ خلال السنوات المقبلة من أجل أن تعيش الدولة اليهودية وتتوسع بالتأييد المكشوف من أميركا - راعية السلام - والتأييد الصامت المستتر من جانب روسيا وأوروبا التي تكتفي بصيحات الاستنكار على إسرائيل كلما وقع عدوان جديد.