لسد النقص مع تزايد تعداد البشر... والخيارات تشمل دود الحرير وصراصير الحقل والجراد

الحشرات... «مناجم» غذائية مستقبلية!

1 فبراير 2022 10:15 م

تُلبي حيوانات وطيور المزارع والأسماك جزءاً كبيراً من الاحتياجات الغذائية البشرية من البروتين الحيواني. لكن يبدو أن الحشرات أيضاً قد باتت في طريقها إلى الانضمام إلى تلك القائمة لمواكبة وتلبية الزيادة المستقبلية الكبيرة المتوقعة في حجم الاستهلاك البشري في المستقبل.

فبينما تبقى الكتلة والمساحة الإجمالية لكوكب الأرض ثابتة، من المتوقع أن يرتفع تعداد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول العام 2050، وهكذا ستصبح مصادر البروتين الغذائي الحيواني التقليدية الراهنة غير كافية لسد احتياجات البشر.

في هذا الاتجاه، قطع فريق من الباحثين والعلماء الأميركيين شوطاً لا بأس به على طريق وضع أسس علمية لابتكار وتطوير تقنيات وفعّالة لعزل كميات تجارية من البروتين الصالح للاستهلاك الآدمي من أنواع معينة من الحشرات، وهي التقنيات التي تعتمد على تمييز وتصنيف الخصائص الغذائية والوظيفية للبروتين الموجود في أجسام حشرات من أبرزها الجراد ودود القز والجنادب وصراصير الحقل.

نستعرض في التقرير التالي جوانب من المساعي البحثية التي يبذلها أولئك العلماء على طريق تحويل الحشرات إلى «مناجم غذائية» من خلال مشروع بحثي ذي تطلعات مستقبلية....

العلماء الذين يقودون هذا المشروع البحثي الرائد بتمويل من جامعة ويست فيرجينيا هم: البروفيسور جاسيك جاكزينسكي أستاذ علوم الأغذية وسلامة أغذية العضلات في كلية ديفيس للزراعة والموارد الطبيعية والتصميم بجامعة ويست فيرجينيا الأميركية، والبروفيسور يونغ-لاك بارك أستاذ علم الحشرات، والبروفيسورة كريستين ماتاكسيد أستاذة علوم الحيوان والتغذية.

وعن الرؤية التي ينطلق منها المشروع، قالت البروفيسورة كريستين ماتاك: «بشكل عام، أعتقد أنه سيبقى لدى البشر ما يكفي من الكربوهيدرات في المستقبل، لكن هناك نقص في البروتين وسيزداد حجم ذلك النقص مع تزايد أعداد السكان. لهذا السبب، قررنا أن نستهدف الحصول على البروتين من مصادر طبيعية بديلة كالحشرات على أمل الإسهام في تقليص مشاكل الجوع وسوء التغذية حالياً وفي المستقبل».

وحتى الآن، نجح العلماء في تحديد الخصائص الغذائية والوظيفية التي يتسم بها البروتين الموجود في أجسام أنواع من الجراد والجنادب ودود الحرير (القز) وحتى الديدان الطحلبية، وبهذا تمكنوا من ابتكار أول تقنية فعالة لاستخلاص ذلك البروتين بحيث يكون مناسباً كغذاء صحي للبشر.

وعن ذلك، قال البروفيسور جاكزينسكي: «أصبح لدينا الآن براءة اختراع مسجلة لتقنيتنا الخاصة بعزل البروتين من الحشرات. ومن خلال تقنيتنا هذه، نستخلص البروتين ثم نتعرف على خصائصه وكيف يمكن تهيئته لاستخدامه كغذاء بشري مفيد وآمن تماماً»، مشيراً إلى أن عملية العزل تتم من مصادر متنوعة وتسمح بتنقية البروتين وزيادة كثافة تركيزه.

وتابع: «على سبيل المثال، يحتوي الحليب على ماء ودهون وكربوهيدرات وفيتامينات ومعادن وبروتينات مختلفة مثل بروتين الجبنين (الكازين) وبروتين مصل اللبن.

ويمكن عزل بروتين مصل اللبن بشكل انتقائي عن طريق عمليات عزل مختلفة، وهي العمليات التي تستبعد الماء والدهون والكربوهيدرات، وما إلى ذلك. وتؤدي هذه العملية إلى عزل بروتين مصل لبن نقي وعالي التركيز».

وبروتين مصل اللبن المعزول هو من الإضافات الغذائية الإشاعة جداً التي تستخدم على سبيل المثال لتصنيع الأطعمة التي تحتوي على نسبة بروتين معززة.

وفي إطار مشروعه وزملائه البحثي، نجحوا في عزل بروتينات متنوعة من الحشرات، بما في ذلك بروتين بناء أنسجة العضلات.

وخلال تجاربهم المختبرية، اكتشف الباحثون أنه يمكن عزل واستخلاص البروتين بكفاءة وبجودة عالية من الحشرات باستخدام خاصية كيميائية تعرف بـ«قابلية الذوبان والترسيب في الرقم الهيدروجيني».

وقال البروفيسور بارك: «الديدان الطحلبية وصراصير الحقل من بين الحشرات المرشحة بقوة، وذلك لأنه من السهل جداً تربيتها وتكاثرها بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة» ومن جانبها، قالت البروفيسورة ماتاكسيد: «الزيادة السكانية تؤدي إلى تزايد الطلب العالمي على مصادر البروتين المستدامة، وهذا بدوره يفرض علينا التحول من المصادر التقليدية الحالية - كاللحوم والأسماك والبيض - والبحث عن مصادر أخرى غير تقليدية. لذا، رأينا أن الحشرات الصالحة للأكل توافر بدائل واعدة لكون أجسامها غنية بالبروتين وتحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، فضلاً عن أنه من السهل تربيتها بتكلفة زهيدة وبكميات ضخمة في مزارع».

وإلى جانب استخلاص البروتين النقي من الحشرات، يعكف الباحثون على دراسة إمكانية أكل الحشرات كاملة بعد معالجتها بطرق معينة.

وفي هذا الإطار، يقترح الباحثون تجفيف وتحميص وتعقيم الحشرات ثم تحويلها إلى مسحوق ناعم على غرار تحويل الحبوب النباتية إلى طحين لتسهيل طهيها وخبزها وأكلها بطرق متنوعة.

لكن الباحثين يُقرِّون بأنه على الرغم من أن تحويل الحشرات إلى مساحيق صالحة للأكل الآدمي هي طريقة معالجة بسيطة وملائمة لزيادة مدة صلاحية المنتج الغذائي، فإنه من المرجح أن يؤدي انطباع الناس إلى الحد من إقبالهم على استخدام ذلك المسحوق كجزء من مكونات الوصفات الغذائية.

واختتم جاكزينسكي بالقول: «مع تزايد تعداد سكان العالم، سيتعين إيجاد مصادر إضافية لإطعام الجميع، وخصوصاً المجتمعات الفقيرة.

لا نقول إن الحشرات ستحل محل حيوانات وطيور المزارع، لكنها ستكون مورداً إضافياً متجدداً ومستداماً.

ومن بين المزايا أنه يمكن حصاد بروتين الحشرات بشكل سريع، كما أن تربية الحشرات ستتطلب استخداماً أقل للأرض والمياه، فضلاً عن أن دورة حياة الحشرات قصيرة، وتتكاثر سريعاً، ومتطلباتها الغذائية بسيطة.

فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط مدة دورة حصاد الحشرات عموماً 45 يوماً فقط، وهي فترة أقصر بكثير من أربعة إلى 36 شهراً لحيوانات المزارع التقليدية».