طهران - موسكو... لن يأخذ الغرب حصة الأسد في بناء إيران

22 يناير 2022 10:00 م

ثلاث جولات من المباحثات، ولقاءات على مدى يومين، وكلمة في مجلس الدوما للرئيس إبراهيم رئيسي، بدت دلالة كافية للأهمية التي يوليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزائره القادم من طهران، الذي أعلن ضمن برنامجه السياسي أن بلاده ستتجه شرقاً، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنها ستغلق الباب أمام الغرب.

وليس صدفة أن تتزامن زيارة رئيسي لموسكو مع التدريبات التي ستجريها البحرية الإيرانية والصينية والروسية في المياه الدافئة، والتي تشكل رسالة لأميركا بأن الدول التي تشن عليها واشنطن الحرب بالعقوبات، تتحد في ما بينها للتغلب على «الأحادية» التي سيطرت لوقت طويل على العالم.

فقد رست مجموعة بحرية تابعة لأسطول المحيط الهادئ الروسي، في ميناء تشابهار الإيراني المطل على خليج عُمان، للمشاركة في تدريبات مشتركة على قتال السفن والمناورات المتناسقة لضمان سلامة السفن الدولية ومكافحة القرصنة وتدمير الغام عائمة بنيران المدفعية والتصدي للغواصات المتسللة، على مساحة 176 ألف كيلومتر مربع في شمال المحيط الهندي.

وقد أجرت الدول الثلاث مناورة بحرية في 15 أكتوبر الماضي، اعتبرت ناجحة وغير مسبوقة التعاون والتنسيق.

وقد فعلت أميركا المستحيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لإبعاد روسيا عن خليج عُمان والمياه الدافئة، وكذلك محاصرة الصين من خلال بناء قواعد عسكرية - بحرية في الدول المحيطة بها.

وهذه المدخلية الإيرانية لروسيا والصين إلى ميناء تشابهار، تؤكد على توجه إيران الإستراتيجي نحو الشرق بعد أن أعلن ذلك ولي الفقيه السيد علي خامنئي عن توجه إيران الجديد والذي فقد ثقته بالغرب بعد أن مزق الرئيس دونالد ترامب الاتفاق النووي عام 2018 ولم تلتزم أوروبا بأي من البنود التي وقعت عليها المانيا وفرنسا وبريطانيا مخافة من العقوبات والغضب الأميركي.

وتالياً، فقد استقبل الرئيس الروسي نظيره الإيراني الذي يقوم بأول زيارة لرئيس أجنبي منذ توليه الحكم رغم مشاركته في مؤتمرات سابقة.

وفي الحكومات الإيرانية السابقة، منذ تسلم هاشمي رفسنجاني الحكم، تتابعت الحكومات الإيرانية حول سياسة الانفتاح نحو الغرب رغم توقيع معاهدة للتعاون مع روسيا والتي لم تطبق كما كان يجب.

ولم يأتِ رئيسي وحده، بل حضر على رأس وفد كبير، اعتبره المسؤولون الروس «خطوة مهمة» لوجود وزراء الخارجية والطاقة والصحة فيه، كدليل على الملفات المتعددة التي تنوي إيران الانفتاح عليها مع روسيا.

ومن المهم ذكره أن رئيسي وقف في «الدوما» ليلقي كلمة حيث وقف الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عام 2000 عندما كان بوتين في أولى أيامه السياسية كرئيس دولة عزلت نفسها بعد «البريستروكيا» وقررت الخروج إلى الساحة السورية، حيث جمعها الدم مع إيران في ساحة واحدة.

فالعلاقة الروسية - الإيرانية لم تبنَ على الإيديولوجية بل هناك مصالح براغماتية - دفاعية - أمنية تعزز التعاون وليس التحالف وهناك مصالح مشتركة للحد من تأثير أميركا ولرفع التبادل التجاري المتدني خصوصاً أن الدولتين تعانيان من العقوبات الغربية، ما يجمعهما على تحدي هذه العقوبات والعمل على تقليص التعامل بالدولار إلى حين بناء تبادل تجاري لا يلحظ العملة الأميركية كأساس للتبادل الاقتصادي بين الدول الرافضة للهيمنة الأحادية للعالم.

وقد تعرضت روسيا للعقوبات منذ عام 2014 بينما تنوء إيران تحت العقوبات الأميركية منذ انتصار الثورة عام 1979.

وتقدم إيران على هذه الخطوة المهمة في وقت تدفع أميركا القارة الأوروبية لتكون الدرع الأساسية لحرب بين روسيا وأوكرانيا. وكان بوتين يتكلم عن انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عندما زاره كلينتون، بينما تستخدم أميركا هذا الحلف اليوم ليشكل خطراً حقيقياً على أمن روسيا.

وتالياً فإن إيران لن تتردد بتقديم المساعدة التي تطلبها روسيا وتقع في إطار التعاون الاقتصادي لكي لا تشعر موسكو أنها ستكون وحيدة في مواجهة العقوبات الأميركية التي من الممكن أن تفرض عليها حسب التطورات على الجبهة الأوكرانية.

ولهذا، فقد افتتح رئيسي جولته الرئاسية الأولى ليقول إن إعادة بناء وتطوير إيران لن يكون من حصة الغرب، بل إن لروسيا حصة في المشاريع المستقبلية التي تبلغ آلاف المليارات من الدولارات.

وهذا سيحصل لا شك فيه جراء رفع العقوبات الأميركية وتوقيع الاتفاق النووي في فيينا بعد أن تقدم أميركا الضمانات التي ترضي إيران موقتاً.

ففي 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي، طلبت إيران شراء طائرات لتحديث أسطولها بقيمة 40 مليار دولار من فرنسا وأميركا، إلا أن إدارة ترامب - وقبلها أيضاً إدارة باراك أوباما الموقعة على الاتفاق - اعتبرت أن أميركا لم تأخذ الحصة الكافية، وتالياً فإنها لا ترى فائدة تجارية لها بالمحافظة على الاتفاق النووي.

وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية التي مزق لأجلها ترامب الاتفاق.

لم يوقع رئيسي على تحالف مع روسيا ضد الغرب بل لإدخال روسيا، والصين أيضاً، إلى الأسواق الإيرانية المتعطشة لأن مركز الثقل لم يعد ملكاً للغرب وحده.

ولهذا فإن السير نحو «العلاقات الصادقة» (كما قال رئيسي أمام الدوما) - وتوسيع التبادل التجاري «غير الكافي» أصبح على قمة خريطة الطريق التي وضع أساسها الرئيسان لرحلتهما التي بدأها بقوة «ومصرون على تحسينها»، ختم الرئيس الإيراني.

لن تسر أميركا بما يحدث في موسكو ولا بالتقارب الإيراني - الروسي الإستراتيجي ولا بالمناورات البحرية المشتركة.

إلا أن هذا ما جنته أيديها عندما اعتقدت أنها تستطيع أن تفرض هيمنتها إلى الأبد وتتقبلها الدول كما هي من دون محاولة التخلص من عبء الهيمنة وكلفتها الباهظة... لقد دق جرس التغيير الدولي في موسكو وبكين وطهران.