ترقّب لمقاربات سعر الصرف وإدارة الدين ومداخيل موظفي القطاع العام

لبنان يعاني إشكاليات معقّدة في إعداد موازنة «متوازنة»

17 يناير 2022 07:44 م

ارتقى موضوعا تسريع إعداد مشروع قانون الموازنة العامة للسنة الحالية واستئناف المشاورات الفنية مع إدارة صندوق النقد الدولي مسبقاً صدارة جدول أعمال مجلس الوزراء العائد لعقد اجتماعاته الدورية بدءاً من الاسبوع المقبل عقب رفع الحظر الذي فرضه الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على جلساته على مدى ثلاثة أشهر ونيف.

وليس التزامن في طرح الموضوعين على بساط البحث عرَضياً. فالموازنة الموعودة ستكون بمنزلة المرآة العاكسة لتوجهات الدولة عبر سلطتيها التنفيذية والتشريعية في ميدان الاصلاح المالي وإرساء أسس استدامة الديْن العام من خلال خطة صريحة لإعادة هيكلة موجباته بالعملة الوطنية وبالدولار. وهي بذلك تقع في مقدم الشروط الاصلاحية للمشاركة في برامج الدعم والتمويل التي يضعها صندوق النقد والمانحون الدوليون من دول ومؤسسات وصناديق.

وعليه، ترتقب مصادر مالية ومصرفية كما المجتمع الدولي، تحولات جذريةً في السياسة المالية العامة انطلاقاً من مكوّنات مشروع الموازنة وأرقامها على جانبيْ الايرادات والنفقات، بحيث يتم الخروج بشفافية واضحة من حال «الإنكار» السائدة في مقاربة «التسونامي» النقدي والمالي الذي يضرب بشدةٍ ومن دون استراحة في مَفاصل الاقتصاد الوطني ومَوارده الحيوية، ويقوّض على مدار سنتين ونيّف كامل ركائز منظومة مالية الدولة والقطاع المالي على حد سواء.

وضمن المنطلقات الأساسية، تَعتبر المصادر أن وزارة المال محكومة بالتعامل الموضوعي مع النتائج النقدية والمالية الكارثية التي خلّفتها الانهيارات. وبالتالي، فإن الإشاراتِ الأهمّ لتحديد وُجهة الإصلاحات الهيكلية الموعودة تكمن في تحديد سعر الصرف المرجعي لبيانات الموازنة وكيفية إرساء تَوازُنٍ نسبي بين الإنفاق وأولوياته المتّصلة برواتب موظفي الدولة المتقلصة وخدمة الدين العام، وبين الايرادات وقدرات المكلَّفين من مؤسسات وأفراد على تلبيتها في مجالات الضرائب والرسوم وسواها من الموارد العامة، ومن ثم التحول الى تحقيق فائض أولي يَطْمئن له المموّلون والمانحون الدوليون.

ووفق المعلومات المتقاطعة، يمكن التكهن بأن الموازنة المنتظَرة ستكون البوابة العملية لخروج لبنان من سعر الصرف المعتمد رسمياً حتى الساعة والبالغ متوسطه 1507 ليرات لكل دولار. وثمة ترجيحاتٌ تتصف بالجدية لاعتماد سعر مرجعي مرن قد يتوازى تماماً أو يكون الأقرب لسعر صرف دولارات الودائع في البنوك والذي قررّه البنك المركزي عند 8000 ليرة لكل دولار. فيما يجري التداول باقتراحاتٍ متباينة في شأن سعر الدولار الجمركي الجديد والمؤثّر في احتساب ايرادات الخزينة من الاستيراد، حيث تراوح الاقتراحات بين اعتماد السعر المرجعي الجديد للموازنة أو رفعه الى سعر منصة التداولات النقدية لدى البنك المركزي البلغ حالياً نحو 24 ألف ليرة لكل دولار، إنما مقروناً بسلة إعفاءاتٍ أشمل للسلع الاساسية ذات الصلة بالتوازن المعيشي المأزوم أصلاً.

كما يفترض، بحسب المصادر نفسها، أن يحمل مشروع قانون الموازنة إفصاحاتٍ واضحةً في شأن إدارة الدين العام الذي تعدّت أرقامه 100 مليار دولار «نظرياً»، كون يتم احتساب نحو الثلثين من قيمته الاجمالية بالسعر الرسمي للدولار (1507 ليرات)، فيما هذه الشريحة الأكبر محرَّرة بكاملها بالليرة وقد حققت الدولة وفراً هائلاً بنسبة تقارب 95 في المئة قياساً بالأسعار الجارية للدولار.

في المقابل، تمثّل شريحة الدين بالعملات الصعبة البالغة نحو 35 مليار دولار مركزَ الثقل النوعي في عجز المالية العامة، آنياً وعلى المدى المتوسط. علماً ان الحكومة السابقة برئاسة حسّان دياب «ابتكرت» اوائل مارس من العام 2020 المعالجة الصادمة بقرار تعليق كامل هذه الشريحة من أصول وفوائد، لتصبح مستحقّة بكامل سنداتها الموزَّعة كإصداراتٍ مستقلة ومقسّطة حتى العام 2037.

ولا يقلّ البند الرئيسي الثالث أهمية عن سابقيْه. ففي رصْدٍ أوّلي لحجم الخسائر المحقَّقة في محفظة المخصصات والرواتب وملحقاتها العائدة للقطاع العام وحده والذي يضم نحو 330 ألفاً بين عسكريين وموظفين مدنيين، يتبين ان الاعتمادات الاجمالية التي تناهز 6500 مليار ليرة سنوياً تتعرّض لتقلصات مذهلة في حدّتها إزاء الدولار الذي يمكن اعتماده في تبيان مدى اتساع الخلل في القدرات الشرائية للمداخيل. والمضاهاة وفق السعر الرسمي للدولار البالغ متوسطه 1507 ليرات، تُظْهِر أن كلفة مداخيل القطاع العام كانت تقارب نحو 4.3 مليارات دولار قبل انفجار الازمات في خريف العام 2019، لتنحدر تباعاً وبصورة متدرجة ودراماتيكية وصولاً الى نحو 200 مليون دولار حالياً، وهو رقم مذهل في مدلولاته.

واذ يعول جموع العاملين في القطاع العام على تحسين طارىء في المداخيل عبر المنح والزيادات في بدلات النقل والمساعدات الاجتماعية وسواها، فإن إحباطهم يزداد تعمقاً بفعل تأخير اقرار الموازنة، بينما تتكاثر في المقابل وبصورة لافتة حالات الاستقالات والهجرة والهروب من الخدمة في الأسلاك العسكرية كنتيجة تلقائية لتراكم عجوزات المداخيل حتى عن تأمين أكلاف الحد الأدنى والأبسط من مقومات العيش.