د. عبداللطيف محمد الصريخ / زاوية مستقيمة / ثقافة الشتيمة ونبرات التحدي

1 يناير 1970 05:00 م
أفهم الاستجواب البرلماني على أنه أداة دستورية راقية يقوم بها نائب مجلس الأمة بعد وصوله إلى طريق مسدودة في قضية ما، ولم يجد سوى مساءلة الوزير المعني أمام الجميع من خلال مجموعة من المحاور التي يرى أنها تستحق المساءلة المغلظة.

ولكن ما لا أرضاه لتلك الأداة أن تتحول إلى أداة تهديد للوزراء في الطالعة والنازلة، وأصبح حتى المواطن العادي يهدد الوزراء بالاستجواب لأنه يمون على أحد النواب، والحق أقول إنني بدأت أخاف من بعض الممارسات الديموقراطية، أو تلك التي تتكئ على المادة (36) من الدستور، لأن بعضهم بدأ يمتطي صهوة الكلمة والقلم والكيبورد، ويحد لسانه ويطلق لحنجرته العنان للتشهر في الخلق من دون اعتبار لأدب الخلاف أو الرقي في الخصومة السياسية.

ثقافة الشتيمة وللأسف - أصبحت هي السائدة هذه الأيام، وتعدت الشخص المعني إلى المحيطين به، وتعالت نبرات التحدي وإرغام الأنوف وتكسير الرؤوس، وغاب صوت العقل، وتوارى عن الأنظار حياء منه، ما أصاب القوم في أخلاقهم وقيمهم، واستطاع بعض المأجورين والموتورين، بل حتى بعض المتحمسين المخلصين الغيورين تأجيج المشاعر والعواطف في مصلحة ما يريدون من مواقف سياسية تخدم مصالحهم.

ثقافة الشتيمة ونبرات التحدي أصبحت الأصل وغيرها نشاز، وبات من يدعو إلى استخدام العقل متخاذلا خوّارا، حتى من كنا نظنهم كباراً أصابتهم أنفلونزا بازار الشتائم ونبرات التحدي، وخلبهم بريق الجماهير، وطربوا لأصوات التصفيق والصفير وصيحات التأييد، وركبوا موجة الغوغاء، ولربما صنعوها لينفذوا أجندتهم التي يريدون، كيف لا والعقلاء قد آثروا الراحة، وتركوا الحبل على الغارب من دون حسيب ولا رقيب.

ثقافة الشتيمة ونبرات التحدي أصبحت مهنة بعض نواب الأمة وأصحاب القلم والقنوات، وهؤلاء باتوا محترفين في استخدام الألفاظ المطاطية التي تحتمل المعاني كلها، كما تفننوا في التورية والإيحاء للطعن في الآخرين من دون مستمسك قانوني، أما المبتدئون في عالم الشتيمة فالوقت أمامهم طويل ليتعلموا المزيد من الدروس...

في الأفق

قال الإمام الشافعي:

إذا سبني نذل تزايدت رفعة

وما العيب إلا أن أكون مساببه

ولو لم تكن نفسي علي عزيزة

لمكنتها من كل نذل تحاربه



د. عبداللطيف الصريخ

مستشار في التنمية البشرية

[email protected]