واشنطن «تجرّ» أوروبا نحو التصعيد في وجه موسكو

هل تتجه روسيا إلى نشر قوات وصواريخ في كوبا وفنزويلا؟

16 يناير 2022 09:30 م

إذا ما أرادت أي دولة غربية شن حرب ما ضد عدو، تبدأ بإطلاق حرباً إعلامية لإظهار الخصم وكأنه يتحضر للحرب، وأن غزوه أو اجتياحه قائم في الساعات أو الدقائق المقبلة.

وكان فعل ذلك وزير الخارجية الأميركي كولن باول، داخل أروقة الأمم المتحدة عندما اتهم العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وساعده رئيس الوزراء البريطاني حينها طوني بلير، ليؤكد أن صدام حسين يستطيع استخدام هذه الأسلحة خلال 45 دقيقة. وهذا ما يحصل اليوم بين أميركا، التي تختبئ خلف أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في مواجهتها لروسيا داخل أوكرانيا.

مما لا شك فيه أن توسع «الناتو» إلى أوكرانيا وجورجيا، يعد أكثر الخطوات خطورة على الأمن القومي الروسي، مما يشكل أزمة حقيقية تجد أوروبا نفسها في صف المواجهة الأول، وهي لا تريد معاداة شريكها الروسي الاقتصادي المهم.

وتعلم أوروبا أن نشر الناتو لصواريخ متوسطة وبعيدة المدى في أوكرانيا يمثل حركة استفزازية لن يقبل بها الكرملين، ولذلك فإن حملة إعلامية ضخمة تُشَّن وكأن المعركة واقعة غداً وأن الغزو الروسي على وشك الحدوث.

وكشفت أخبار سربها مسؤولون في الاستخبارات الأميركية، أن وكالة «سي آي إي» تملك برنامج تدريب «لقتل الروس» في أوكرانيا منذ عام 2015.

وهذا السيناريو شبيه بجر الاتحاد السوفياتي السابق إلى الحرب في أفغانستان عام 1979 بعد دعم الولايات المتحدة للمجاهدين، وللحكومة المعادية لموسكو.

وافق الكونغرس الأميركي على دعم أوكرانيا بـ300 مليون دولار، وهددت الإدارة باتخاذ 18 خطوة، يعتقد أنها اقتصادية ستعتمدها واشنطن لمواجهة موسكو في حال اجتياح أوكرانيا.

ولن تحارب الولايات المتحدة بجنودها بل تستخدم الأوكرانيين لزجهم في المعركة، وهي تستدرج أوروبا لتقف ديبلوماسياً في وجه روسيا، وهذا ما يخدم مصالحها على صعد عدة:

1 - تعتبر أميركا أن روسيا خرجت من عزلتها التي فرضتها على نفسها منذ «البريسترويكا» بعد مشاركتها في حرب سورية، وانتصارها على المشروع الغربي القاضي بإحداث فوضى في بلاد الشام.

2 - تعتبر أميركا أن الاقتصاد الروسي تقدم كثيراً إلى درجة أن هناك فائض قوة وانخراطاً في الساحة الدولية حيث بدأت الأسلحة الروسية تغزو الأسواق العربية التي تعتبر منطقة نفوذ أميركية.

كذلك بدأت موسكو بتقديم الاستشارات والمشاريع الإنمائية لدول عدة على نحو يظهر نشاط روسي لم تتعود عليه واشنطن في السابق.

3 - إفساد العلاقة الاقتصادية الروسية - الأوروبية التي تعتبر مهمة وضخمة من حيث التبادل التجاري والغازي بين القارتين - وهذا يخدم مصالح أميركا التي لم ترَ بعين إيجابية مشروع الغاز الروسي «نورد ستريم - 2» بين موسكو وبرلين، وتحاول وقفه بشتى الوسائل.

4 - إيجاد عدو دائم ومستمر، لأن أميركا، كأمبراطورية، تبحث باستمرار عن حرب تفتعلها أو تخوضها لإثبات سيطرتها على العالم وقوتها التي تحتاج إلى تجدد واكتساب الخبرات العلمية.

5 - الاتحاد الروسي - الصيني الذي يشكل خطراً اقتصادياً على أميركا والتي تسعى إلى دفع أي دولة إلى حرب مكلفة لتفريق أعدائها والاستفراد بهم كل على حدة، وتالياً تعتبر أنه ينبغي دفع روسيا إلى الحرب لافتقارها إلى الإمكانيات بسبب الكلفة المرتفعة لأي حرب تخوضها الدول في شكل عام.

ومهما كان شكل السيناريو العسكري، فستكون نتائجه سيئة لكل من أوروبا ولروسيا.

ولذلك فإن فشل المفاوضات الأوروبية - الروسية لا تبعث على التفاؤل.

وقد طلبت موسكو ضمانات خطية من واشنطن بألا تُدخل أوكرانيا إلى «الناتو» انطلاقاً من قناعة بأن أميركا لا تلتزم بعهودها، حتى تلك الموقعة مثلما حصل مع الملف النووي الإيراني.

ولم تدخل أوكرانيا، «الناتو» رسمياً، إلا أن كل التدابير توحي بأنها أصبحت داخل منطقة النفوذ الأميركي من خلال برامج التدريب ونشر الأسلحة والمنظومات الهجومية وليس الدفاعية، كما تدعي أميركا.

وإذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، فإن الكرملين يمتلك أوراقاً أخرى مثل نشر قواته داخل كوبا مع صواريخ متوسطة المدى وكذلك نشر قوات وصواريخ داخل فنزويلا، وهذا سيعد خطراً مباشراً على أميركا تستطيع موسكو، المقايضة عليه لتزيل القلق عن حدودها الشرقية، ما يعيد إلى الأذهان، أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينيات، بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة.

فروسيا تشعر بأمان على حدودها الجنوبية مع كازاخستان، حيث يوجد رئيس قريب من موسكو يحمي الـ7500 كيلومتر التي تمثل حدودها مع هذه الدولة، خصوصاً بعد إيقاف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني - كاراباخ وإنهاء الحركة الانقلابية في كازاخستان.

لذلك على أوروبا لعب الدور المناسب لإقناع أميركا بألا تتخذها «حصان طروادة» لمواجهة روسيا، رغم عدم امتلاك القارة الأوروبية أي ثقل حقيقي ولا قوة تفرضها على واشنطن.

فالسياسة الخارجية الأوروبية غير موحدة والعلاقة مع أميركا تتفاوت بين دول أوروبا الغربية، وأوروبا الشرقية، الأكثر طاعة لأميركا.

وقد سبق أن وجهت أميركا صفعة لفرنسا بضرب اتفاق الغواصات مع أستراليا، وساعدت بريطانيا على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهي تدفع ألمانيا إلى وقف الاتفاق الروسي - الألماني، في ما يتعلق بضخ الغاز الروسي إلى أوروبا.

الحل الوحيد المتبقي سهل جداً، وهو رفض عضوية أوكرانيا وجورجيا في حلف الأطلسي من قبل الأعضاء الـ30 لوضع حد للتدابير التصعيدية... فهل تُقدم أميركا على هذه الخطوة التي بدأتها باستفزاز روسيا وجرّ أوروبا إلى المواجهة أم ترفع وتيرة التصعيد لتتدحرج الأمور إلى وضع أسوأ مما هو عليه اليوم؟