بحرمانه من إمكانية الالتصاق بأغشية خلايا الرئتين تمهيداً لاختراقها

مُستخلصات بكتيرية... تُغلق «الأبواب» في وجه «كورونا»!

13 يناير 2022 10:00 م

عندما يصل فيروس كورونا المستجد إلى الرئتين، فإن أول خطوة يقوم بها تمهيداً للهجوم هي أنه يُلصق نفسه بالمستقبلات السطحية التي توجد في الأغشية الخارجية لخلايا الرئتين، بما في ذلك الخلايا المعروفة باسم ACE2. وبعد التصاق الفيروس، يقوم الإنزيم الخلوي الموجود في تلك المستقبلات بتغيير شكل بروتين شويكات الفيروس فيتمكن بالتالي من اختراق غشاء الخلية واقتحامها لتبدأ العدوى الالتهابية.

وبتعبير أبسط، فإن شويكات الفيروس تكون بمثابة «المفاتيح» الهجومية، بينما تكون مستقبلات ACE2 بمثابة «الأبواب» التي تسعى الشويكات إلى فتحها للنفاذ من خلالها إلى داخل الخلية لتدميرها.

انطلاقاً من هذا السيناريو، نجح باحثون في اكتشاف آلية وقائية مبتكرة جديدة للتصدي لفيروس كورونا المستجد، وهي الآلية التي تعتمد على سد الطريق أمامه تماماً من خلال تعطيل تلك «الأبواب» تماماً بحيث لا يجد الفيروس أي منفذ يقتحم الخلية من خلاله.

نستعرض في التقرير التالي تفاصيل تلك الآلية الوقائية الجديدة... في خطوة إيجابية جديدة على طريق التصدي لجائحة «كوفيد- 19»، اكتشف باحثون تابعون لكلية الطب في تاسكون التابعة لجامعة أريزونا الأميركية أن مستخلصات بكتيرية معينة تُستخدم عادة لعلاج التهابات الجهاز التنفسي تتمتع بالقدرة على مكافحة الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد- 19، وذلك عن طريق إضعاف قدرة الفيروس على الارتباط بمستقبلات أسطح الخلايا الرئوية.

نتائج الدراسة نُشرت في مجلة الحساسية والمناعة السريرية (JACI)، وخلصت إلى أن تركيبة محددة من المستخلصات البكتيرية المعروفة باسم OM-85 تكبح عدوى كوفيد- 19 عن طريق الحد من قدرة الفيروس على الارتباط بمستقبلات أسطح خلايا الرئتين، وهي المستقبلات التي يُشار إليها اختصاراً بالرمز ACE2.

وفي سياق ورقتهم البحثية، أوضح الباحثون أن تلك التركيبة هي عبارة محلول علاجي يتألف من جزيئات يتم استخلاصها من جدران خلايا أنواع معينة من البكتيريا غير الضارة، وهو المحلول الذي يتم تسويقه في دول أوروبية تحت الاسم التجاري Broncho-Vaxom كعلاج وقائي ضد بعض التهابات وأمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال والبالغين.

وتعليقاً على هذا التطور البحثي الواعد، قالت رئيسة فريق الباحثين البروفيسورة دوناتا فيرتشيلّي، أستاذة الطب الخلوي والجزيئي وعلم الوراثة: «استراتيجيات الوقاية الحالية ضد عدوى فيروس كورونا المستجد تعتمد على اللقاحات التي تحفز جهاز المناعة لدينا على الاستجابة بشكل أساسي عن طريق إنتاج الأجسام المضادة. وترتبط تلك الأجسام المضادة بأجزاء معينة من أشواك الفيروس لتمنعه من الارتباط بمستقبل سطح خلية الرئة، حيث يمكن تشبية الأشواك الفيروسية بالمفاتيح المهاجمة وتشبيه تلك المستقبلات السطحية بالأقفال الدفاعية».

وأضافت موضحة لآلية عمل المستخلص البكتيري: «نتائج هذه الدراسة تعتبر فريدة من نوعها، وذلك لأنها المرة الأولى التي عالج فيها باحثون المستقبلات (التي هي بمثابة أقفال) بمستخلص بكتيري وأثبتوا أنه يمنح وقاية عالية ضد العدوى بفيروس كورونا المستجد. وبشكل أساسي، ما تقوم به تلك المستخلصات هو أنها تسد فتحات تلك الأقفال (المستقبلات) تماماً بحيث لا يصبح هناك مناطق يستطيع الفيروس أن يتعلق بها تمهيداً لاختراق غشاء الخلية وإصابتها بالعدوى».

وأشارت فيرتشيلّي إلى أنها كانت قد بدأت الرحلة البحثية مع أعضاء فريقها البحثي من نقطة تحليل بيانات كانوا قد جمعوها في دراسة سابقة حول الوقاية من الربو، وذلك بهدف استكشاف ما إذا كانت لمستخلصات OM-85 تأثير علاجي على مستقبلات ACE2 وعلى الإنزيم المسؤول عن فتح الطريق أمام فيروس كوفيد- 19 كي يغزو الخلايا الرئوية.

ومن خلال سلسلة من الاختبارات الإكلينيكية، اكتشف الباحثون أن المعالجة المسبقة للخلايا الرئوية بـمستخلصات OM-85 أدت إلى منع إصابتها بفيروس كورونا المستجد. ولاحظوا أن قدرة تلك المستخلصات على منع العدوى الفيروسية تتوقف على مدى قدرتها على تقليل دور ونشاط مستقبلات ACE2».

وكشفت فيرتشيلّي عن كلمة السر في نجاح تلك الآلية العلاجية قائلة: «الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 هو الجزء المهم الذي يوجه دفة هذه العملية. فتعطيل دوره يؤدي إلى إخراج سلسلة العدوى عن مسارها بالكامل وبالتالي منح الشخص وقاية ضدها».

وعن الفرق بين طريقة عمل هذه المستخلصات وطريقة عمل اللقاحات، قالت فيرتشيلّي: «الآلية التي من خلالها تمنع OM-85 العدوى الفيروسية مختلفة. فالآلية الخاصة باللقاحات أو علاجات الأجسام المضادة تركز على مهاجمة البروتين الفيروسي. أما آلية مستخلصات OM-85 فإنها تعتمد على استهداف المستقبلات الخلوية، وبهذا فإنها تقفل الباب الذي يسمح للفيروس بغزوالخلايا. وهذا قد يجعله أكثر فعالية ضد أي متحورات جديدة قد تحاول مهاجمة الخلايا من خلال بوابات مستقبلات ACE2»، منوهة بأن «العلاج باستخدام المستخلصات البكتيرية يمكن أن يعزز التبادل التفاعلي الإيجابي بين الجهاز المناعي والمكونات الميكروبية الحميدة».