أي أصداء لهزيمة الحوثيين في شبوة

13 يناير 2022 10:00 م

يصلح التساؤل هذه الايّام هل بدأ المشروع الإيراني في اليمن يتراجع؟ يبرّر مثل هذا التساؤل تحرير محافظة شبوة من الحوثيين (جماعة انصار الله) في وقت بدأ هؤلاء يمارسون لعبة في غاية الخطورة انطلاقاً من ميناء الحديدة على البحر الأحمر. تتمثّل هذه اللعبة في تهديد الملاحة في تلك المنطقة الحساسة بالنسبة الى التجارة الدوليّة.

تكشف ممارسات الحوثيين، وهم ليسوا سوى أداة ايرانيّة، نوعا من الإفلاس لدى «جماعة انصار الله» التي لا تمتلك أي مشروع، من أيّ نوع، لبناء أي دولة باستثناء تحويل الكيان الذي تسيطر عليه الجماعة الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة تستخدم في مجالين. الاوّل ظهور ايران في مظهر من يمتلك موطئ قدم ثابت في شبه الجزيرة العربيّة والآخر ابتزاز دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، في مقدمها المملكة العربيّة السعوديّة. هناك مجال يمني ثالث تستخدمه ايران. يتمثّل في توجيه رسالة الى المجتمع الدولي فحواها ان اليمن ورقة في يدها.

ليس معروفاً الى اليوم ما اذا كانت النكسات التي تعرّض لها الحوثيون في شبوة سيكون لها تأثير على نفوذهم في صنعاء وجوارها وصولاً الى مشارف تعز حيث لديهم وجود قوي، إضافة في طبيعة الحال الى ميناء الحديدة والمدينة نفسها. ما ليس معروفاً هل ستستمر الحملة العسكرية للقوات التابعة للواء العمالقة التي كانت وراء اخراج الحوثيين من شبوة وتخفيف الضغط العسكري على مدينة مأرب. كان طموح «جماعة انصار الله» الاستيلاء على مدينة مأرب والتأكيد في الوقت ذاته أن ايران باتت تمتلك كياناً سياسيّاً قابلاً ًللحياة، يمتلك كلّ مقومات الدولة، يمتد من تلك المدينة الى الحديدة.

كلّ ما يمكن قوله ان الايّام والاسابيع المقبلة ستكون حبلى بالاحداث في اليمن، خصوصاً انّه ستتحدّد قريباً وجهة العمالقة الذين حسموا معارك شبوة التي هي في الأصل محافظة جنوبيّة. لشبوة اهمّية خاصة. هذا لا يعود الى موقعها الجغرافي المهمّ، وهي مدخل الى الجنوب كلّه، بل يعود ذلك الى ما تمتلكه من ثروات طبيعية فضلاً عن ان لديها واجهة بحريّة.

ما لا يمكن تجاهله أيضاً ان لشبوة حدوداً مع مأرب والبيضاء المحافظتين الشماليتين ومع حضرموت وابين في الجنوب.

الواضح، اقلّه الى الآن، انّ المعارك لا يمكن ان تتوقف عند الحدود التي كانت تفصل حتّى العام 1990 بين شطري اليمن، أي الدولتين المستقلتين اللتين توحدتا في ذلك العام وذابتا في كيان سياسي واحد. تشير آخر المعلومات الى أنّ العمالقة تقدموا في أراضي محافظة مأرب. لكنّ القرار سيعود في نهاية المطاف الى القيادة السياسيّة للعمالقة الذين لا علاقة لهم بما يسمّى «الشرعيّة».

كان من اطرف ما شهدته الايّام القليلة الماضية مسارعة اركان «الشرعيّة»، بمن في ذلك رئيس الوزراء معين عبدالملك الى الاحتفال بانتصارات شبوة، علما ان لا علاقة لهذه «الشرعيّة» بتلك الانتصارات، لا من قريب ولا من بعيد. لو كان لدى «الشرعيّة» مشروعها الهادف الى مقاومة الحوثيين، لما كانت شرّعت لهم أبواب صنعاء صيف العام 2014.

امّا بالنسبة الى الدفاع عن مدينة مأرب، فالدور الأساسي، في منع سقوطها، يعود الى القبائل المحليّة التي كانت ترى في ذلك السقوط مسألة حياة او موت بالنسبة اليها. وهذا مردّه الى تحوّل الحوثيين الى مجرّد مرددين لما تطلب «الجمهوريّة الاسلاميّة» الإيرانية ترديده من شعارات مذهبيّة.

في الواقع، من لعب دورا في دعم عمليّة استعادة شبوة من الحوثيين، كان سلاح الجوّ لدى التحالف العربي الذي استطاع توجيه ضربات مركّزة الى القوات التابعة لهؤلاء. إضافة الى ذلك، لا يمكن مرور الكرام على الأخطاء التي ارتكبتها «جماعة انصار الله»، خصوصا بعد اقتحامها حرم السفارة الاميركيّة في صنعاء واستمرار احتجازها خمسة من الموظفين المحلّيين في السفارة. جعل ذلك إدارة جو بايدن تعيد النظر، وإن جزئياً، في سياستها اليمنيّة.

يبقى أخيراً، في ظلّ التساؤل عن بدء تراجع المشروع الإيراني في اليمن، هل طبيعي بقاء العلاقة بين الحوثيين والتركيبة القبلية في شمال اليمن على حالها؟ لا شكّ ان الإنجاز الاهمّ للحوثيين تمثّل في تطويع القبائل. قاتل كثيرون من رجال القبائل المحيطة بصنعاء الى جانب «جماعة انصار الله». كان بين هؤلاء افراد من حاشد التي كانت قبيلة متماسكة ايّام الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.

ساعد ذلك في اخراج آل الأحمر من محافظة عمران التي كانت تعتبر معقلهم. في مرحلة لاحقة، تخلت معظم القبائل اليمنية عن علي عبدالله صالح، علما انّه كانت لديه افضال كثيرة على عدد لا بأس به من كبار المشائخ المنتمين الى ما يسمّى قبائل الطوق. ترك هؤلاء الرئيس السابق يواجه الحوثيين وغدرهم وحيداً.

من الثابت حالياً ان هزيمة الحوثيين في شبوة كانت لها اصداؤها. لا يعني ذلك انّ سقوطهم سيكون سريعاً بمقدار ما يعني انّ تغييرات طرأت على المشهد اليمني. يصعب التكهن بمدى عمق هذه التغييرات، خصوصاً في غياب الاتجاه الذي سيسير فيه العمالقة بعد تطهير شبوة التي كان للحوثيين فيها حضور عبر عائلات وشخصيات نافذة.

يتراجع المشروع الإيراني في المنطقة كلّها. لا يمكن فصل تراجعه المحدود في اليمن عن عجز «الجمهوريّة الإسلامية» الايرانيّة عن إيجاد نموذج صالح للتصدير غير الميليشيات المذهبيّة والغرائز التي عاثت خراباً في العراق وسورية ولبنان. مثلهم مثل ايّ شعب في العالم، سيسأل اليمنيون في آخر النهار عن الخبز والماء والدواء وعن مستقبل أولادهم.

لا يستطيع المرء الذي عرف اليمن وامضى فترات طويلة فيه سوى العودة بالذاكرة في كلّ يوم الى صنعاء. تعود الذاكرة الى اهلها المسالمين الذين فتحوا أبواب بيوتهم امام كلّ من كان يكنّ ودّا لليمن. اهل صنعاء يستحقون افضل بكثير من العيش في ظلّ التخلّف الحوثي والشعارات البالية التي لا تخدم سوى مشروع فاشل ليس لديه ما يصدره غير البؤس والحروب التي لا تنتهي. أي مستقبل لمشروع من هذا النوع في القرن الواحد والعشرين؟