في كتابها الجديد عن صباح الأول وعبدالله الأول

سعاد الصباح ترصد مرحلة تأسيس الكويت: وُلدت مستقلة... ولم تخضع قط لحكم أجنبي

10 يناير 2022 10:00 م

- نسج مجتمع خاص مختلف عن الطابعين الزراعي العثماني والرعوي في الجزيرة العربية
- استغلال الميناء بعيداً عن نزاعات المنطقة والالتفات إلى تنمية المجتمع تنظيمياً واقتصادياً
- مسجد ابن بحر الأقدم في الكويت عام 1669 أو 1670 وعُرف بـ«مسجد الكوت»

تعود الدكتورة سعاد محمد الصباح في كتابها الجديد (تأسيس الكويت في عهدي صباح الأول الحاكم الأول 1718 - 1776 وعبدالله الأول الحاكم الثاني 1776 - 1814)، إلى شغفها المتجذر في استجلاء الفترات القصية والغائمة في تاريخ الكويت، فتستقصي آثارها في المراجع العربية والأجنبية، وتجمع وتوازن مظاهرها المختلفة، لتقدم صورة متكاملة عنها للكويتيين والعرب وكل مهتم بتاريخ الكويت، وتستكمل بذلك النواقص التي عانت منها المكتبة التاريخية الكويتية.

الهجرة والاستقرار

وبأسلوبها المميز وتتبعها الأصيل، ترصد في هذا الكتاب التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي ارتبطت بنشأة الكويت كمجتمع وكجماعة سياسية، ابتداءً من وصول (العتوب) إلى الكويت، واستقرارهم فيها، وتطور أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى مبايعة أهالي الكويت الشيخ صباح الأول حاكماً عليهم. ويظهر في ثنايا الكتاب، حجم المصاعب والمشاق التي واجهها الأجداد في سبيل إرساء القواعد التي قامت عليها الكويت في ما بعد.

وتلفت الكاتبة إلى كيفية تسخير أهل الكويت في تلك المرحلة المبكرة الخبرات والمهارات التي تعلموها خلال فترة هجرتهم من نجد حتى استقرارهم في الكويت، حيث تمكنوا من نسج مجتمع خاص، اختلف عن الطابع الزراعي الإقطاعي في العراق العثماني، والطابع البدوي الرعوي في شبه الجزيرة العربية آنذاك.

فقد استغلوا الموقع الجغرافي كميناء مرموق، وبعدهم عن النزاعات التي كانت محتدمة في المنطقة، والتفتوا إلى تنمية مجتمعهم تنظيمياً واقتصادياً، فسكن أفراد كل عشيرة من (العتوب) في أحد الأحياء، وصار يعرف باسمها، كما تَسَمّت الأحياء بوجهتها الجغرافية، فكان هناك حي شرق، وحي القبلة، ثم حي وسط الذي سكن فيه آل صباح.

شورى وتوافق

واستعرض الكتاب آراء المؤرخين حول حيثيات توافق (العتوب) على اختيار الشيخ صباح الأول لقيادتهم، حيث ذهب البعض إلى أن ذلك جاء اعترافاً بدور الرئاسة والقيادة التي كانت لوالده في سكنهم الأصلي في (الهدار).

ورأى البعض الآخر أن سبب اختياره يرجع إلى أن الشيخ كان يقضي معظم أيام السنة في مدينة الكويت، وذلك على خلاف معظم أقرانه، في حين أرجع آخرون ذلك إلى صفاته الشخصية، وما اتسم به من تدين وشجاعة وحكمة وإنصاف للمظلوم.

وعلى هذا المنوال تم التوافق على ابنه الشيخ عبدالله الأول من بعده، على الرغم من أنه كان أصغر أولاده.

وحول نهج حكم الشيخ صباح الأول وولده من بعده، توضح الدكتورة سعاد الصباح، أنها ارتكزت على الشورى والتوافق في اختيار القيادة بعيداً عن العنف، وهو ما أسس للنهج السلمي في انتقال الحكم من شيخ إلى آخر دون نزاع، الأمر الذي جعل من البلاد مهداً للسلام والطمأنينة ومحور جذب للمهاجرين.

أما الطابع الأهم الذي طبع الكويت منذ تلك الفترة، فهو أنها وُلدت مستقلة ولم تخضع قط لحكم أجنبي بأي صورة من الصور، ومارس حكامها ابتداءً من الشيخ صباح حرية إدارة شؤون بلادهم.

حماية المدينة وتسريع النمو

وبعد فترة من الاستقرار الذي عاشته الكويت آنذاك، ظهر ما قد يعكر هذا الصفو، إذ تفاقم صراع المتنافسين على السلطة في الدولة السعودية الأولى، وتعاظمت نزعة بسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية.

وقد تنبه الشيخ صباح لذلك، فعمد إلى تأسيس قوة عسكرية، وبناء الأسوار لحماية المدينة من أي خطر داهم، إضافة إلى الحرص على إقامة علاقات خارجية متوازنة مع القوى الأخرى، فضمن عدم تدخل الدولة العثمانية أو الإمبراطورية الفارسية أو أي دولة أوروبية في شؤون الكويت، كما حرص على إقامة علاقات طيبة مع رؤساء القبائل والمسؤولين عن حماية القوافل التجارية، الأمر الذي سرع من نمو الكويت وازدهارها.

الاستقرار جذب هجرات جديدة

وتضع الكاتبة منظراً شمولياً للكويت في ذلك العهد، فتظهر أنها كانت في بداية القرن الثامن عشر مدينة صغيرة على ضفاف الخليج.

وعلى مدى السنوات التالية، ازدادت أهميتها بسبب استقرارها السياسي وتطور تجارتها البرية والبحرية، ما أدى إلى قدوم أعداد أكبر من أبناء القبائل إليها للإقامة والمعيشة، ومنهم قبائل: العوازم، والخوالد، والمطران، والرشايدة، والعجمان، والسبعان، والقحطان، والفضول، والقناعات ثم توالت هجرات القبائل والعوائل إلى الكويت.

ولذلك ازداد عدد سكان الكويت في عهد الشيخ عبدالله الأول، وتوسعت قدراتهم الاقتصادية، فقد استخدم القادمون الجدد أموالهم لبناء السفن وتنمية التجارة، وأدى ذلك إلى جذب أعداد أكبر من المهاجرين من شبه الجزيرة العربية والعراق وبلاد فارس.

التكافل الاجتماعي والثقة

وترصد الدكتورة سعاد الصباح القيم والعادات الاجتماعية التي تحلى بها أهل الكويت آنذاك، فتشير إلى أنه كان هناك عاملان أثّرا بشكل مباشر على تلك القيم والعادات في تلك المرحلة المبكرة، وهما التقارب في العادات وأنماط الحياة التي ربطت بين «العتوب» في أعقاب انتقالهم للكويت من ناحية، وبروز مهنتي الغوص على اللؤلؤ والتجارة كنشاط اقتصادي رئيسي لهم من ناحية أخرى. وأدى هذان العاملان إلى شيوع قيم التكافل الاجتماعي والثقة بين الناس، والاعتماد على كلمة الشرف في المعاملات، والترابط الأسري والاجتماعي.

التجار ودعم المجتمع

أما بخصوص الفئات التي برزت في المجتمع الكويتي في تلك المرحلة، فتشير الدكتورة سعاد الصباح إلى أن أبرزها فئة التجار، الذين كانوا أكثر الفئات مساهمة في بناء الاقتصاد ودعم كيان المجتمع، وفئة العاملين في الغوص على اللؤلؤ والنواخذة والبحارة وصناع السفن، وأخيراً فئة الحرفيين كالنجارين والحدادين والحلاقين وغيرهم.

وتلتفت المؤلفة إلى خاصية تميز بها أهل الكويت منذ ذلك الوقت وهي خاصية التدين، فقد عرفوا بتمسكهم بتعاليم الإسلام وشعائره، ونشطوا في بناء المساجد في داخل الكويت وخارجها، خصوصاً في الزبير، وإلقاء الدروس الدينية وتحفيظ القرآن الكريم، وتأدية فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي، وأقدم مسجد بني في الكويت هو مسجد ابن بحر الذي أقيم نحو عام 1669 أو 1670، وعُرف باسم مسجد الكوت.

منافسة ميناء البصرة

وتستعرض الدكتورة النمو الاقتصادي للكويت بشكل مطرد اعتماداً على موقعها الجغرافي الذي جعلها ميناءً لا يُستغنى عنه لمن جابوا البحار، وهو ما جعل أهل الكويت ينشطون في مجال التجارة عبر البحار وبناء السفن، وقد اهتم الشيخان المؤسسان صباح وعبدالله بتشجيع التجارة، فاكتفيا بفرض رسوم زهيدة على حركة السلع والبضائع. وكان من شأن ذلك، تشجيع التجار على استخدام ميناء الكويت، مقارنة بارتفاع الرسوم الجمركية التي فرضتها السلطات العثمانية في ميناء البصرة. وهكذا، تطورت الكويت كمركز تجاري رئيسي، واتسعت تجارتها، وصلت إلى الهند والساحل الشرقي لأفريقيا والبحر الأحمر.

4 ملامح من الروابط الخارجية

عن علاقات الكويت بجاراتها في شبه الجزيرة العربية والخليج، تؤكد الدكتورة سعاد الصباح، أنها تعود إلى قرون بعيدة في الماضي، استعرضت 4 منها كما يلي:

1 - استجابة أهالي الكويت لدعوة الإمام ناصر بن مرشد حاكم عمان عام 1624 لدعم بلاده ضد الاحتلال البرتغالي، فجمعوا المال والسلاح لنصرته.

2 - ربطت الكويت والبصرة علاقات قديمة منذ بداية تأسيس مدينة الكويت، فقد حرص الشيخان صباح وعبدالله على إقامة علاقات طيبة مع متسلم البصرة ووالي بغداد، والتعاون معهم.

3 - ربطت الكويت بالبحرين علاقة وثيقة استندت إلى القربى والمصالح المشتركة، فقد جمع بين آل صباح مع كل من آل خليفة والجلاهمة هجرتهم من قرية الهدار في نجد إلى الكويت واستقرارهم فيها.

4 - العلاقات الودية التي نشأت بين الكويت وبوشهر في عهد الشيخ صباح.

إهداء لرفيق الدرب

قدمت الدكتورة سعاد الصباح كتابها، بإهداء إلى ذكرى رفيق دربها زوجها المغفور له، بإذن الله، الشيخ عبدالله المبارك الصباح، أحد أهم بناة نهضة الكويت الحديثة، وذلك وفاء بوصيته التي أوصاها بها للبحث في تاريخ آل الصباح وتوثيق دورهم في بناء الكويت وتطورها واستقرارها.

... وإلى امرأة بحجم العالم

أهدت الدكتورة سعاد الكتاب أيضاً إلى ذكرى جدتها لأبيها (موضي بنت جراح بن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح)، قائلة إنها «امرأة بحجم العالم كانت تخبئني تحت عباءة حنانها كل ليلة، وتسقيني تاريخ أسرتي قطرة قطرة، حتى أحببت التاريخ، وأصبح جزءاً من ذاكرتي».