في ظل الضغوط المالية المترتبة على «كورونا» وتراجع أسعار النفط

الخطط التنموية طريق الخليج لتنويع اقتصاداته

10 يناير 2022 10:00 م

- الأمر يتطلّب استبدال النفط والغاز بإنتاج سلع وخدمات وإيرادات الضرائب على الاستهلاك
- تخفيف الإنفاق وزيادة الصادرات غير النفطية وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر
- إنتاج النفط يفوق 40 في المئة من الناتج خليجياً باستثناء الإمارات والبحرين
- 5.7 في المئة عجزاً مالياً متوقعاً 2021
- دول المنطقة تتساوى مع بلدان بأوروبا في مؤشر التنمية البشرية

عادت مسألة التنويع الاقتصادي لتصبح من جديد مسألة ملحّة في دول الخليج، بعد أن أدّى التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي سبّبته جائحة كورونا إلى انخفاض أسعار خام برنت من 64 دولاراً للبرميل في بداية العام 2020 إلى 23 دولاراً في أبريل من العام نفسه، ما وضع ضغطاً كبيراً على المواقف المالية لدول مجلس التعاون التي من المتوقّع أن تشهد عجزاً في الموازنة بنسبة 9.2 في المئة في 2020 و5.7 في المئة بـ2021.

لقد أنعم الله على دول الخليج بوفرة الموارد الطبيعية، فاستثمرت هذه الثروة لتطوير البنية التحتية والتحضير لمستقبلٍ خالٍ من النفط، وحقّقت تقدّماً كبيراً في الوصول إلى الهدفَين الأولين إذ شيّدت مدناً عصرية والبنية التحتية لخدمتها، مؤمّنة بذلك أساساً متيناً للتنمية الاقتصادية المستقبلية.

وتتحلّى هذه الدول كافّة بتصنيف يفوق 0.8 في مؤشّر التنمية البشرية، ما يضعها في الطليعة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كلّها، وعلى قدّم المساواة مع بعض الدول في الاتّحاد الأوروبي.

بيد أنّ دول مجلس التعاون واجهت الصعاب لتحقيق التقدّم نحو الهدف الثالث، أي تنويع اقتصاداتها. ومع أنّ هذه النوايا تنعكس في رؤاها الوطنية وخططها للتنمية الاقتصادية، تبقى اقتصادات مجلس التعاون متشبّثة في اعتمادها على البترول.

والحدّ من هذا الاعتماد له أبعادٌ متعدّدة، فأولاً، يتطلّب الأمر استبدال إنتاج النفط والغاز بإنتاج السلع والخدمات التي لا تعتمد على قطاع النفط والغاز، بشكل مباشر أو غير مباشر. ويتطلّب أيضاً استبدال عائدات الحكومة الآتية من النفط والغاز بعائدات من مصادر أخرى، مثل الضرائب على الاستهلاك والقطاعات غير النفطية، لكن ليس إلى حدّ يجعل هذه القطاعات الناشئة معرقَلة وغير تنافسية. وبالتالي، لتحقيق النجاح، يتطلّب التنويع مكوّنات أساسية أخرى، منها التخفيف من الإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات غير النفطية والاستثمار الأجنبي المباشر.

وفيما حقّقت دول مجلس التعاون بعض التقدّم في العقد المنصرم، مازال إنتاج النفط والغاز يمثّل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في معظم تلك الدول، باستثناء الإمارات (30 في المئة) والبحرين (18 في المئة). ومع ذلك، فإن معظم النشاطات الاقتصادية الأخرى في المنطقة، مثل البناء وتطوير البنية التحتية، مدعومة مباشرة بعائدات النفط والغاز.

خطط تنموية

ولقد وضع عدد من الدول الخليجية خططاً تنموية لعدد من السنوات يتراوح ما بين 10-20 عاماً بغرض التصدي للعديد من التحديات التي تقابلها منها، ومنها على سبيل المثال: الاتجاه نحو تفعيل القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الدولة، وأيضاً التصدي لمشكلة العمالة الأجنبية التى تجتاح البلاد والاتجاه نحو إحلال العمالة الوطنية تدريجياً خلال سنوات الخطة.... إلخ.

وحققت الكويت إنجازات عديدة في مسيرة التخطيط التنموي خلال الفترة 1960-2018، شكّلت انطلاقة للعمل التخطيطي التأشيري الذي تبنته الحكومة كنهج علمي ينسجم مع تطلعات الدولة للارتقاء بعملية التخطيط التنموي نحو الأفضل.

ومثلت الخطة الإنمائية متوسطة الأجل (2010/2011 – 2013/2014 ) نقلة نوعية في مسيرة التخطيط والتنمية في الدولة، حيث كانت أول خطة تنموية تصدر بقانون، وجاءت الخطة الإنمائية متوسطة الأجل الثانية (2015/2016 – 2019/2020) لتستكمل هذه المسيرة في اتجاه تحقيق رؤية الدولة المستقبلية 2035 وأهدافها الإستراتيجية.

وإذا نظرنا إلى أسباب تبني الكويت للخطط التنموية، نجد أنها تتلخص في الآتي:

1 - مواجهة التحديات والاختلالات الراهنة، والمتمثلة في التالي:

أ) مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية: تتمثل هذه التحديات في هيمنة القطاع النفطي وضعف دور القطاع الخاص في التنمية، إلى جانب الخلل في الميزانية العامة للدولة، وضعف الاستثمار الأجنبي المباشر، ناهيك عن ضعف البنية التحتية وضعف ارتباط المخطط الهيكلي بخطط التنمية.

ب) مواجهة تحديات التنمية البشرية والمجتمعية: ومن أبرزها مشكلة الرعاية السكنية، والخلل في التركيبة السكانية، وضعف جودة الخدمات العامة، وتحدي تمكين الشباب في المجتمع.

ج) مواجهة تحديات الفساد وكفاءة الجهاز الإداري للدولة: تواجه الخطة الإنمائية تحديات في مجال الشفافية والحوكمة والإدارة الحكومية، ولهذا تبنّت الخطة عدداً من التوجهات لمعالجة هذه التحديات.

2 - تأصيل عمليات التحوّل لتحقيق الرؤية التنموية: يركز هذا المسار على توفير البيئة الداعمة لتحقيق رؤية الكويت 2035 من خلال عدد من المشروعات التي أدرجت ضمن الخطة الإنمائية (2015/2016 – 2019/2020)، ومنها:

- تطوير المنطقة الشمالية للبلاد كقاعدة للمركز التجاري للدولة.

- توفير الشروط اللازمة للتحوّل إلى مركز مالي إقليمي.

- استمرار الاهتمام بالمشروعات الإستراتيجية وتفعيل مشاركة القطاع الخاص فيها.

- الاستغلال الأمثل لمكامن القوة في الدولة وتحويل الميزات النسبية إلى ميزات تنافسية لدعم تحقيق الرؤية التنموية.

- تعزيز التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية في ظل الضغوط الإقليمية.

- تفعيل الدور التنموي لمؤسسات المجتمع المدني واستكمال البنية التشريعية والمؤسسية.

السعودية

وفي السعودية تستند الخطط التنموية بصفة عامة في توجهاتها إلى أهدافها العامة التي اشتملت على:

1 - تسريع عملية التنمية وترسيخ استدامتها، وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة.

2 - الاسـتمرار فـي تحسـين مستوى معيشة المواطنين والارتقاء بنوعية حياتهم، والعناية بالفئات المحتاجـة.

3 - تقليص معدلات البطالة إلى أدنى مسـتوى ممكـن.

4 - تنمية القوى البشرية الوطنية ورفع كفاءتها، وتعزيز إسهامات القطاع الخـاص في عملية التنمية.

5 - دعم التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفـة.

6 - رفـع معـدلات نمـو الاقتصاد وكفاءة أدائه وتحسين قدراته التنافسية.

عُمان

وفي عُمان، تهدف الخطط التنموية إلى:

1 - اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها تحقيق معدلات نمو عالية.

2 - عدد من التدخلات من شأنها إطلاق عملية التنمية في العديد من القطاعات لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة.

3 - تخفيض نسب البطالة والفقر.

4 - زيادة معدلات المشاركة الاقتصادية، وخاصة في أوساط الشباب والمرأة.

5 - توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص والالتزام بالتنفيذ.

6 - «مأسسة» الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الإمارات

وفي الإمارات، تتمثل الأهداف الإستراتيجية للخطط التنموية في التالي:

1 - تعزيز تنافسية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال الوطنية.

2 - زيادة جاذبية الدولة للاستثمارات.

3 - تمكين الممارسات التجارية السليمة وحماية المستهلك.

4 - تعزيز تنافسية الدولة في حقوق الملكية الفكرية وتهيئة بيئة محفزة للبحث والتطوير والابتكار.

5 - تعزيز تنافسية الدولة في الأسواق التجارية الخارجية وتطوير علاقاتها مع الدول بما يخدم مصالحها التجارية الاقتصادية.

6 - تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية القائمة على المعرفة والابتكار.

7 - تعزيز موقع الإمارات كأفضل مقصد سياحي مستدام.

8 - ضمان تقديم كل الخدمات الإدارية وفق معايير الجودة والكفاءة والشفافية.

9 - ترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي.

البحرين

أما في البحرين، فتهدف الخطط التنموية إلى تحقيق عدد من الأهداف تتمثل في الآتي:

أولاً بالنسبة للاقتصاد:

1 - تُحفّز البحرين النمو من خلال تعزيز الإنتاجية والمهارات.

2 - تنويع الاقتصاد وبناؤه من خلال التركيز على القطاعات القائمة ذات الإمكانات العالية.

3 - تحوّل البحرين الاقتصاد على المدى الطويل من خلال الاستفادة من الفرص الناشئة.

ثانياً بالنسبة للحكومة:

1 - تركّز الحكومة على وضع سياسات عالية الجودة.

2 - يصبح القطاع العام أكثر إنتاجيةً ومسؤول عن تقديم خدمات ذات جودة أفضل.

3 - يسهّل الإطار التنظيمي المضمون والشفاف والمطبَّق على نحو عادل تحقيق النمو الاقتصادي.

4 - يمكن تعزيز استدامة التمويل الحكومي من خلال تقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

5 - تتيح البنية التحتية ذات المستوى العالمي ربط البحرين بالاقتصاد العالمي.

ثالثاً بالنسبة للمجتمع:

1 - يتيح تقديم المساعدة الاجتماعية ذات المستوى العالي معاملةً متساوية لجميع البحرينيين.

2 - ينبغي أن يحصل جميع المواطنين البحرينيين والمقيمين في البحرين على رعاية صحية جيدة.

3 - يُتيح إنشاء نظام تعليمي من الدرجة الأولى لجميع البحرينيين تحقيق طموحاتهم.

4 - تهيئة بيئة آمنة ومضمونة مفتاح التنمية الاجتماعية.

5- ينبغي أن يتمتع المواطنون البحرينيون والمقيمون في البحرين ببيئة معيشية مستدامة وجذابة.

قطر

أما في قطر فتهدف الخطط التنموية إلى تحقيق الأهداف التالية:

1 - رفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية (النفطية والطاقة والمياه).

2 - تحديث وتطوير التشريعات بشكل مستمر لمواكبة مختلف التطورات.

3 - تعظيم الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص.

4 - التركيز على رفع كفاءة العمالة الماهرة فى سوق العمل القطري.

5 - الاستدامة المالية والاستمرار في ترشيد النفقات وزيادة كفاءة الإنفاق والإيرادات لتمويل برامج ومشروعات التنمية.

6 - رفع مستوى التنسيق والتواصل بين كل شركاء التنمية.

7 - بنـاء قـدرات التخطيـط ورفـع جـودة الأداء والإنجاز برفـع مسـتوى القـدرات البشـرية، والقدرات المؤسسية.

8 - بنـاء قـدرات إدارات التخطيـط والجودة علـى مسـتوى الدولـة، لتحسين مسـتوى النتائـج والمخرجات وتقليـل فـرص الهـدر في الجهود والموارد والوقـت.

وأخيراً، يمكننا القول بأن الخطط التنموية التي تبنتها دول الخليج في هذه الفترة بالذات قد طوّرت الكثير من المفاهيم الاقتصادية السابقة، وخفّضت من الاعتماد الكلي على النفط، ورفعت من درجة الاهتمام بالقوى البشرية لأنها مفتاح التقدم والتنمية في أيّ مجتمع وتدفع إلى آفاق أرحب وأوسع للنشاط الاقتصادي الذى سيقود دول الخليج إلى النجاح المنشود.

تطوير أسس اقتصاد مستدام بدلاً من تخفيض الموازنات

مع زيادة الضغط على الدول الخليجية للسير قدماً بجهود تنويع الاقتصاد الذي تسبّبت به جائحة كورونا وأسعار النفط العالمية المنخفضة، ينبغي على صانعي السياسات في دول مجلس التعاون الابتعاد عن الاندفاع الفوري لتخفيض الموازنات والتركيز عوضاً عن ذلك على تطوير الأسس لبناء اقتصاد مستدام وديناميكي في مرحلة ما بعد البترول، فيما أفسحت الضغوط الاقتصادية المجال أمام حوار أكثر انفتاحاً وصراحة بين المواطنين ودولهم في شأن القيود المالية والريوع الاقتصادية وقنوات توزيعها.

ويشكّل الوضوح حيال أجزاء الاقتصاد التي يُسمَح لها بالنموّ بدون عراقيل عنصراً أساسياً لتوليد الحوافز للمواطنين الشباب لكي ينخرطوا في هذه القطاعات.

ويمكن بعد ذلك السماح للآليات المرتكزة على السوق بالعمل بفعالية أكبر في هذه القطاعات، منفصلةً عن سلوك السعي وراء الريع.

وبإمكان قطاعات اقتصادية أكثر تنافسية وتكامل اقتصادي إقليمي أوسع زيادة التنافسية العالمية لاقتصادات مجلس التعاون الخليجي ودعم جهودها لتنويع الاقتصاد.

تحسين ترتيب الكويت بالتنافسية

تتمثل أهداف الكويت من تبني الخطط التنموية في:

- بناء منظومة آلية متكاملة لإعداد ومتابعة الخطط التنموية.

- انتهاج أسلوب التخطيط التأشيري الذي من خلاله يتم تبني مجموعة من الأهداف والسياسات العامة والمستهدفات الكمية التي تسعى الخطة لتحقيقها بالتنسيق مع شركاء التنمية.

- وضع واعتماد مجموعة من المعايير لتقييم اختيار المشروعات التنموية الجديدة من حيث الارتباط بالرؤية وتحسين مؤشرات التنافسية العالمية، ودراسة الجدوى والعائد الاستثماري، وخلق فرص عمل لقوة العمل الوطنية بالقطاع الخاص، والقدرة على تمكين القطاع الخاص.

- تحسين ترتيب الكويت على مستوى مؤشرات التنافسية العالمية لتكون ضمن الدول الـ35 الأعلى في الترتيب على جميع المؤشرات بحلول عام 2035.

- إنشاء لجان التخطيط والمتابعة وتطوير منظومة متابعة خطط التنمية السنوية على نحو يجعل منها أكثر سهولة وكفاءة.

- تحديث الإطار الإستراتيجي للخطة التنموية ليعتمد على ركائز 7 أساسية انطلاقاً من رؤية (كويت جديدة 2035).

- إعداد وبناء القدرات للكوادر التخطيطية بالجهات الحكومية، وخصوصاً الكوادر العاملة بالشأن التنموي بهدف زيادة كفاءة وفعالية الأداء.