«لا نار من دون دخان» لـ «القلوب المليانة»

التحالف بين «حزب الله» و«التيار الوطني» يهتز.. فهل يقع؟

2 يناير 2022 02:32 م

- هكذا يُقارِب «حزب الله» العلاقة المستقبلية مع باسيل.. وهذه مآخذ «التيار الوطني» على حليفه «الوحيد»

لفظتْ الـ 2021 آخِر أنفاسها المسمومة، سلّمتْ أوراقَها السود خلسةً إلى الآتي الأعظم، ودّعتْ مطأطأة الرأس بعدما أدركت أن ما من رأس سنة في لبنان المتهالك من رأسه حتى أخمص قدميه، بعدما إرتضت أن تكون شاهد عيان على جهنمياتٍ مالية وسياسية ومعيشية تكاد أن تجعله مجرد حطب و... رماد.

الـ2022 تحل بلا زَفّة ولا أضواء ولا وطن، تنضمّ خانعةً إلى عَدّادٍ يحصي الويلات اللبنانية، ولن تكون إلا في عِدادِ سنواتِ إحدى أسوأ الأزمات الكونية منذ نحو قرنين. فإستحقاقاتها النيابية والرئاسية تشي بأن الوطن الصغير المحشور في ممرّ الفيلة لن يفلت بسهولة من الجحيم وأهواله في زمن «الضم والفرز» في الإقليم.

... وقبيل الساعة صفر للتسليم والتسلّم فوق الهشيم اللبناني، لاحتْ مَراسمُ وداعِ عامٍ «جنائزي» لم يَعُد يتسع لضحاياه بعدما هُزم كل شيء في لبنان إلا «ديوك» السياسة ومزابلهم وسكاكينهم ومكائدهم التي شلّتْ الدولةَ وعزلتْ البلادَ وجعلتْ العبادَ حطاماً في جمهوريةٍ إستوطنها اليأسُ وإحتلها البؤسُ وتحوّل «أولي الأمر» فيها إلى حفاري قبور.

وبيروت «المحبوسة» أنفاسها، تضجّ الآن بما يشاع عن «حفلِ وداعٍ» صاخب بين جناحيْ الإئتلاف الحاكم، «حزب الله» و«التيار والوطني الحر» برئاسة جبران باسيل (أي حزب رئيس الجمهورية ميشال عون)، وهما اللذان إنخرطا في تحالفٍ (مار مخايل) بدا راسخاً منذ العام 2006، وكانت ثمرته فك العزلة الداخلية عن الحزب وتنصيب عون رئيساً للجمهورية (اكتوبر 2016).

حبرٌ كثير يسيل في سبر أغوار العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني»، الثابتُ والمتحوّلُ فيها، التكتيكيّ والإستراتيجيّ، والمستجدات التي آلت إلى تَعاظُم الحديث عن سوءِ فَهْمِ مُتبادَلٍ أو سوء تَفاهُمٍ آخِذٍ بالتَدَحْرج أو سوءِ مَعامَلَةٍ يخرج إلى العلن أو سوء نية مضمر.

... الأسوأ أن كل هذا الضجيج السياسي والإعلامي وما ينطوي عليه من تأويلات يجري فوق «ضريحٍ» إسمه لبنان تَشارك الطرفان في الطريق إليه.

ورغم هذه الضوضاء حول توتراتٍ في العلاقة بين الحزب والتيار على نحوٍ يشي بأن «لا دخان من دون نار»، فإن الأكيدَ أن شيئاً ما جوهرياً جعل المساكنةَ بين الطرفين ليست على ما يرام وأقرب ما تكون محكومة بـ «الود المفقود»... لا وئام ولكن لا إفتراق. وهذا الـ «بين - بين» مرشَّح لأن يحْكم العلاقةَ الصعبةَ بين حليفين تبدلّت ظروف تحالفهما.

لم يُخْفِ التيار، رئيساً ونواباً وكوادر، غيظه من أداء الحزب ومواقفه أخيراً. لجأ إلى «مكبرات الصوت» في تظهيره حجم التباين بلغةٍ لم تَخْلُ من الحدة و«التهديد»، لا تنطوي على ضيقِ صدرٍ بقدر ما تعكس ضيقَ خياراتٍ مع العدّ التنازلي لإنتهاء «التجربة العونية» في الحُكْمِ وعلى مشارف الإنتخابات النيابية والرئاسية.

وكعادته، يلتزم «حزب الله» بالصمت ويحيل مسائل من هذا النوع إلى قنواتِ إتصالٍ جانبية في ضوء خلاصاتٍ يستند إليها ولا صلة لها بـ «الإنفعالية». إذ غالباً ما يَعرف الحزب ماذا يريد من الآخَرين في سياق إستراتيجيةٍ تأخذ المحلي والإقليمي في الإعتبار.

وثمة إعتقادٌ أن أزمةَ العلاقة بين «التيار الوطني» و«حزب الله» تتجاوز رأس «جبل الجليد» المتمثّل بالتسوية على «رأس» المحقق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار والإفراج عن الحكومة، وما بينهما من ضجيجِ رافق سقوط «صفقة لقيطة» تَوَرَّطَ بها الجميع وتَنَصَّلَ منها الجميع وإنطوتْ على مقايضاتٍ إنتخابية وتعيينات قضائية وما شابه.

دوافع التحالف «التخادُمي» بين الطرفين تراجعتْ...

و«حزب الله» المُطْمَئن إلى الحصة الشيعية لن يبالي بأحجام الآخَرين

... إلى جانب ترسانته من الصواريخ والـ100 ألف مُقاتِل، يُخصص «حزب الله» ما يشبه «الكتيبة السياسية» لإستخلاص العِبَر، وهو أخضع على الأرجح، وفي الطريق إلى الإنتخابات النيابية والرئاسية، علاقاته الداخلية لـ «جردةِ حسابٍ» في ضوء تجربة «المسيحي القوي» في الحُكْم والمآلات التي إنتهت إليها الأكثرية البرلمانية التي كان فاخر في الفوز بها، إضافة إلى تقويم «الحلو والمُرّ» في تحالفاته... وهي دروب عدة تؤدي إلى البيدر الأهمّ وإسمه «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل.

ما فُهم من العِبر التي إستخلصها «حزب الله» أن لبنان لا يُحْكَم عبر الإمساك بالأكثرية البرلمانية، وهي التجربة التي أثبتت فشلها في بلادٍ تحتاج إلى توافقات دائمة. والحزب الذي يحلو له «تحييد» الرئيس ميشال عون يَستخدم الغالبية البرلمانية إسماً حرَكياً لتجربةٍ لم تنجح في الحُكْم والسياسة (أقله منذ إنتخابات الـ 2018) وتَصَدَّرها باسيل في سلوكه الصِدامي مع الجميع وإستنكافه عن تسوياتٍ لا بد منها وإنقلابه على ما أتيح له من تفاهمات وإتفاقات.

وربما إستنتج «حزب الله» في هذه الخلاصات أن صراع حلفائه أمعن في التدمير الذاتي لتجربة الأكثرية في البرلمان، ما يجعله، مع العد التنازلي للإنتخابات النيابية أقلّ حماسة لمعاودة الكّرّة للإمساك بها ودفْع فواتير من أجلها رغم ما يقوله نوابه من باب «إلقاء الحجة» عن خطرٍ ما يُخطَّط للإستيلاء على الغالبية البرلمانية، ولسان حاله أن البلاد لا تُدار إلا بالتوافقات.

ويحمّل «حزب الله»، ضمناً وعلناً، الإحترابَ الدائم بين باسيل ورئيس البرلمان نبيه بري (رئيس حركة «أمل»)، شريك الحزب في الثنائية الشيعية، مسؤوليةَ إنتكاسة هذه التجربة، رغم أن أمينه العام السيد حسن نصرالله كان واضحاً حين إستقبل الجنرال عون عشية انتخابه رئيساً في زيارة شكرٍ لـ «وعده الصادق»، بالتمني عليه «التعاون مع الأخ الأستاذ نبيه بري في الملفات الداخلية».

لم يأخذ عون بنصيحة نصرالله، الذي كان أَرْغَمَ بري على تَجَرُّع كأس الجنرال والإكتفاء بمعارضة إنتخابه بـ«أوراق بيض». ودارتْ بين الرجلين حروبٌ باردة وساخنة على حد سواء على إمتداد خمسة أعوام ونيف تولى خلالها باسيل لعب دور رأس الحربة في مواجهة بري، وصولاً إلى وصْفه يوماً بـ «البلطجي». وغالباً ما كان يجري الردّ على رئيس «التيار الوطني» بالحدّ من طموحاته عبر مُساعِد بري وزير المال (السابق) علي حسن خليل القابض على «التوقيع الثالث»، لإمرار مشاريع أو حجْبها.

يقرّ «حزب الله» بأنه ملّ الصيانة الدائمة للعلاقة بين باسيل وبري. وهو غالباً ما كان يلعب دور الإطفائي في سعيه لضبْط إيقاع خلافاتهما والبحث عن «هَنْدَساتٍ» لإبقاء جمْر صراعهما تحت الرماد، لكنه كان عرضة لـ «إبتزاز» رئيس «التيار الوطني» رغم إدراك باسيل ان تحالف الحزب وبري مصان بخطوط حمر لا يمكن المساس بها، فـ «وحدة البيت الشيعي» ترقى إلى ما هو فوق إستراتيجي.

مَن هم على معرفة بـ«عقل» الحزب وخياراته يجزمون، وخصوصاً بعد الدم الذي سال إبان ما يُعرف بـ «حرب إقليم التفاح» بين «أمل» والحزب، ان «وحدة البيت الشيعي» لا يمكن التفريط بها لأنها ذات وظيفة مزدوجة، فهي من جهة حجر الزاوية الذي يتكئ عليه الجسم الكبير، أي «حزب الله» في أدواره الإقليمية، ومن جهة أخرى تشكل الضمانة لمعاودة إقتسام كعكة السلطة في لبنان بفرْض وقائع وتوازنات جديدة.

وثمة مَن يعتقد في بيئة «حزب الله» ان ما أطفح الكيل في العلاقة المأزومة مع باسيل هو تجرؤه على التمادي في اللعب فوق الخطوط الحمر حين قرر الإنتقام من بري ومحاولة «إذلاله» بإطلاق يد المحقق العدلي طارق بيطار وعدم كفّها وإصداره مذكرة توقيف بحق معاون بري النائب علي حسن خليل. فالحزب على يقين بأن رئيس «التيار الوطني» يدير الأمر في سياق حرب تصفية حساب مفتوحة مع خصومه السياسيين، وغالبيتهم من حلفاء الحزب.

وكشفتْ معلومات في هذا الإطار عن ان «حزب الله» أسدى نصيحتين لباسيل المهجوس بإعادة إستنهاض «الشارع المسيحي» للحدّ من خسائره مع دخول البلاد المدار الإنتخابي. الأولى ان الإنخراط في التسوية لكفّ يد بيطار عن ملاحقة السياسيين أقل كلفة عليه الآن من إضطراره لدفع أثمان أشد وطأة لاحقاً، والثانية ان الإكثار من إطلاق النار السياسية على الحزب لإستنهاض شعبيته لن يفيده لأنه لن يستطيع مجاراة رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع وآخَرين في خطابهم، وتالياً فانه سيخسر في مكان ولن يربح في مكان آخَر.

ويعتقد «حزب الله»، الذي يحرص على ديمومة «تفاهم مار مخايل» وعلى إبقائه على قيد الحياة أن سياسة تحريض المسيحيين تحت شعار «إسترداد الحقوق» وخوض معارك «طواحين هواء» بلغت مأموري الأحراج لم تؤد إلا إلى مزيد من هجرة المسيحيين الذين يمثلون 18 في المئة هاجر منهم بعد إنفجار مرفأ بيروت 36 بالمئة.

وفُهِم من العِبَر التي إستخلصها «حزب الله» أنه مهما كانت مآلات نصائحه لباسيل، فهو لن يدير ظهره لـ «التيار الوطني» في الإنتخابات المقبلة، التي يريدها الحزب الآن الآن وليس غداً لكن في ضوء مقاربة جديدة للتحالفات تقوم على ترْك الحرية لحلفائه في عقد تفاهمات موْضعية تبعاً لمصالحهم، لإقتناعه أن لا جمهور التيار سيصوت لمرشحي «أمل» والعكس صحيح، وتالياً فإنه لن يضغط على جري عادته لرعاية إتفاقاتٍ في إنتخاباتٍ يمكن ان يتحالف فيها «الشياطين» خدمةً لمصالحهم.

الترجمة العملية لهذه المقاربة الجديدة، تعني أنه سيكون متاحاً لـ «حزب الله» ولجميع حلفائه إبرام تفاهمات إنتخابية مع مَن يشاؤون، في الوقت الذي يَطْمَئنَ الحزب إلى أن تحالفه الراسخ مع بري يمكّنهما من حصد كامل الحصة الشيعية في البرلمان، «ناقص واحد أو اثنين» لا ضير في ذلك.

غير أن مقاربة من هذا النوع تنطوي ضمناً في محاكاتها على إمكان خسارة باسيل من وزنه النيابي. ولن يكون «حزب الله» مبالياً في حال تراجع حجم «التيار الوطني» ورئيسة بحسب التوقعات، وتَوَزَّعَتْ الكوتا المسيحية بالتوازي على ثلاث قوى، «التيار» و«القوات» والمجتمع المدني.

ما لا يقوله «حزب الله» علناً هو أن من شأن الواقع الجديد الذي يمكن ان تسفر عنه الإنتخابات الحدّ من سلوك باسيل الصِدامي في معاداة الجميع، على النحو الذي يساهم في إستقرار الحال السياسية عبر تسوياتٍ دائمة تحتاجها البلاد التي تواجه، في رأي الحزب، تحديات داخلية تتمثل في الأزمة المالية، وخارجية عبر الضغوط التي يَتَعَرَّضَ لها لبنان.

وربما ما بدأ يفهمه باسيل من سلوك «حزب الله» هو تضاؤل فرص التعامل معه أقله كمرشح أول لرئاسة الجمهورية، فهو لم يَحْظَ بـ «وعدِ» مشابه لما حاز عليه عون. ولم تكن عابرة العبارة التي ختم بها نصرالله خطاب المديح لرئيس «التيار الوطني» يوم فُرضت عقوبات أميركية عليه، إذ إكتفى بالقول «يبنى على الشيء مقتضاه»، ما يعني انه ترك الباب مفتوحاً في تحديد «المستقبل الرئاسي» لباسيل.

وثمة تَحَوُّل عميق يُسْتَدَلّ من التطور الجديد في تعاطي «حزب الله» و«التيار الوطني» مع الوقائع الداخلية، وهو تَحَوُّل يستند، في رأي مَن هم على بيّنة من سياسة الطرفين إلى أمرين:

  • لم تَعُدْ الضرورات «التخادُمية» التي أمْلت «تفاهم مار مخايل» بين مشروع السلطة للعماد عون والمشروع الـ ما فوق لبناني لـ «حزب الله» هي هي، وخصوصاً ان الحزب وَعَدَ و وفى بتسليم السلطة للزعيم التاريخي لـ «التيار الوطني»، أي للعماد عون، وأن الأخير أمّن للحزب الغطاء الذي مكّنه من كسْر محاولات عزْله وحمى ظهرَه في معاركه في الإقليم.
  • إقتناع «حزب الله» الذي يعاني عقوبات أميركية وأوروبية (بإستثناء فرنسا) ان مَن يحميه هو سلاحه في الدرجة الأولى ودوره كلاعب إقليمي في الدرجة الثانية، وتالياً لم يعد يحتاج إلى مَن يعينه في الداخل، وخصوصاً انه الرقم الصعب في التوازنات السياسية وصاحب نفوذ في المؤسسات الأمنية.
من هنا، ثمة مَن يعتقد ان «حزب الله» لن يفرّط بتحالفه مع «الأصدقاء» لكن لن يصاب بالذعر إذا شاؤوا اللعب في مكان آخَر... فما همّ عكا من هدير البحر.

غيظٌ مزدوج يصيب «التيار الوطني»

عون يرحل وحيداً ولا وَعْدَ رئاسياً لباسيل

تَغَيَّرَتْ كثيراً الأوضاعُ اللبنانية منذ أن صاغ «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» التفاهم بينهما في العام 2006. كل شيء تَبَدَّلَ، التفاهمات المحلية، إنفراط عقد «14 آذار»، إنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، تَفاهُم «القوات اللبنانية» و«التيار» ومن ثم تَفَسُّخُه وعودة السجال المُر بينهما.

كل شيء تَغَيَّرَ، خرج الرئيس سعد الحريري من السرايا الحكومية ومن بيروت وإنهار لبنان إقتصادياً وإجتماعياً. خاصَمَ عون جميع القوى السياسية، وعَرَفَ عهده أقسى الأيام اللبنانية، ومع ذلك ظل خَيْطٌ رفيع يربط «حزب الله» و«التيار الوطني».

هل كان «حلف مقدس» تحت رعاية القديس ميخائيل الذي عُقد التفاهم بينهما في كنيسته في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية؟ أم هو تَشابُك المصالح المحلية والإستراتيجية والإقليمية التي جعلت منهما حليفين بالجملة والمفرق، فصار أي حَدَث بينهما بمثابة المؤشر لمستقبل النظام اللبناني وأوضاع طوائفه ومجموعاته؟

منذ أن أُبْرِم التفاهم بين الطرفين، ظلّ سقف الحوار بينهما أعلى من كل تكتيك سياسي، وحرص عون والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على الإطلالة التلفزيونية معاً للدلالة على عمق التفاهم بينهما. ولم يَفُتْ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اللقاء من حين إلى آخَر مع نصرالله، وكان اللقاء يأخذ أهمية قصوى في ضوء رسم سياسة العلاقة المستقبلية. هكذا كان اللقاء الأخير بينهما قبل إندلاع تظاهرات اكتوبر 2019، مستبقة تهديد باسيل بقلب الطاولة.

عجقة الأحداث اللبنانية المتتالية، فرضت على التيار أجندات مختلفة طوال 15 عاماً من اللقاءات والتفاهمات. تارةً يذهب التيار نحو محطات محلية مناقضة تماماً لتوجه الحزب، كمثل القانون الأرثوذكسي، وطوراً يتماهى معه إلى حدّ الإلتصاق كمثل الموقف من حرب سورية. وفي كل الأحوال بقي الحزب يتعامل مع حليفه على قاعدة ثبات الموقف الأساسي الذي أَنْتَجَ تَفاهُم مار مخايل.

في الأشهر الأخيرة، تحوّل الكلام أكثر من مَرة حاداً من جانب التيار بضرورة إعادة قراءة هذا التفاهم، في وقتٍ لم يَصدر مَرة كلام من جانب الحزب الذي يبدو مُطْمِئناً إلى أن بعض القاعدة العونية وتعبيراتها المُناهِضة له في العلن، لا تعبّر عن موقف القيادة. وعموماً فإن القيادة الحزبية في لبنان غالباً ما تعرف كيف تُمْسِك جمهورها عندما تريد. فما دامت العلاقة بين نصرالله وعون وباسيل بخير فالعلاقة بين الحزب والتيار بخير.

لكن هذا لا يعني أن التيار لا يعرف كيف وأين يُظْهِر إمتعاضَه من حليفه. وفي هذه الأيام هو يتعمّد إشهار الخلاف فلا يتورّع عن تعداد أسبابه، مهما كانت هوية سائله خصماً أم حليفاً. ولم يكن عابراً إظهار رئيس الجمهورية في خطابه الأخير إلى اللبنانيين حجم الخلاف، ولكن بعبارات مُلطّفة، لم تحيّد الحزب لكنها تعمّدت إصابة حليفه الرئيس نبيه بري بالمباشر. حتى بدا ان بري هو نقطة الخلاف الوحيدة بينهما. لكن واقع الحال ليس كذلك.

لا يكفّ العونيون عن الكلام عن أخطاء «حزب الله» تجاه التيار، ليس بالمعنى المباشر، إنما بمعنى «التطنيش» عن أخطاء مقصودة يرتكبها حلفاء الحزب، من بري وتيار «المردة» مثلاً ضد التيار وضد عهد عون.

ويفنّد العونيون مآخذهم على الحزب، الذي يعتبرون انهم أمّنوا له الغطاء المسيحي في الداخل وفي حرب يوليو 2006 وفي حرب سورية وكل الإستحقاقات الإقليمية والداخلية. ومن ردود فعلهم أنهم يعتبرون أنه دَعَمَ بري في شكل مطلق لأسباب تتعلق بحماية البيت الشيعي الداخلي، في حين أنهم خاصموا كل القوى المسيحية حين عقدوا التفاهم معه، وتحمّلوا ردات فعل داخلية بسبب تورُّط الحزب في سورية وفي تصويبه الدائم على دول الخليج، رغم أن بعض الإشكالات العربية حصل أثناء تولي باسيل وزارة الخارجية.

ويأخذون على «حزب الله» أنه لم يدخل معهم في مشروع مكافحة الفساد والفاسدين كي لا يطال حليفه الرئيس بري وحتى بعض المحسوبين على «تيار المستقبل»، خشية التأثيرات التي تطال الشارعين السني والشيعي. ويعتبون عليه أنه لم يساعد العهد في كل ما كان ينوي القيام به من إنجازات كمشروع الكهرباء الذي يفاخر بري بأنه أوقف بعض مشاريعه. ويسجلون عليه أيضاً انه يغطّي منذ أن تسلم «التيار الوطني» ملف الكهرباء، وقوف بري في وجهه في قضية المياومين وغيرها وعدم شمول الجباية مناطقه.

يأخذون على «حزب الله» كذلك أنه حتى في التفاصيل الداخلية، كبعض الخلافات المحلية المتعلقة بالمشاعات في جبل لبنان وبلدة لاسا الجبيلية ضاعف من إحتقان الشارع المسيحي ضد التيار، وأن بعض المظاهر التي جرت في مواجهة إنتفاضات بيروت ومن ثم حادثة الطيونة في 14 اكتوبر الماضي إرتدّت على التيار مسيحياً.

في المدة الأخيرة تعدّدت أَوْجُه المآخذ التي يسجّلها التيار على الحزب، سواء بتعطيل مجلس الوزراء أو قرار المجلس الدستوري ولا سيما في ما يتعلق باقتراع المغتربين، وحالياً ستكون المشكلة المقبلة هي عدم فتح دورة إستثنائية للبرلمان وموقف الحزب من قرار عون بعدم فتحها.

كثيرة هي المشكلات بين الطرفين. ويكفي مراجعة ما يكتبه متشددو التيار على صفحاتهم، وما يدلي به نوابٌ باتوا يعتبرون أن شعبيتهم مهدَّدة بسبب سلوك «حزب الله» وتصرفاته غير المباشرة بعدم وضع حد لأداء بري. لذا يَكْثُرُ الكلام عن دور وزارة المال والتوقيع الشيعي الثالث الذي توقّف تأليف الحكومة من أجله، وهذا التوقيع، رغم انه في يد بري لكنه في النهاية في يد «الثنائي الشيعي». وكل ما يتعلق بالتيار ومفاوضات صندوق النقد والكابيتول كونترول يتهم العونيون الثنائي بتعطيله.

يعترف العونيون بأن «حزب الله» وقف معهم في مشاورات تأليف الحكومة وراعى وضعهم، لكنه في النهاية مالَ نحو تسويةَ مع الرئيس نجيب ميقاتي وبري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، من دون أن ينسوا أنه كان إلى جانب الرئيس سعد الحريري حتى اللحظات الأخيرة.

كل ذلك في كفةٍ، وعدم إعطاء «حزب الله» كلمةَ وَعْدٍ نهائيةٍ للتيار في شأن إنتخاب باسيل رئيساً للجمهورية خلَفاً لعون في كَفّةٍ أخرى. فالحزب وَعَدَ عون ولم يبدّل حرفاً في وعده مهما طال الفراغ الرئاسي. لكنه لم يُعْطِ الوعدَ الواضح والنهائي لباسيل في جعْله مُطْمَئناً إلى أن مستقبلَه الرئاسي مضمونٌ. فالطرفان مقبلان على إستحقاق الإنتخابات النيابية، والعونيون يعترفون بأنهم في حاجة لأصوات الحزب لكنهم أيضاً يعتبرون انه ما زال هو أيضاً في حاجة إلى رافعة مسيحية. والإنتخابات النيابية هي المعبر لإنتخابات الرئاسة التي ما زال موقف «حزب الله» مَبْهَماً حيالها. هل هو مع باسيل أم لا؟ ذلك هو السؤال المركزي. وحين يكون الجواب واضحاً عليه، تتغيّر الكثير من مآخذ التيار، بقيادة باسيل، على «حزب الله».