«قدرة الردع» تدفع الطرفين إلى الاكتفاء بالتهويل النفسي والإعلامي

الحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي لن تقع أبداً

19 ديسمبر 2021 09:30 م

بسبب تعذر القيام بضربة عسكرية من كلا الطرفين، صعدت إيران وإسرائيل من حملاتهما النفسية التي تعطي انطباعاً، لغير العالمين بتطورات الأمور وقدرات كل طرف، أن الحرب أصبحت على الأبواب، وان تل أبيب ستشن حرباً على المواقع النووية الإيرانية في أي لحظة، وأن طهران في المقابل ستدمر عشرات الأهداف داخل إسرائيل.

هذا الضجيج ليس بجديد على الساحة الإعلامية التي تشهد منذ أشهر قليلة، ارتفاع الصراخ الإسرائيلي كلما اقترب إمكان التفاهم الإيراني - الأميركي في الملف النووي أو حتى خرجت تفاؤلات بقرب الاتفاق أو حتى النجاح النسبي في فيينا.

غير أن إسرائيل تدرك جيداً أنها ستكون وحيدة إذا ما هاجمت إيران، التي لن تعطي الخد الأيسر لها بكل تأكيد، كما فعلت من قبل مع الولايات المتحدة عندما أسقطت طائرتها المسيرة «الثمينة» وضربت قاعدتها، عندما اغتالت اللواء قاسم سليماني، في مطار بغداد، حيث تفاجأ العالم بالرد الإيراني المباشر ضد قاعدة أميركية في عين الأسد، يوم انطلقت الطائرات المسيرة المسلحة لتصيب أهدافها.

وصدم العالم أكثر عندما علم أن طهران أبلغت إلى رئيس الوزراء العراقي حينها عادل عبدالمهدي، وقبل بضع ساعات، بقرارها قصف أكبر قاعدة أميركية في وقت محدد.

واعتبرت الضربة الإيرانية الأولى من حيث التحدي العسكري النوعي لأقوى دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، عندما ضربت اليابان السفن الأميركية في بيرل هاربر، وأوقعت 2403 من القتلى والجرحى ودمرت 19 سفينة أميركية و300 طائرة جاثمة على الأرض.

وضعت يومها إيران يدها على الزناد للبدء بالحرب الشاملة ضد القواعد ومراكز الانتشار الأميركي، إذا ما ردت واشنطن على ضربة عين الأسد.

إلا أن الرئيس دونالد ترامب تقبل حصيلة الجرحى الـ110 من الجنود الأميركيين من دون الذهاب إلى الحرب التي لطالما أرادتها تل أبيب.

أما إسرائيل، فقد هاجمت تكراراً ومراراً أهدافاً إيرانية بحرية، وقتلت علماء إيرانيين في المجال النووي، وقامت بعمليات تخريب في منشآت نووية، وأعلنت في مناسبات عدة أنها تتحضر لضربة جوية كبيرة ضد طهران.

إلا أن الخبراء العسكريين يؤكدون أن إسرائيل لا تستطيع الذهاب إلى ضرب أهداف إيرانية لوحدها، حتى ولو ساعدتها أميركا، لأنها ستعرض قواعدها العسكرية للرد بواسطة الصواريخ الإيرانية دقيقة الإصابة وبعيدة المدى.

ودخلت إيران في اللعبة النفسية عبر نشرها مقالا باللغة الإنكليزية في جريدة «طهران تايمز» بعنوان «فقط حركة واحدة خطأ»، تؤكد فيها لإسرائيل، أنها مستعدة لضرب أهداف عدة نشرت مواقعها بدقة على خريطة فلسطين.

وجاء في المقال أن «النظام الصهيوني قد نسى أن إيران قادرة على ضربه في أي مكان»، رداً على ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي ذكرت أن «رئيس الأركان (أفيف كوخافي) وافق على الاستعداد للهجوم على إيران».

وهذا الاستعداد يسمعه العالم منذ أعوام طويلة، ومنذ أيام حكم بنيامين نتنياهو.

وكان ولي الفقيه السيد علي خامنئي قال إن «النظام الصهيوني يعلم أنه، إذا ارتكب خطأ (ضرب طهران) فإن الجمهورية الإسلامية ستدمر تل أبيب وحيفا».

واللافت أن صحفاً إسرائيلية نشرت خطأ مواقع للاستخبارات العسكرية ومواقع للقوات الجوية كانت تُعتبر «سرية».

وقد تضمنت الخريطة الإيرانية هذه المواقع وعشرات المواقع الأخرى على طول الحدود مع قطاع غزة ولبنان وفي العمق. وهذا يدل على أن «بنك الأهداف» في إسرائيل والتي تملكها إيران دقيق جداً، بحسب الخبراء العسكريين، وأن طهران تستطيع إلحاق أذى كبير بإسرائيل، لم يلحق بها منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية.

وبهذا المعنى، فإن القدرات الإيرانية كافية لتحقيق «الردع» ومنع نشوب الحرب، ليكتفي الطرفان بالحرب النفسية والإعلامية، وبعض العمليات التخريبية التي لن تمنع إيران من تطوير قدراتها النووية، كما فعلت منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 واضطرارها للجلوس على طاولة المفاوضات غير المباشرة في فيينا بالشروط الإيرانية.

ومن المتوقع أن ترتفع «التحضيرات والتهويلات الإعلامية» في الأيام المقبلة، ليسجل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت اعتراضه الشديد على الاتفاق النووي، الذي ستفرضه واشنطن على تل أبيب.

وتعتقد واشنطن أن تحول إيران إلى دولة تمتلك القدرات العسكرية النووية - في حال عدم الاتفاق - يجعلها في وضع لا تستطيع معه رفع وتيرة التهديد إلى مستوى جدي، لأنها في تلك الحالة، ستفرض نفسها نووياً على الساحة الدولية.

وتالياً فان الاتفاق مع إيران، مثقلة بالعقوبات الاقتصادية، أسهل لأميركا إذا ما أرادت استخدام خيارات متعددة تصعيدية ضدها مستقبلاً.