|منى عبدالباري حيدر|
«خير الكلام ما قل ودل»، إن كثرة الكلام قد توقع أحياناً الإنسان بالخطأ، وإن كان هذا الخطأ من غير قصد، وتارة نلاحظ من يتكلم كثيرا قد يكون من باب تآلف الأرواح، ومصداقية المشاعر مع الطرف الآخر وللحديث نغم قد يشد الآخرين من حولنا ويصبح المتحدث إن صح التعبير بأمير المجلس، وإن كان العكس أحيانا فالمتحدث الذي يتحدث كثيرا لا يملك سوى الهرج والمرج، والاستهزاء بالآخرين من باب خفة الدم، كما أن من لديه القدرة على كثرة الكلام فإن الطرف الآخر يجب أن يكون لدية حسن الاستماع، ويكون المستمع مترقبا للفائدة من هذا الكم الكبير من الكلام، والفائدة هنا المقصود بها ليست الفائدة المادية، بل الفائدة الفكرية والمعنوية أي اكتساب معلومة وأخذ شحنة من الطاقة لرفع المعنويات، واكتساب خبرة من ذوي الخبرة، وذوي الاطلاع والمتابعة للكتب والأدباء... الخ، فيقول أمير المؤمنين علي عليه السلام «من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ»، وليس العيب أن ندرك مواقع أخطائنا، فعند مخالطة البشر من حولنا يجب أن يكون لدينا الترقب والاستماع لكل ما هو مفيد قد ينفعنا بحياتنا التي نجهل ما ستكون عليها يوم غد، كما يجب أن يكون للمتحدث حضور أثناء الحديث وليس مجرد ثرثرة، بغير فائدة ومضيعة للوقت للشخص ذاته وللآخرين فأخذ الفائدة من معلومات تفيدنا بحياتنا ولو بشيء بسيط، فعلا يستحق الشكر عليه حتى ولو بكلمات قليلة، ولولا الحديث لما قامت محاضرات وندوات لإيصال المعلومات القيمة، فنجد طاغور حكيم الهند من أقواله الشهيرة «شكراً للأشواك فقد علمتني كثيراً... لا عيب أن نخطأ، ولكن العيب ألا نتعلم من الخطأ، فالحياة مدرسة وليست بأي مدرسة، من لم يدركها بالشكل الصحيح يعرف أن حياته مرت كمرور الكرام، فعندها يكون السكوت من ذهب، عند معرفة من حولنا لا يتقبلون النقد أو النصيحة، فيفضل السكوت، والمراقبة فقط عن بعد، دون تعليق، لحظتها سيدرك الإنسان كم لحظة ثمينة مرت من حياته أضاعها بكلام فارغ وكم لحظة تمنى لو أنه تمالك نفسه وفضل سكوته على التعليق لكل ما هو ذو فائدة أو غير ذلك، فعندما نلاحظ المفكرين والعلماء نجدهم قليلي الكلام، إلا أنهم ينصتون وبدقة عالية، ويفتشون ما بين السطور لاستخراج كل ما هو مفيد أي البحث عن الفكرة والمعلومة القيمة وليست الثرثرة، أيضا إذا لاحظنا الأدباء أثناء طرحهم للفكرة أثناء الندوات يسعون جاهدين لطرح قضية تشد المستمع كما تكون المعلومات مثمرة، حيث ان المتلقي عند الخروج من هذه الندوة يلمس في ذاته حصيلة قيمة من المعلومات التي من الممكن مساعدته نوعاً ما لبحث أو ما شابه وزيادة ثقافة ولو بالقدر البسيط.
لا يسعني سوى أن أقول بعد تجارب في تلك المدرسة الكبيرة ألا وهي مدرسة الحياة الواسعة، التي لا تأخذ سوى الزمن الذي يمر من عمر الإنسان بسرعة زمنية وجيزة وهي «ما ندمت على سكوتي مرة... ولكم ندمت على الكلام مرارا».
* كاتبة وفنانة تشكيلية
[email protected]< p>