رؤية ورأي

السّني «اللي» يحب الشّيعة

24 نوفمبر 2021 10:00 م

معظمنا يعلم أن زعيم نهضة سنغافورة هو رئيس وزرائها الأسبق لي كوان يو. فهو رئيس الوزراء الذي صمّم النهضة وقادها منذ بدايتها بعد إعلان استقلال سنغافورة القسري – طردها من الاتحاد الماليزي – في 1965، وإلى نهاية عهده في رئاسة الوزراء في 1990.

هو الذي بدأ مسيرة النهضة كئيباً والدموع تتساقط من عينيه معلناً للصحافيين والإعلاميين خبر طرد واستقلال سنغافورة، الدولة الفقيرة الخالية من الموارد الطبيعية، وأنهى دوره في المسيرة وبلاده أغنى بكثير من جاراتها.

في المقابل، أغلبنا يجهل الدافع الأساس الأقوى لطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي. فإلى جانب الدافع المعروف، وهو العبء الاقتصادي السنغافوري على ماليزيا آنذاك، كان هناك دافع آخر أقوى من الدافع الاقتصادي، وهو الدافع العنصري.

فبعد انضمام سنغافورة إلى الاتحاد الماليزي كطرف مؤسس في عام 1963 أعلن عدد من السياسيين السنغافوريين غضبهم من وجود بند في دستور الاتحاد يمنح أغلبية المالاي امتيازات استثنائية.

وفي مقابلهم أصرّت القيادات الماليزية على تحصين ذلك البند، كما أبدت خشيتها من التأثير الثقافي للأغلبية الصينية في سنغافورة على ثقافة وهوية الشعب في الاتحاد الماليزي، فأعلن البرلمان الماليزي طرد سنغافورة بعد مرور سنتين فقط على انضمامها.

بعد اجتياز صدمة الاستقلال القسري، بدأ السيد كوان يو، رسم لوحة نهضة سنغافورة الحالية. تلك اللوحة الجميلة والتجربة الرائدة التي اختصر مقوّماتها في ثلاثة أساسية، وفق ما جاء في كتاب مذكراته، وهي: التعليم والقانون والعدالة الاجتماعية، والعامل المشترك بينها هو تدعيم تماسك النسيج المجتمعي المتعدد الأديان والأعراق. فالتعليم لم يكن بالنسبة لسنغافورة مجرّد مفتاح للنمو الاقتصادي، بل كان الاستثمار الأعظم في التنمية الاجتماعية وتحقيق التحضّر والانسجام والاستقرار للشعب السنغافوري.

وأما القانون، فقد كان وما زال بمثابة «دين الدولة» الذي يتساوى أمامه الجميع، وبه رسّخت قيم العيش المشترك بين أطياف الشعب، وبثّت الطمأنينة والثقة في نفوس السائحين والمستثمرين.

وبموازاة السيادة المتساوية للقانون على الجميع، مهما اختلفت مراكز وانتماءات المخالفين، غرس مؤسسو سنغافورة دعامات دولة العدالة الاجتماعية التي تحتضن جميع أطياف الشعب السنغافوري من دون تمييز فئوي بينها من حيث الواجبات والحقوق العامة.

المجتمع السنغافوري كالكويتي خليط من مهاجرين، ولذلك حرص زعماؤه على تحصين وحدته الوطنيّة، وكان من بين أبرز مبادراتهم إنشاء منظمة تعنى بالعلاقات بين أتباع الأديان المتعدّدة في سنغافورة (Inter-Religious Organization) في عام 1949، أي قبل استقلال سنغافورة، وهي مستمرة حتى الآن، غرضها تحقيق التناغم بين أتباع تلك الديانات، من خلال نشر الوعي بالممارسات الدينية لدى الأطياف الأخرى وحماية حرية ممارستها.

إلا أن هذه المنظمة عجزت عن حصد نتائج إيجابية على أرضع الواقع إلا بعد أن تبعتها مبادرات تشريعية وتنظيمية وتوعوية متعدّدة من قبل جهات حكومية وغير حكومية.

اليوم، سنغافورة من أكثر دول العالم ازدهاراً وشعبها من الأكثر استقراراً رغم كونه من أكثر الشعوب تنوعاً، لأن قياداته وزعماءه أدركوا وتيقنوا من العلاقة الحيوية المتينة بين استقرار المجتمع وازدهار الدولة. ولذلك تعاضدوا في تنفيذ مشروع متكامل لردم حفر وهوّات التمييز الفئوي.

وكان من بين مبادراتهم تأسيس المجلس الرئاسي لحقوق الأقليات في 1970، مهمته الرئيسة فحص معظم مشاريع القوانين التي يقرّها البرلمان للتأكد من خلوّها من تميز ضد أي شريحة عرقية أو دينية.

رغم قناعتي بأهمية دور المجلس الرئاسي، إلا أنني أحذّر من تأسيس مجلس استشاري مقارب له في الكويت – متوافق مع الدستور – قبل تقويم مفهومنا للوطنية.

لأنني أخشى أن يتغلغل في المجلس أعضاء نظراء النائب السابق «السّني الذي يحب الشيعة» أو النائب «الشيعي الذي يخشى أن تَسحب وتستعيد منه تيارات دينية متطرّفة صكّ الوطنية»... «اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com