من الخميس إلى الخميس

إنهم عطشى وأمانة

17 نوفمبر 2021 10:00 م

يقول علماء البيولوجيا، وهم العلماء المهتمون بدراسة الأحياء وأهمها علم الخلية، إن الخلية الحية تكون أكثر حساسية للتلف وهي في طور النمو، أما الخلية الناضجة مكتملة النمو فهي خلية يصعب إتلافها.

وبصفتي مختص بالمعالجة الإشعاعية لخلايا السرطان أعلم صحة ودقة تلك المعلومة، فالمعالجة الإشعاعية تأثيراتها أقوى على الخلايا الشابة.

ولأن الخلق وحدة متكاملة، فإن ما ينطبق على الخلايا يسري مثلُهُ على بقايا التركيبات الأخرى لجوانب الخلق مهما تباعدت.

إننا نعيش في كون مستَمَدة تعاليمه من خالق واحد، يقول عن تجانس الوجود الدكتور (أحمد زكي) أول رئيس لمجلة (العربي) الكويتية: (إن العين مخلوقة لأن هناك شمسا، ولولا الشمس ما كانت هناك حاجة للعين)، وما ينطبق على الترابط المادي ينطبق أيضاً على القيم والأخلاق، فكما تفسد الخلايا الشابة بقليل من الضرر تفسد الأرواح الشابة أيضا بقليل من الضرر.

لهذا تجد الشباب في أي مجتمع هم الأكثر تأثراً بانتشار الفساد بكل أصنافه. من خلال الشباب، وهم الخلايا النامية في جسد أي أمة، يمكن زرع جميع أنواع المؤثرات، برعاية الشباب وتزويدهم بالقدوات الصالحة يمكننا خلق مجتمع قوي متحضر والعكس أيضاً صحيح.

لو نظرنا حولنا في أمم تتقدم بسرعة لوجدنا أن السر يكمن في الاهتمام بالشباب وإزالة المؤثرات السلبية عن طريقهم، والأمثلة أمامنا كثيرة، فعندما نرى دولاً قوية كاليابان وألمانيا تهتم بالتعليم وتضعه ضمن أولوياتها القصوى وتحرص على المساواة بين أبنائها في هذا الشأن ندرك أنها تبني روحاً ايجابية لدى الشباب من أجل صناعة المستقبل.

عندما تحارب الدول الفاسدين وتجعل منهم أمثلة سلبية ضارة نعلم أنهم يخلقون صورة إيجابية أمام الشباب من أجل خلق جيل مجتهد معتمد على نفسه.

من جهة أخرى، يمكن جعل التعليم مرآة لكل تناقضات المجتمع ووسيلة لنشر الروح السلبية بين الجيل الصاعد، يمكنك خلق جيل لا يؤمن بقيمه ولا بلغته يتفتح على قيم غريبة عنه بدعوى التحضر.

سلم التعليم هو باب النجاح يتبعه ما نراه، في الكويت اليوم، من مزارع عديدة لصناعة الفساد يتعلم بها شبابنا كل السلبيات التي تهدم أمماً كبيرة ناهيك عن دول صغيرة.

من تلك المزارع السلبية ما نشاهده من بعض أعضاء مجلس أمتنا، تراهم بصحبة شبابنا أمام مكتب الوزراء والوكلاء لإعطائهم أول الجرعات السلبية، وأول دروس في الواسطة والمحسوبية حتى يتم إتلاف عقولهم وخلاياهم التي هي بالأساس خلايا حساسة للتلف.

من مزارع الفساد ما نراه، بفضل الحكومة، من تقديم للواسطة والمعرفة، تقديمهما على الجد والاجتهاد حتى أصبحت روح شبابنا مليئة بالإحباط وأحياناً القهر لما يرونه ويسمعونه.

هل نستطيع تحميل شبابنا وحدهم اللوم حين نرى بعضهم وقد استمالته دولٌ أو أفكارٌ ليصبح عدواً لبلده؟ إن هؤلاء الشباب عجينة سهلة التشكيل ولو اهتم أصحاب القرار بهم وأنصفوا في حقهم لتغيّر وجه الكويت وسادت روح المحبة بين أبنائها بدل التشرذم الطائفي والقبلي والأسري.

إن المنبع الحقيقي في كلمتين، إصلاح التعليم وخلق القدوات وهذا سيحدث إذا حسنت النيات وقويت العزائم لدى أصحاب القرار فمازال شبابنا عطشى وهم أمانة لدينا.