في دراسة حديثة بعنوان «دعوة لنقد العقل الشيعي السياسي»

سهر يتعمّق في سبر أغوار تفاعل الشيعة في الكويت... مع الحدث السياسي منذ 1896 وحتى 2020

14 أكتوبر 2021 10:00 م

- الشيعة كمكون ديني سياسي في كثير من الدول يتعايشون مع نماذج سياسية متنوعة
- في الستينيات كانت الواجهات التقليدية أشد قرباً لنمطية الواقع الذي عايش الاغتراب السياسي
- في السبعينيات تم استيراد الخبرة السياسية لـ«حزب الدعوة» التي ولدت في العراق
- العقل السياسي الشيعي كان في مرحلة التكوين مما سهل احتضانه من «الدعوة» و«الشيرازية»
- في الثمانينيات دخلت على التجربة السياسية لشيعة الكويت ثقافة ثورية جديدة
- لم يكن هناك خيار للتوجهات الشيعية في بدايتها إلا التحالف مع السلطة
- التأثر بالحركات الخارجية لا يعني الخروج عن الثوب الكويتي بل التأثر الفكري المتطاير عبر الحدود
- المجتمع الكويتي كان تقليدياً ولكنه مدني بمعنى أنه يضع حداً بين الخاص والعام
- منذ الثمانينيات أمست الكويت تعاني تراجعاً في مؤشرات التنمية

رأى أستاذ العلوم السياسية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور عبدالله سهر، أن الكويت تعاني تراجعاً في مؤشرات التنمية، يتزامن مع صعود نجم الجماعات والأحزاب الإسلامية، التي تنامت مع وجودها ظواهر الفساد، ما أسهم في أفول التطور والرخاء، بعكس ما كان مرجواً منها، من تزايد الفضيلة والتسامح والخير والإصلاح والتقدم، مشيراً إلى زيادة حدة التعصب المذهبي والفئوي بشكل لم تعهده الكويت، وتراجع التعليم، بعد أن سيطر الإسلاميون على مناهجه ونقاباته.

جاء ذلك في دراسة للدكتور سهر نشرتها مجلة حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية الصادرة عن جامعة الكويت وحملت عنوان «دعوة لنقد العقل الشيعي السياسي: تأملات في فكرة الزمكانية والنسبية السياسية لتفاعل الشيعة مع الحدث السياسي في الكويت».

وبحث سهر قضية تفاعل الشيعة في الكويت مع الحدث السياسي منذ العام 1896 وحتى العام 2020، وقدم مراجعات فلسفية لدور العقل في التصورات الفكرية والسلوك العملي، كما عمد إلى مراجعة الأفكار والتصورات السياسية والفلسفية والفقهية لعلماء الشيعة، المتعلقة بدور العقل.

وتمت مراجعة دور الشيعة السياسي منذ التأسيس الفعلي للكويت ككيان سياسي مستقل عن الدولة العثمانية بعد تولي الشيخ مبارك الصباح دفة الحكم في العام 1896.

وقام الباحث بتغطية التوجهات والتيارات السياسية الشيعية وتأثرها في الحدث السياسي في الكويت، خلال فترة الدراسة، في سبيل الكشف عن نتائج تتصل بمواضيع وأحداث وقضايا لم يتم التعرض لها بشكل مكثف كما تستحق البحث والتدقيق.

وخلصت الدراسة إلى مجموعة من الإشكاليات العامة والخاصة التي تفسر وتنتقد العقل السياسي العام والشيعي بشكل خاص.

وبيّن الباحث أن الدراسة تحاول أن تتعامل مع حيز صغير جداً في نطاق العقل السياسي للشيعة، في إطار التفاعل المجتمعي الكويتي المتنوع، مشيراً إلى أن تعددية النماذج السياسية التي يتعايش معها الشيعة كمكون ديني سياسي قد تتنوع في كثير من الدول وفقاً لظروف زمانية ومكانية صنعت تعددية وخصوصية واقعية لا يمكن نكرانها.

وقال إنه «في لبنان نجد الشيعة يتعايشون هناك منذ فترة طويلة مع نموذج سياسي فريد تحكمه بيئة لها محدداتها الظرفية، وفي العراق وإيران وسائر دول الخليج وغيرها للشيعة نماذجهم الخاصة التي من خلالها يتفاعلون بأنماط مختلفة مع كل واقع على حدة، وفي الكويت الوضع ليس مستثنيا من ذلك».

وأضاف أنه «في حقبة الستينيات من القرن الماضي كان الأمر مستتباً للواجهات الشيعية التقليدية التي كانت أشد قرباً لنمطية الواقع الشيعي، الذي عايش الاغتراب السياسي المفروض عليه في حقبة الثلاثينيات، فكان يحدوه الحذر الشديد لكثير من الأسباب، منها مأساة التجربة السابقة وقلة الخبرة، لذلك كان الموقف السياسي الصادر من تلك الواجهات باهتاً في متاهات صراع حقيقي تتجاذبه قوى التغيير القديمة ممثلة بطبقة التجار والعوائل في الثلاثينيات، إلى جانب قوى تغيير جديدة تمثلت في الاتجاه اليساري والعروبي، وكلاهما توجهان غريبان على الجسد الشيعي وعقله التقليدي».

ولفت الباحث إلى أنه «في السبعينيات تم استيراد الخبرة السياسية لحزب الدعوة التي ولدت في العراق قبل أن يتم تجربتها عملياً في ميدان السلطة السياسية الفعلية، وقد اصطحب هذا الوضع أيضاً منظمة العمل الإسلامي (ما اصطلح عليها بالشيرازية) التي لها مرجعيتها السياسية الأخرى المختلفة عن حزب الدعوة، ما جعلهما في اختصام سياسي في حلبة الكويت، وفي هذا المعترك كان العقل السياسي الشيعي في مرحلة التكوين ما جعل احتضانه من كلا الحركتين أمراً يسيراً».

وتناولت الدراسة تفاعل المجتمع الشيعي في الكويت مع المسرح السياسي في المرحلة الراهنة من دون انقطاع عن التراكمات والموروثات السياسية التي مرت خلاله، حيث بدأ التفاعل السياسي الشيعي في القرن التاسع عشر متواضعاً محصوراً في تأييد بيت الحكم والتأثر بمجريات المسار السياسي الإقليمي عبر الأزمنة التي توالت منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

وأشار الباحث إلى أنه «في ظل تواضع التجربة السياسية لشيعة الكويت، دخلت عليها في حقبة الثمانينيات ثقافة سياسية ثورية جديدة أتت متأثرة بدرجة كبيرة في تجربة (حزب الله) في كل من ايران ولبنان، وهي كذلك تزرع نبتات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة عما جبل عليه الشيعة في الكويت».

وأوضح أنه خلال فترة النمو الزمني جابت الثقافة السياسية للشيعة أفكاراً مختلفة، من النمط التقليدي المؤيد للسلطة في بداية التكوين، ومن ثم المهادن الحليف للحكومة، الذي ساد في حقبة الستينيات، ثم التفاعل المزدوج في فترة السبعينيات، وبعد ذلك ولدت نخب جديدة مدفوعة من السلطة لتأخذ مكانها في الحيز السياسي الضيق في حقبة التسعينيات، وأخيراً نكوص التفاعل الشيعي مرة أخرى حيث أخذ يعود إلى أحضان التأييد للسلطة في الأغلب الأعم في العقدين الأولين من الألفية الثالثة، حاملاً معه مؤثرات سياسية محددة جعلته ينكمش متفاعلاً إلى داخله أكثر مما هو منفتح متداخل مع محيطه.

وذكر أن المعضلة الرئيسية لأكثر المراقبين السياسيين، سواء كانوا في السلطة أو خارجها، ينظرون إلى تلك المسارات والحركات والتيارات على أنها وحدة حركية واحدة، أطلق عليها «البيت الشيعي»، وإن كانت ذات أصباغ مختلفة، مبينا أن الجمهور الشيعي كان مبهوراً بتلك النماذج الحركية وشعاراتها، والتي كانت تحاكي عاطفته السياسية التي دجنتها تلك الحركات السياسية عندما دخلت للمربع السياسي الكويتي.

وأوضح الباحث أن حصيلة التجربة السياسية لشيعة الكويت باتت تتعايش في ظل الاغتراب السياسي التي تفرض عليها الانخراط في المسار الرئيسي للتوجهات السياسية في الكويت، والتي يهيمن عليها التوجه العروبي واليساري أو المسار النخبوي الذي يشكله غالباً طبقة التجار، وكلاهما لا يتمتع بمرونة سياسية كافية لاستيعاب الشيعة سياسياً كمكون اجتماعي، إلا من خلال التبعية والذوبان التام، معتبراً أنه لم يكن خيار آخر للتوجهات الشيعية في بدايتها إلا التحالف مع السلطة والتي بدورها استخدمتها كأداة شعبية وسياسية ضد ما يعرف بأنه معارضة، ولذلك كانت هذه الحالة المهلهلة تشكل السبب الرئيسي الذي أوجد حالة الفراغ التي سدت جزءاً رئيسياً منها الحركات السياسية الخارجية التي عبرت الحدود الكويتية.

ولفت الباحث إلى أن الحديث عن تأثير الحركات الخارجية لا يعني البتة الخروج عن الثوب الكويتي، ولا يفهم منه أنه شكل من أشكال التبعية أو عدم الولاء السياسي الذي يُتهم به الشيعة أحياناً من قبل بعض نظرائهم في التراب، ولكن المعنى الحقيقي المقصود هو التأثر الفكري الذي يتطاير عبر الحدود ويشكل منهجاً سلوكياً للفاعل السياسي في المجتمع.

وخلص الباحث في دراسته إلى أنه «منذ نشأت الكويت تنعمت بتقدير خاص لقيم الحرية حيث لم يجتمع أطياف شعبها المهاجرون من إيران والعراق والجزيرة العربية إلا على اتفاق واضح يقر بالتعددية، وبسبب ذلك كوّنوا مجتمعاً يقوم على الشورى والشراكة في إدارة الحياة، وهم على معرفة تامة بمساوئ التعصب أياً كان نوعه، وعلى هذا الأساس كان المجتمع الكويتي تقليدياً ولكنه مدني، بمعنى أنه يضع حداً بين الخاص والعام، ولكن منذ الثمانينيات أمست الكويت تعاني تراجعاً في مؤشرات التنمية، وهذا يتزامن مع صعود نجم الجماعات والأحزاب الإسلامية مع تزايد ظواهر الفساد ما أسهم في أفول التطور والرخاء بعكس ما كان مرجواً منها من تزايد الفضيلة والتسامح والخير والإصلاح والتقدم».

وأضاف: «كما زادت حدة التعصب المذهبي والفئوي بشكل لم تعهده الكويت، وتراجع التعليم بعد أن سيطر على مناهجه ونقاباته الإسلاميون، وتزايدت حالات الطلاق وعقوق الوالدين مع صعود الأبواق الإسلامية التي تفرق بين المرء وزوجه، ونحن لا نقول إن الدين يسبب التخلف بل ممارسة الدين على طريقة المتعصبين والمتمصلحين هي السبب، ولا ندعو للتحرر بمعنى التفسخ والانحلال وإنما إلى التفكير في الدين من حيث جوهره لا مظهره».

الأسئلة الأساسية للدراسة

1 - هل لتشكيل العقل السياسي علاقة بالظروف الزمانية والمكانية؟

2 - كيف نظر الفكر العربي والإسلامي إلى العقل السياسي وما هي أهم معضلاته الواقعية؟

3 - كيف تفاعل العقل السياسي الشيعي بالعوامل البيئية والوقتية؟

4 - ما هي أهم الإشكاليات التي يعاني منها العقل السياسي الكويتي بشكل عام والشيعي بشكل خاص؟

5 - ما هي العوامل الرئيسية التي أدت إلى اثارة بعض الإشكاليات على العقل السياسي الكويتي بشكل عام والشيعي بشكل خاص؟

فرضيات الدراسة

1 - تعود بدايات التفاعل الشيعي السياسي إلى بداية تشكيل الدولة الكويتية مع تولي الشيخ مبارك الكبير للحكم في العام 1896 بشكل تحالفي مع السلطة، الأمر الذي أثر على علاقة الشيعة بالمكونات السياسية الأخرى في أول مجلس تشریعي منتخب في العام 1938.

2 - تفاعل العقل الشيعي السياسي بالأحداث الإقليمية المدفوعة بالتحولات الإقليمية والدولية التي تقودها محركات القوى العظمى، وقد أثر ذلك على السلوك السياسي للشيعة محلياً بالكويت.

3 - ترتبط إشكاليات العقل الشيعي السياسي بشكل وثيق بتجارب الشيعة السياسية في كل من إيران والعراق، ويتجاوز طبيعة الحيز الزماني والمكاني (الزمكاني) للمجتمع الكويتي، إلى حيز مكاني وزماني مختلف، ما خلق فجوة عميقة في التفاعل المنسجم مع الواقع السياسي.

4 - تم توظيف مفهوم البيت الشيعي من أجل تحقيق مكاسب سياسية للسلطة وبعض النخب السياسية الشيعية، ما ساهم في المزيد من العزلة السياسية وعرقلة اندماجهم سياسيا ومؤسسيا في الإطار الكويتي.