محاكاة لأرقام الرابحين والخاسرين وتأثيراتها السياسية في العراق

مقتدى الصدر «الرقم الصعب» أمام «غابة» مصاعب

13 أكتوبر 2021 09:40 م

- معلومات لـ«الراي»: إيران باركت للصدر انتصاره

بدا العراق وكأنه ينتقل من مرحلة لم تنته فصولاً إلى حقبة لم تتبلور ملامحها تماماً. فصناديق الاقتراع تحولت «صندوق مفاجآت»، لم تكن مفاجئة لـ «الراي» التي توقعتها ورسمت سيناريوهاتها عشية الانتخابات المفصلية التي شهدتها بلاد الرافدين.

ورغم أن الاستحقاق الانتخابي، الذي مر بسلام، توج السيد مقتدى الصدر لاعباً رئيسياً ومحورياً في العراق الجريح، فإن محاكاة «توزيعه» عدد المقاعد على القوى، صغيرها وكبيرها ولعبة التحالفات في ضوء لوحة الرابحين والخاسرين، من شأنها أن تضع البلاد أمام وقائع سياسية جديدة بالغة الأهمية، إن في الداخل أو مع الخارج... خارج الأقربين والأبعدين.

والعلامة الفارقة التي ميزت انتخاب برلمان 2021، إن عاملاً جديداً حضر بقوة وللمرة الأولى منذ العام 2003 هو عدم تدخل إيران وأميركا في الانتخابات وانتفاء دورهما باختيار رئيس الوزراء القادم. وعلمت «الراي» أن إيران بعثت برسالة واضحة للصدر، قالت فيها «إنها تبارك انتصاره وتدعم جميع قراراته وتطلب مودته».

ويبقى لاستقرار العراق تحقيق الخروج الأميركي من بلاد ما بين النهرين في نهاية السنة الحالية، كما وعد الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتبدأ مرحلة بناء الدولة العراقية دون تدخل خارجي، وهو الوعد الذي ما زالت تحوطه الشكوك.

وفي قراءة الأرقام ودلالاتها وما تنطوي عليه من معطيات سياسية جديدة، صار حاسماً إن الصدر الذي فاز بـ 73 مقعداً على الأقل، مرشح لتكبير كتلته بعد انتهاء المدة القانونية للطعون (3 أيام)، وهو الأمر الذي سينقل «العدسة» سريعاً لاستكشاف طبيعة التحالفات الجديدة. علماً أن هناك نحو مليون صوت لم يبت بشرعيتها في انتظار انتهاء تقديم الطعون وقرار المحكمة الاتحادية، وتالياً فإن إعلان الأرقام النهائية لم يتم بعد.

فمن المتوقع أن يلتحق عدد كبير من المستقلين بركب التيار الصدري على النحو الذي يتيح له إقامة تحالفات سهلة مع أقوياء يريدون الالتحاق به (السنة والأكراد) لتصبح الكتلة الصدرية «عابرة للشيعة»، من دون مشاركة الأحزاب الشيعية الأخرى، ما سيعطي مقتدى الصدر القدرة على اختيار رؤساء البرلمان والحكومة والجمهورية.

وثمة سؤال مبكّر يطرح نفسه في ضوء الحصيلة التي حصدها الصدر. وهو: هل هذه نعمة له أم نقمة عليه؟ وتالياً، ما هي أكبر التحديات التي سيجابهها إذا نجح في الاحتفاظ بالكتلة النيابية الأكبر؟

ينص الدستور العراقي على إعطاء الصلاحية لمن يجمع أقله 165 مقعداً في البرلمان بأن يسمي رئيس الوزراء المقبل. وتسير الأمور عادة على الشكل الآتي:

يذهب رئيس أكبر عدد من النواب كحزب واحد قبل الانتخابات (أم كتلة معلنة مسبقاً) إلى قرع أبواب الأحزاب الصغرى أو الكبرى لاستطلاع إمكان التحالف، والذهاب إلى تسمية رئيس الوزراء، كما رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، في إطار «باقة واحدة» متفق عليها أو التفاهم على الأقل على رئيس المجلس النيابي الذي سينتخب رئيس الجمهورية (إذا تعذر الاتفاق كما حصل في انتخابات عام 2018) الذي يعلم مسبقاً اسم رئيس الحكومة الذي تتفق عليه الكتل الشيعية الكبرى والتي تمثل الغالبية البرلمانية. مثلما حصل في الانتخابات السابقة بعد الخروج الأميركي من العراق عام 2011.

لا تتدخل واشنطن ولا طهران في الانتخابات. (إيران تلعب دور «استشاري» للخوض في الانتخابات، وهذا الدور أثبت عدم نجاحه هذه المرة إذ تسبب بتشظي أصوات الـ«الفتح» مثلاً، إضافة إلى توقعات طهران حيال شعبية التيار الصدري الهائلة). فدور إيران وأميركا يأتي لاحقاً عبر المساهمة في صوغ تحالفات ما بعد الانتخابات لاختيار رئيس الوزراء المقبل.

وكما جرت العادة، تتغير الحصص النيابية لتصبح نهائية بعد إدلاء النواب بالقسم لإعطاء الفرصة للنواب المستقلين أو لآخرين كانوا ضمن الكتل أو الأحزاب التي حصلت على أصوات قليلة للانضمام إلى أحزاب أخرى. فتتغير أحجام الأحزاب، وهذا ما هو متوقع بالنسبة إلى التيار الصدري الذي حصد 73 نائباً، إذ من المرجح أن تصل كتلته إلى ما فوق الـ 90 نائباً وحده مع انضمام عدد لا يستهان به من النواب الـ 30 المستقلين أو آخرين.

إلا أن هذا لا يعني أن أحزاباً أخرى لا تستطيع تقديم عروض مغرية لأحزاب كبرى لإبعاد الصدر، أو أن يلتقي الأخير بنوري المالكي - وهذا من المتوقع حصوله - للتحدث عن إمكان «تحالف الأقوياء». ويتميز الصدر والمالكي بأنهما الوحيدان المؤمنان بقيام الدولة العراقية دون انفلات حزبي أو فصائلي. إلا أن بناء الثقة بين الطرفين يمكن أن يكون متعذراً في الوقت القليل المتبقي لاختيار الرئاسات الثلاثة.

وتبقى معضلة أحقية الحزب أو الكتلة التي تمتلك أكبر عدد من الأصوات قبل أداء القسم للنواب الجدد لاختيار رئيس الوزراء أم صلاحية التحالف الأقوى ما بعد أداء القسم. وهذا الأمر لم يبت إلى اليوم وتالياً ينبغي توضيح المسألة دستورياً إلا إذا كان التشكك وعدم القطع بمن له الأحقية دستورياً يخدم مصلحة السياسيين.

ولم يكن أمراً عابراً حصول كتلة «الفتح» على 14 نائباً بعد أن كانت 60 نائباً (48 + 12 انضموا لاحقاً) في انتخابات 2018، ما أعطى إيران يومها رافعة مهمة داخل البرلمان العراقي. ولا يمكن اعتبار تعزيز «دولة القانون» المتمثلة بالمالكي لحصتها انتصاراً لإيران لأنه يطمح للوصول إلى رئاسة الحكومة وهو أمر لا يستطيع أحد تقديمه له إلا لو كان حصل هو على العدد الأكبر من النواب بدل الـ 40 نائباً في الانتخابات الأخيرة. وهذا ما قضى على حلمه الرئاسي خصوصاً أن مسعود البرزاني حصل على 32 - 38 مقعداً، وتالياً فانه سيتحالف مع الصدر.

وكذلك سيفعل رئيس حزب «تقدم»، محمد الحلبوسي الفائز بـ 38 مقعداً والذي يريد العودة إلى رئاسة البرلمان، وتالياً فإن تحالفه مع الصدر أصبح واقعياً وحتمياً. إلا أنه لا ينبغي استبعاد المفاجآت وإعادة رسم التحالفات لتشكيل واقع جديد لن يكون سهلاً التوصل إليه.

ومن الواضح أن تحالف الحلبوسي - البرزاني مع التيار الصدري يعطي السيد مقتدى من 70 إلى 80 مقعداً داعماً له، إضافة إلى رصيده الكبير. وهذا يمنحه القدرة على تسمية رئيس الوزراء المقبل. وهذا ما سيقفل الطريق أمام تدخل أميركا وإيران لانتفاء السبب الذي غالباً ما كان يراد منه جمع الكتل للتوافق في ما بينهم بعد جذب المستقلين الذين لن ينضم أكثرهم إلى المالكي الذي جُرب في انتخابات ماضية، خصوصاً أن عدداً من المستقلين القريبين من المرجعية في النجف التي قالت سابقاً إنها لا تريد عودة المالكي وضرورة تسمية أسماء جديدة، لن يكونوا في حساب المالكي بالتأكيد.

والمكانة المرموقة التي حققها الصدر ستجعله أمام التحدي الكبير، والذي يتمثل بالوضع الداخلي أولاً ومقاومة الأحزاب التي تخشى على مستقبلها وبقائها خارج دائرة النفوذ في الدولة والتحديات الاقتصادية والأمنية الأخرى، وآخرها التحديات الخارجية التي سيصطدم بها الصدر.

بدأت مرحلة تقديم الطعون بالنتائج إلى المحكمة الاتحادية (كما توقعت «الراي») من عدد كبير من «المنزعجين» والتي لديها صلاحية البت بها. إلا أن مرحلة تشكيل الحكومة بدأت وتعقيداتها بالتوازي ولن يكون الخروج من الاختبار الأول سهلاً.