في انتظار سياسة عراقية لإدارة بايدن

27 سبتمبر 2021 10:00 م

بعد مضيّ 18 عاماً على الاجتياح الأميركي للعراق، تقف إدارة جو بايدن حائرة حيال ما يفترض بها أن تفعله بعدما تسببت إدارة جورج بوش الابن بزلزال لا تزال تفاعلاته تتردد في المنطقة كلّها.

أيّ عراق بعد الانسحاب العسكري الأميركي في غضون أشهر قليلة؟ لا جواب واضحاً باستثناء أن إيران تزيد من ضغوطها لإثبات أنّها اللاعب الأوّل في هذا البلد وأن لا مجال للعودة الى واقع يتمثل في أنّ العراق هو العراق وإيران هي إيران.

في أساس الزلزال الذي تجاوز حدود العراق، أن الإدارة الأميركية السابقة، إدارة بوش الابن، لم تدرك في العامين 2002 و2003 النتائج التي ستترتّب على اجتياح العراق عسكرياً وإسقاط النظام فيه.

لم تدرك معنى تقديم العراق على «صحن من فضّة» الى إيران.

أقدمت على العمليّة العسكرية في العراق من أجل إسقاط نظام، كانت هناك حاجة الى إسقاطه، ولكن ليس بالطريقة التي اعتمدها بوش الابن وكبار مساعديه الذين رفضوا نصائح بالتريث قدّمها لهم قادة مستنيرون يعرفون المنطقة.

في مقدّم هؤلاء، الملك عبدالله الثاني الذي اجتمع بالرئيس الأميركي في أغسطس من العام 2002. وقتذاك، حذّر العاهل الأردني الرئيس الأميركي من النتائج التي ستترتب على حرب العراق.

لكن بوش الابن رفض حتّى أن يستمع إلى النصيحة...

ما انهار في المنطقة ليس العراق وحده الذي جاء إليه الأميركيون بميليشيات مذهبيّة عراقية قاتلت في الماضي الجيش العراقي.

عاد قادة تلك الميليشيات من إيران إلى بغداد على ظهر دبّابة أميركيّة. إذا بهؤلاء في الوقت الحاضر الطرف العراقي الأشدّ عداء للسياسة الأميركيّة.

لم يعد «الحشد الشعبي» الذي هو تحالف بين ميليشيات مذهبيّة تابعة لإيران سوى أداة ضغط إيرانيّة على أميركا في العراق!

المخيف في الأمر أنّ ليس العراق وحده الذي عانى من التغيير الذي أحدثه الأميركيون في العراق.

فمع توافر انطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني، تعرّض لبنان لضربة قويّة يمكن أن تقضي عليه.

يمكن في الوقت الراهن التساؤل متى انتهى لبنان الذي شهد في بداية تسعينات القرن الماضي محاولة يتيمة لإنقاذه على يد رفيق الحريري، المعروف من اغتاله، بعد مرحلة الحرب الأهليّة التي بدأت في 13 أبريل 1975؟

يمكن القول إن لبنان انتهى قبل ذلك، أي مع توقيع اتفاق القاهرة في نوفمبر 1969 لدى تخلي الدولة عن جزء من سيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لكنّ الواقع الراهن يشير الى أن لبنان صار جزءاً من الماضي وطويت صفحته في ضوء وصول ميشال عون الى موقع رئيس الجمهوريّة في 31 أكتوبر 2016 وانهيار كلّ القطاعات التي قام عليها البلد الذي صار يحكمه «حزب الله»، أي إيران.

ما كان للبنان أن يسقط تحت الوصاية الكاملة لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» لولا استقواء «حزب الله» عليه وعلى اللبنانيين. يعود ذلك قبل أيّ شيء آخر الى ما حدث في العراق في العام 2003 وليس في أيّ مكان آخر.

يجرّ الحديث عن لبنان الى الحديث عن انهيار سورية.

متى انهارت سورية؟ إذا عدنا الى التاريخ، انهارت سورية مع إعلان الوحدة مع مصر في فبراير 1958 وهي وحدة ترافقت مع القضاء على أيّ أمل في إنقاذ البلد من السقوط تحت هيمنة نظام أمني كان عبد الحميد السرّاج رمزه.

كانت تجربة الانفصال (1961 - 1963) الفرصة الوحيدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية.

لكن حزب البعث، بفكره المتخلّف، وفّر الغطاء لاستيلاء مجموعة من الضباط على السلطة تمهيدا لقيام نظام أقلّوي ما زال قائماً منذ العام 1970.

إنّه نظام لا همّ له سوى تحويل السوريين الى مجرّد عبيد لديه والقضاء على كلّ أمل في أن تكون سورية في يوم من الأيّام دولة طبيعيّة ومنتجة...

تكرّس الانهيار السوري مع سقوط العراق. بعد سقوط العراق، بات في استطاعة إيران التحرّك بحرّية أكبر في سورية. أزالت الحدود بين العراق وسورية وبين سورية ولبنان.

متى انهار العراق نفسه؟ انهار عملياً في 14 يوليو 1958 عندما وقع انقلاب عسكري ارتدى طابعاً دموياً قضى على الأسرة الهاشمية، على رأسها الملك فيصل الثاني الذي كان لا يزال شاباً والذي كان شخصيّة واعدة.

لم ير العراق يوماً أبيض منذ تخلّص ضباط متعطشون إلى العنف والدمّ من أسرة كانت قادرة على الجمع بين العراقيين من كلّ المذاهب والديانات والقوميات وكانت عنواناً للانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. جاء البعث العراقي ليستكمل ما فعله العسكر صيف العام 1958.

مهد البعث، بمغامراته العبثيّة، لحرب أميركية قضت نهائيا على العراق.

تبدو استعادة العراق مهمّة صعبة لكنّها غير مستحيلة، خصوصا إذا تخلّص العراق يوماً، بفضل أعجوبة ما، من فرقة المزايدين من المتاجرين بالقضيّة الفلسطينية من جهة وإذا أمكن رفع اليد الإيرانية عنه من جهة أخرى.

ليست خريطة المنطقة التي يعاد رسمها هذه الأيّام.

هناك إعادة بحث في تركيبة المجتمع في دول عدّة. على سبيل المثال وليس الحصر، هل يمكن للبنان أن يستمرّ واقفاً على رجليه في حال صار «حزب الله» من يختار رئيسه المسيحي، على غرار ما حصل مع عون؟ هل من أمل لسورية في العودة الى بلد موحّد من دون خمسة احتلالات يعتبر النظام السوري ثلاثة منها، أي الإيراني والروسي والإسرائيلي، الممتد منذ يونيو 1967، أكثر من طبيعي.

كان هذا الاحتلال الإسرائيلي، ولا يزال، الضمانة الأولى لنظام لم يرد يوما استعادة الجولان!

لن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود في المنطقة قبل وضوح الصورة في العراق حيث لا يزال أمل في استعادته دوره كنقطة توازن في المنطقة وليس مجرّد «ساحة» إيرانيّة.

لا مكان لكثير من التفاؤل، على الرغم من الجهود الدؤوبة لحكومة مصطفى الكاظمي، خصوصا أن إدارة بايدن لا تمتلك، إلى إشعار آخر، أي جواب على سؤال في غاية البساطة.

هل تمتلك سياسة عراقيّة أم لا؟