إيران والخيار الكوري الشمالي

21 سبتمبر 2021 10:00 م

واضح، في ضوء تصرفاته الأخيرة، خصوصاً منذ فرض إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة، انّ النظام الإيراني قرّر السير في الخيار الكوري الشمالي الذي يعتمد على الاختباء خلف القنبلة النووية والصواريخ الباليستية.

صحيح ان ليس لدى «الجمهوريّة الاسلاميّة» قنبلة نوويّة بعد، لكنّ الصحيح أيضاً انّها قررت الذهاب الى النهاية في محاولة الحصول عليها في المدى القريب.

بالنسبة الى النظام الإيراني، يبدو كلّ شيء مبرّراً من اجل البقاء في السلطة، بما في ذلك القمع اليومي للشعب ومتابعة افقاره وصرف المليارات على برنامج نووي لا هدف منه سوى ابتزاز العالم ودول المنطقة.

اللافت أن النظام الاقلّوي في سورية يسير في حماية النظام الإيراني ورعايته.

اتخذ بشّار الأسد خياره أيضاً.

صار يستمدّ انتصاراته على الشعب السوري من انتصارات النظام الإيراني على الإيرانيين وما هو ابعد من ايران.

صار يستمدّ انتصاراته مما تحقّقه ايران في العراق وسورية نفسها ولبنان واليمن، حيث مارس الحوثيون آخر أعمالهم البطولية عن طريق إعدام مواطنين، بينهم مراهق، بتهمة تسهيل اغتيال القيادي صالح الصماد قبل بضع سنوات.

ليس معروفاً ما الذي يريد الحوثيون اظهاره من خلال هذا العمل الوحشي غير تدجين اليمنيين في مناطق سيطرتهم اكثر وبث الرعب في النفوس.

المفارقة انّ روسيا التي انقذت النظام السوري في العام 2015، عندما تدخلت مباشرة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، لغير مصلحة هذا الشعب طبعاً، تتصرّف حالياً بطريقة تؤكّد انّ لا منطق لسياستها السورية باستثناء منطق خدمة ايران.

لا ينفع ايّ تأنيب من فلاديمير بوتين لبشّار الأسد، من نوع التأنيب الذي وجهه اليه حين استقبله قبل ايّام قليلة في موسكو، عندما يرفض الرئيس الروسي اخذ العلم بالواقع السوري.

يلخّص الواقع السوري أن القرار في دمشق لطهران وليس لاحد آخر.

اذا كان في الحكومة اللبنانية الحالية التي شكلها نجيب ميقاتي وزراء تابعون مباشرة للأجهزة السورية، فإنّ الفضل في ذلك يعود الى هيمنة «حزب الله» على لبنان وليس بسبب استعادة بشّار الأسد نفوذه في البلد.

هذه المعادلة البسيطة غائبة كلّيا عن الرئيس الروسي!

في سياق اعتماد الخيار الكوري الشمالي حيث لا مكان سوى لثقافة الموت، يدفع كثيرون في المنطقة ثمناً كبيراً.

العراقيون يدفعون ثمناً، كذلك السوريون واللبنانيون واليمنيون.

يبدو القرار الإيراني بالتصعيد اكثر من واضح. يدلّ على ذلك الإصرار على التأخير في عقد صفقة مع ادارة جو بايدن في شأن العودة الى الاتفاق المتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني.

يعتقد النظام الإيراني انّ الوقت يعمل لمصلحته وانّ لا خيار آخر امام إدارة بايدن سوى الرضوخ للشروط الإيرانيّة مع ما يعنيه ذلك من رفع للعقوبات الأميركية بمجرّد قبول ايران العودة الى اتفاق 2015 الذي وقعته مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً في عهد باراك أوباما.

هل حسابات «الحرس الثوري»، الذي بات يسيطر كلّيا على النظام الإيراني، في محلّها؟ قد تكون هذه الحسابات في محلّها اذا اخذنا في الاعتبار انّ إدارة بايدن لم تقدم الى يومنا هذا سوى على ارتكاب أخطاء، خصوصاً في ضوء الطريقة التي تمّ بها الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان.

في المقابل، تجهل إيران انّ موضوع رفع العقوبات الأميركية مسألة في غاية التعقيد.

القرار برفع كلّ العقوبات ليس بيد الادارة وحدها، بغض النظر عن الأخطاء التي ترتكبها.

هناك عقوبات لا يمكن ان ترفع من دون موافقة الكونغرس الذي ليس، الى إشعار آخر، أداة طيّعة في يد جو بايدن...

في غياب ايّ تفكير آخر في طهران، غير تفكير السير في الخيار الكوري الشمالي، ستشهد المنطقة مزيداً من التصعيد.

لن تنفع الجهود الهادفة الى جعل الحوثيين قي اليمن يعتمدون لغة العقل والاقتناع بانّ متابعة ما يقومون به في هذه المرحلة بالذات يكشف انّ لا افق لمشروعهم الهادف الى تحويل شمال اليمن كياناً يدور في الفلك الإيراني.

لن تنفع في الوقت ذاته الجهود الهادفة الى جعل الجنوب السوري منطقة آمنة لا مكان فيها للميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران. في غياب موقف روسي واضح بعيداً عن التذبذب، ستبقى هذه المنطقة تهديداً للاردن ومنطلقاً لتهريب المخدرات والسلاح عبر المملكة الهاشميّة الى دول الخليج العربي.

مثل هذا التهريب جزء لا يتجزّأ من التصعيد الإيراني الذي يمارس انطلاقاً من اليمن او داخل العراق وفي لبنان.

تبيّن أن «الجمهوريّة الاسلاميّة» استطاعت لعب أوراقها اللبنانية بشكل جيّد في ظلّ سياسة فرنسيّة لا علاقة لها بالواقع اللبناني من قريب أو بعيد.

اذا وضعنا شخصية رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي يعرف ما يدور في العالم، جانباً... واذا استثنينا عدداً قليلاً من الوزراء في الحكومة الجديدة، يمكن القول إنّ ايران حققت انتصاراً جديداً على لبنان واللبنانيين.

بات في استطاعتها ان تفرض، بفضل السياسة الفرنسيّة، الحكومة التي تريدها عليهم.

لا يمكن الاستخفاف بمثل هذا الانتصار الإيراني الجديد في لبنان، وهو انتصار يأتي بعدما صارت «الجمهوريّة الاسلاميّة» تقرّر من هو رئيس الجمهوريّة.

هذا ما اثبتته بالفعل وليس بمجرّد الكلام عندما أوصلت ميشال عون وصهره جبران باسيل الى قصر بعبدا في 31 أكتوبر 2016.

ما الذي ستفعله ايران بانتصاراتها؟ يصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال.

لكن الامر الوحيد الأكيد انّ التصعيد الإيراني لا يبشّر بالخير، لا في العراق ولا في سورية ولا في لبنان ولا في اليمن.

كلّ ما يمكن توقعه هو مزيد من البؤس في غير مكان في وقت تزداد الادارة الاميركيّة حيرة كلّ يوم.

نحن امام إدارة، هي مزيج من ادارتي جيمي كارتر وباراك أوباما.

إنّها إدارة لا تعرف ماذا تريد.

إدارة في حال ضياع تعتقد ايران ان في استطاعتها التلاعب بها.

لن تنجح في ذلك لسبب بسيط.

يعود هذا السبب الى ان «الجمهوريّة الإسلامية»، حتّى ولو استفادت من كلّ الضياع الأميركي ومن كلّ التواطؤ الفرنسي، لا تمتلك نموذجاً تستطيع تصديره الى خارج حدودها، باستثناء نموذج البؤس.

لذلك نجدها مضطرة الى الخيار الكوري الشمالي الذي يمكن ان يحافظ على النظام فيها، لكنّه لا يستطيع البناء لا داخل ايران ولا خارجها.