حكومة لبنان «تبصر النور» على متن... السفن الإيرانية!

11 سبتمبر 2021 10:00 م

بعد 13 شهراً من الصراع الداخلي واعتذار رئيسيْ وزراء مكلّفيْن، أبصرت الحكومة اللبنانية النور بالشروط التي طالب بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من دون إحداث أي تعديل جوهري، وذلك بسبب إيران.

منذ أن استقال رئيس الحكومة حسان دياب (أغسطس 2020)، اتُّهم الرئيس السابق سعد الحريري (كان استقال بعد احتجاجات أكتوبر 2019) من خصومه، بأنه عمل جاهداً لتعطيل دور أي رئيس وزراء مكلف لأنه أراد الاحتفاظ بالسلطة لنفسه، وعاونه بقوة رئيس البرلمان نبيه بري، الذي أعلن مع الحريري، العداء المفتوح لرئيس الجمهورية وصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية.

وارتفعت الحساسية بين الرئاستين الأولى والثانية، كلما نادى عون بـ«التدقيق الجنائي»، لأن من شأن ذلك أن يضر بغالبية السياسيين الذين حكموا لبنان على مدى العقود الأخيرة وعاثوا فيه فساداً وثراءً غير مشروع من دون أن يتصدى لهم أحد.

وهؤلاء الساسيون، كانوا وما زالوا «أصدقاء لأميركا ودول أخرى»، وهم يتمتعون بتمثيل شعبي ونيابي ولديهم جمهور في الشارع مؤيد لهم ووازن يصعب تجاهله.

وقد عملوا على زرع سلطتهم داخل المؤسسات الأمنية والقضائية وفي كل الوزارات، لدرجة أنهم أصبحوا هم النظام اللبناني يحكمون بالتوافق في ما بينهم ويدوّرون الزوايا.

وحين قرر «حزب الله» - الذي يمثل نحو ثلث المجتمع اللبناني وموجود في البرلمان والوزارات والبلديات - دعْم عون، عمدت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، لزيادة احتضان إسرائيل وتقديم كل ما بوسعها لتحفاظ على تفوقها وضرب أعدائها، وعلى رأس هؤلاء إيران وحلفائها وخصوصاً «حزب الله».

وبدأت الحملة الأميركية لإظهار عون وباسيل على أنهما السبب الرئيسي لما يحدث من انهيارات اقتصادية وشيطنتهما كي يتعلم الآخرون ألا يتحالفوا مع «حزب الله».

وقد ساعد واشنطن، الحلفاء في لبنان، وجميع خصوم رئيس الجمهورية وصهره من دون الالتفات إلى الأسباب الحقيقية الإسرائيلية - الأميركية لذلك، والتي قضت بضرب قاعدة حلفاء الحزب، المسيحيين وقاعدة الحزب نفسها، ولاسيما ان الفقر أصاب الجميع.

ولم تكترث الولايات المتحدة بحلفائها الذين حصدوا دعمها بتسلُّمهم 10 مليارات دولار من دون أن يستطيعوا إضعاف «حزب الله» الذي كان يراقب ما يخطَّط له، وهو يخطِّط في المقابل كيف يحوّل التهديد فرصة.

وأرادت واشنطن أن يبقى الوضع غير مستقر لينقلب اللبنانيون ضد الحزب، واتهامه بالمسؤولية، على قاعدة أن العقاب للشعب اللبناني هو نتيجة قوة الحزب الصاروخية وقدرته على فرض التوازن العسكري الإستراتيجي مع إسرائيل وتهديد طموحاتها التوسعية.

وقد فرضت أميركا عقوبات على باسيل وهددت فرنسا باللحاق بها.

وخرج الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ليقلب الطاولة ويعلن أنه «لن يدع شعبه يجوع».

فأحضر من إيران الغذاء والدواء.

إلا أن الأزمة اللبنانية طالت النفط ومشتقاته ما سبب عجزاً في المستشفيات ومصانع الأمصال الطبية وقطع الكهرباء لمدة 22 ساعة يومياً وتسبب بازدحامات خانقة وغير مقبولة أمام محطات البنزين.

وهذا ما دفع الحزب إلى الإعلان عن قراره باستقدام ناقلات البنزين والديزل من إيران، وتأكيد أنها انطلقت باتجاه البحر المتوسط. وكان ذلك الإعلان بمثابة انفجار سياسي - اقتصادي، بوقْع يشبه «النووي»، دفع بعد ساعات السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، إلى الكشف - الذي اعتبر بمثابة رد فعل على إعلان نصرالله - عن نية واشنطن بكسر حصارها المعروف بـ «قانون قيصر» عن سورية، لتستطيع تغذية لبنان بالغاز المصري عبر الأردن.

ماذا أنتج الحصارُ الأميركي غير المعلن على لبنان والذي تسبّب بفقدان الليرة قيمتها وامتناع المصارف عن إعطاء المودعين أموالهم وفقدان كل مستلزمات الحياة اليومية؟

لقد أنتج بالنسبة لـ «حزب الله» إحضار إيران إلى لبنان وخصوصاً بعدما أن تسلّم وزارة الأشغال النقل في الحكومة الجديدة والتي من شأنها السماح لإيران بتوريد منتجاتها ونفطها ومشتقاته مباشرة إلى لبنان إذا رُفعت العقوبات عنها.

وفتحت أميركا بذلك نافذة تجارية لإيران كي لا ترسل المساعدات المالية الشهرية لـ «حزب الله» والتي تعتقد واشنطن أنها تراوح بين 50 - 80 مليون دولار شهرياً، ذلك أن طهران قررت إرسال مساعداتها إلى لبنان عن طريق سورية إلى حين رفع العقوبات الأميركية عنها، وبيعها في الأسواق اللبنانية عن طريق «حزب الله» الذي سيتقاضى الثمن بالعملة المحلية.

وتالياً وفرت أميركا أكثر من مليار دولار سنوياً على إيران من العملة الصعبة - التي كانت ترسلها للحزب- وأعطته النفط ومشتقاته والغذاء والدواء ليصبح له اقتصاد مستقلّ قوي بعد بضع سنوات ينافس الأسواق اللبنانية ويستطيع بيع موارده بأسعار منخفضة تضرب المحتكرين وتعطيه شعبية أكبر مما هي عليه اليوم.

وأعطت أميركا قوة لسورية بتقديم الغاز المصري، الذي لا مفر من مروره عبرها ليصل إلى لبنان. وهذا يمنح قوةً اقتصادية وسياسية لسورية على لبنان.

وارتضت أميركا هذا الباب الذي فتحته لدمشق في محاولة لمنع تمدد شعبية الحزب واقتصاده. إلا أنها خرجتْ بالدعم لسورية وأعادتها إلى الساحة اللبنانية من جهة ولم توقف الناقلات الإيرانية ولا الموارد المالية الجديدة التي ستتدفق إلى خزائن «حزب الله» من جهة ثانية.

ورغم أن هذه العملية السياسية ولدت اقتصاداً جديداً لـ«حزب الله»، إلا أنها ستفقد لبنان عشرات الملايين من الدولارات شهرياً بسبب توقف إيران عن إرسال هذه الكمية النقدية - أو أقل منها في المرحلة الأولى أقله - وتالياً ستخسر السوق اللبنانية هذا الدخل المهم من العملة الصعبة.

بالإضافة إلى ذلك بدأ «حزب الله» باستخدام صواريخه ليس لفرض توازن الردع مع إسرائيل وتهديدها بضرب مراكزها الحساسة إذا هاجمت لبنان، بل أصبح يستخدم أسلحته المتطورة لحماية اقتصاده هو.

وفي السياق نفسه، ساعدت أميركا بشكل قوي على أن يحصل «حزب الله» على فائض من الأموال يستطيع من خلالها زيادة الاستقطاب لعناصر جدد ينضمّون إليه، ما سيمكّنه من زيادة شعبيته بدعم حلفاء له وتغذية مشاريع إنمائية واجتماعية غائبة في لبنان.

وبعدما وجدت الولايات المتحدة أن خطتها انقلبت لمصلحة أعدائها، أصبح تشكيل الحكومة مطلباً ملحاً لربما يتيح لها إعادة التوازن الذي تطمح اليه والتخفيف من خسائرها التي تمثلت بفوز أعدائها وأعداء إسرائيل بالمعركة الكبرى الاقتصادية.

أظهر باسيل لواشنطن التي فرضت عقوبات عليه ولباريس أنه لا يمكن تشكيل أي حكومة من دون موافقته أيضاً. ورغم أن رئيس «التيار الوطني الحر» استوعب الإرادة الأميركية الفرنسية ووافق على تشكيل الحكومة، إلا أنه حصل على ما كان يبتغيه منها.

فإذا وقفت الحكومة الجديدة على قدميها حتى خروج عون من القصر الجمهوري في العام المقبل، فإن نفوذ باسيل داخل التشكيلة سيكون حاضراً في كل مكان. وبالتالي فشلت التهديدات والعقوبات الأميركية والتهديدات الفرنسية لرئيس الغالبية المسيحية في مجلس النواب في بلوغ أيٍّ من أهدافها.

وهكذا، وفي اللحظات الأخيرة، أصبحت التركيبة التي طالما رفضها نادي رؤساء الحكومات السابقين مقبولةً، لأن الناقلات الإيرانية وصلت سياسياً إلى لبنان وسورية، ولأن «حزب الله» أصبح يملك أقوى الشركات التجارية التي تستطيع وحدها تأمين أكثر من مليار و200 مليون ليتر من النفط ومشتقاته للبنان سنوياً، وهو ما لا يمكن أن توفّره الشركات الست القوية التي طالما احتكرت هذه التجارة في ما بينها.

كُسر الحصار الحكومي عن لبنان وعلى جزء من سورية، وأُدخلت إيران إلى الساحة اللبنانية بقوة بسبب الناقلات التي دفعت أميركا وفرنسا بالتضامن والتكافل لفرض الإعلان الحكومي في الساعات الأخيرة تحت عناوين مختلفة... إلا أن العنوان الحقيقي هو أن إيران، بسفنها، هي التي شكلت الحكومة اللبنانية.