قيم ومبادئ

شوهنا الإسلام أكثر من الأعداء!

19 أغسطس 2021 10:00 م

الإسلام دين الفطرة، وهو سهل ميسر في ألفاظه للحفظ وأخلاقه للعمل ومعانيه للفهم والعمل، يفهمه الأعرابي في البادية فيطبقه ويدخل الجنة وتسمعه المرأة وتمتثل وتدخل من أي أبواب الجنة الثمانية، ويعيه الصبي قبل سن الاحتلام فيتقوى به... كل ذلك بعيداً عن فذلكات الطوائف أو مراسم الأحزاب!

وفي تعاليم الإسلام العامة للمسلمين (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، كما جاء النهي عن التشدد في الدين، حيث جاء ثلاثة شباب من الصحابة رضي الله عنهم إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون أزواجه عن عبادته؟

وكل واحد منهم تشدد في جانب من جوانب الدين!، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

إذاً فالتشدد في دين الله مرفوض ومذموم فاعله، كما أن التمسك بالحنيفية السمحة مطلوب محمود فاعله، فلا نخلط بين التشدد والتمسك، حتى لا يلتبس الأمر على عوام الناس.

حقاً لقد شوّه المسلمون اليوم الإسلام أكثر مما فعله الكفار كيف؟

الجواب: بعض المسلمين سلطوا عقولهم القاصرة، وجعلوها حاكمة على نصوص القرآن والسنة المطهرة، ونصّبوا أنفسهم وسطاء بين الله وبين خلقه!

وافتروا على الله كذباً حتى أصبح عندنا إسلام معقد منفر، يختلف عن الإسلام الذي نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

إسلامنا اليوم، نفسره بحسب واقعنا وانحرافنا في مشاربنا واتجاهاتنا وأهوائنا!

وإليكم بعض الأمثلة:

فأولاً نبدأ بالمنحرفين من العلماء الذين أعملوا عقولهم في مسائل الغيب، فقالوا لأصحاب النصوص لنا العقل ولكم النقل!

ثم جاءت مدرسة أصحاب الرأي، الذين عارضوا نصوص الوحي بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأصحاب الحديث والسنة: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس!

ثم جاءت مدرسة الزهاد والعباد (ورهبانية ابتدعوها ماكتبناها عليهم)، فقالوا في الشريعة بعدما تمرنوا بأنواع الرياضات الجسدية، كالخلوة داخل الكهوف والمفاوز، لأجل طلب الحقيقة وصفاء النفس، فقالوا لأصحاب الشريعة لكم الشريعة ولنا الحقيقة حكراً علينا!

ثم جاءت مدرسة السياسيين والمعارضين، فقالوا لأصحاب الشريعة: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة والتدبير، فأتوا بالعجب العجاب!

وأخيراً جاءت مدرسة أصحاب العلم «اللّدُنّي» وهم أساطين الفلاسفة، فقالوا: أنتم أصحاب الظاهر ونحن أصحاب الباطن، وعندنا أسرار لا يعلمها حتى جبريل عليه السلام؟

وهؤلاء افتتن بهم ملايين البشر وخدعوهم بمظهر العمامة، وبطول المسبحة وسعة الجبة!

من هنا دخل علينا الخلل في فهم الإسلام، وكل مدرسة من هذه المدارس لا ضابط لما تقول، ولا أصل معتمد لديهم، اللهم إلا ما في عقولهم المتناقضة وأهوائهم المهلكة (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم).

فقالوا في العقل ما لا يقتضيه النقل، وقالوا في الرأي والقياس ما لا يجيزه الحديث الشريف، وقالوا في الذوق والحقيقة ما لا تجيزه الشريعة، وقالوا في السياسة والمعارضة ما تمنع منه الشريعة السمحة، وقالوا في الباطن ما يكذبه الظاهر!

والنبي صلى الله عليه وسلم، قسم لنا البشرية إلى ثلاثة أقسام بالنسبة لموقفها من الدين، وكل واحدة منها لها مسار نافع أو ضار.

فالقسم الأول: الذين أنعم الله عليهم، وهم أهل الصراط المستقيم، الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، أي جمعوا بين الرواية والدراية رواية النصوص (القرآن والسنة)، وإبعاد الدخيل عنها، وجمعوا مع ذلك الفقه فيها، فهو علم (الدراية) فهؤلاء أفضل الأقسام، وهم فقهاء المحدثين كالإمام أحمد بن حنبل والبخاري والشافعي وهؤلاء عددهم قليل في البشرية.

أما القسم الثاني: فهم دون القسم الأول، وهم الذين اكتفوا برواية نصوص الشرع والأسانيد، وحفظوا لنا المتون وأتقنوها، لكنهم لم يشتغلوا في الفقه، فأصبحوا كالأرض التي قبلت الماء ولم تنبت كلأً

أما القسم الثالث: وهم أكثر الناس فهم كالأرض الجدباء، التي لا تنبت عشباً، ولا تمسك ماءً يأتي عليها السيل فلا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، بل هي لا تزال على حالها كأنها لم يأتها شيء من المطر، وهؤلاء الذين لم يرفعوا بهذا الدين رأساً!

وإذا فُقِدَ القسمان الأولان لم يتبق لنا إلا القسم الثالث، الذي لاخير فيه فإن الأمة تكون في شر وبلاء، ويتم تشويه الدين من أهله المسلمين!