من الخميس إلى الخميس

الغزو الثاني

4 أغسطس 2021 10:00 م

في أحد المجمعات في الكويت جلس رجل كبير في العمر مع زوجته وابنتيه على طاولة خارجية لأحد المقاهي، أمام طاولتهم كان هناك طفلان يبدو أنهما أحفاد الرجل، يلعبان بكرة صغيرة وبصحبة خادمتهم الفيلبينية، الخادمة تلاعبهما وتتحدث بالإنكليزي معهما، بينما أفراد الأسرة صامتون وبعيدون عن متابعة أطفالهم، وجميعهم منشغلون بتحريك أصابعهم على هواتفهم الذكية التي يحملونها.

منظرٌ أصبح اليوم عادياً، ليس فقط في المطاعم والمقاهي بل حتى في المنازل، أسرٌ تجتمع للقاءِ والتواصل ولكن سرعان ما ينشغلون بهواتفهم، يبتعد كل واحد منهم عن الآخر ويعيش في عالمه الخاص، أما الأطفال فيتم تسليمهم للخدم، حيث يتواصلون معهم بلغة أجنبية ويعلمونهم عادات غريبة، الكل منشغل وغير مهتم بالنتائج.

الزوجات يُردن أطفالاً لكن بشروطهن الجديدة، والشباب يريدون تكوين أسرة مع عدم الإخلال بحياتهم المعتادة، إنه غزو خارجي أكثر خطراً من الغزو العراقي لوطننا، الفرق أن غزو الوطن واجهناه بالصمود والمقاومة، وأنفقنا مليارات من أجل عودة بلادنا حرة أبيّة، أما الغزو الجديد فنحن مستسلمون له تماماً وغير راغبين بالتصدي له ولا بالإنفاق لمنعه وتحصين المجتمع من مخاطره.

في زيارتي لتركيا - وشعبها شرقي مسلم يتشابه نوعاً ما معنا في العادات - لاحظت أن أسرهم في المطاعم والمتنزهات يتسامرون مع بعضهم ويلعبون سوياً، ولم أرَ منظر العزل التلفوني الذي أصبح معتاداً لدينا، لم ألاحظ خدماً يقومون بدور المُلقن والمُربي للأطفال بديلاً عن الأسرة.

لماذا إذاً اقتحمت تلك العادات حياتنا؟ لماذا حُرمنا من التجمعات الأسرية النافعة؟ لماذا أصبحت الخادمة عنصراً أساسياً في الأسرة، وأحياناً أهم من الزوج! لماذا أصبح أكبرُ عقابٍ لأطفالنا أن نأخذ هواتفهم، عقاب هو أكبر من المقاطعة أو منع المصروف أو حتى من الضرب البسيط، إنه أسلوب حياة دخيل، ومُدمّر للأُسر والمجتمع والوطن كله، هذا النمط من الحياة خطر على مستقبل الوطن ولا يشفع له أنه قد أصبح منتشراً في دول عدة، بل إن هذا أدعى لأن ننتبه له فهو نوع من الغزو الأخلاقي والاجتماعي الذي ستكون آثاره خطيرة على مستقبلنا.

إن التصدي لتلك التغييرات الاجتماعية، وتكثيف التوعية ونشر ثقافة الأسرة بيننا، هو الأسلوب الأمثل لإعادة الحياة إلى أُسرنا وضمان تربية صحية لأبنائنا وبناتنا، إنهُ خطر أو غزو ثانٍ علينا جميعاً أن نتصدى له.