الصاروخان على إسرائيل أيقظا المخاوف من توريط البلاد «المنكوبة»

«الرسالة بالنار» من جنوب لبنان... ما علاقة ضربة حلب؟

20 يوليو 2021 08:00 م

- «عمى سياسي» في بيروت حيال مآل استشارات التكليف فهل تبقى بموعدها الإثنين؟
- «لا» كبيرة من «حزب الله» على اسم نواف سلام
- تكليف ميقاتي يحتاج لضماناتٍ داخلية وخارجية
- عون رمى «قنبلة مضيئة» لكشف خيارات رؤساء الحكومة السابقين

ما سرّ التسخين المتجدّد للجبهة الخامدة مع إسرائيل؟ وهل ما أُطْلِق فجر الثلاثاء من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي كان مجرّد «صاروخيْن طائشيْن» أم أن وراء «إيقاظ» ظاهرة «العمليات اللقيطة» اعتبارات ذات صلة بالمناخات المشدودة في المنطقة وفي مختلف الساحات التي ترتبط عبر «الأوعية المتصلة» بالمحور الذي تقوده إيران والذي يخوض على جبهة الملف النووي معركة «دور ونفوذ»؟

وهل يمكن فصْل هذا التطور عن استهداف مركز تجمّع لـ «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني في ريف حلب مساء الإثنين؟

أسئلة دهمت المشهد اللبناني في أول أيام عيد الأضحى المبارك، من دون أن يُسْقِط طغيان البُعد الاقليمي على هذه «الرسالة الصاروخية»، على محدوديّتها، المخاوف من تداعياتِ تزامُن التدافع الخشن في المنطقة مع الانكشاف الكامل للواقع اللبناني الذي يعيش خلْط أوراق حقيقياً بعد اعتذار الرئيس المكلف عن تشكيل الحكومة سعد الحريري ووقوف الائتلاف الحاكم («حزب الله» وفريق الرئيس ميشال عون) أمام مفترق:

فإما تكريس «حال المواجهة» المباشرة مع المجتمع الدولي بخلفيات تتصل بمقتضيات الملف النووي وبقطْع الطريق على «بنيانٍ» من عقوباتٍ وربْطِ نزاع مع الانتخابات النيابية المقبلة تُراكمه عواصم القرار «ويصبّ» في النهاية عند محاولة «تفكيك» سيطرة «حزب الله» على الواقع اللبناني.

وإما تغليب عنوان التوافق على رئيس مكلف جديد تتشارك فيه غالبية الأطراف ومن خارج موازين الأكثرية النيابية التي يقبض عليها هذا الائتلاف بما يُفْضي إلى «شراء وقت» كافٍ للبنان لمنْع الانهيار المميت أو بالحدّ الأدنى عدم زيادة «جرعة الاستفزاز» للداخل والخارج عبر الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب.

ورغم إعراب أوساطٍ سياسية عن اقتناعها بأن عوامل ما فوق لبنانية تحكّمت بـ«التحرش» بإسرائيل من الجنوب عبر «البريد السريع» والمدوْزن رداً على الضربة في ريف حلب التي يُشتبه بوقوف تل أبيب وراءها وعلى قاعدة التحذير من أن «اللعب بالنار» قد يغيّر كل قواعد الاشتباك، فإن هذا المعطى لا يقلّل من وطأةِ استعادة الجنوب دور «المنصة» بخلفيات إقليمية في لحظة داخلية تعيش معها البلاد «أزمة وجودية» تتصل في جوانبها «الأصلية» باقتياد لبنان الى فم الصراع في المنطقة وعليها.

وفيما أعلنت قوة «اليونيفيل» أنه عند «الرابعة فجراً رصد رادار لليونيفيل إطلاق صواريخ من منطقة تقع الى الشمال الغربي من القليلة باتجاه إسرائيل كما رصد رادارنا في وقت لاحق إطلاق نيران مدفعية من الجيش الإسرائيلي»، كشف الجيش اللبناني عن تعرُّض «منطقة وادي حامول تلة ارمز لقصف مصدره مدفعية العدو الاسرائيلي»، موضحاً «أن المنطقة استُهدفت بـ 12 قذيفة مدفعية عيار 155 ملم على خلفية ادعاءات العدو بسقوط صاروخين في الأراضي المحتلة مصدرها لبنان، وقد عثرت وحدة من الجيش في محيط منطقة القليلة على 3 مزاحف لإطلاق صواريخ نوع غراد 122 ملم على أحدها صاروخ كان معداً للإطلاق تم تعطيله من الوحدات المختصة».

على أن المواقف الاسرائيلية من هذا التطور جاءت مدجَّجة بأبعاد أطلّت على مجمل الوضع اللبناني وعكست المخاطر العالية من أيّ «سوء تقدير» في استخدام جبهة الجنوب أو «قرار كبير» بإنهاء «النأي بها» عن المسارات الساخنة، وهو ما عبّر عنه تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من أن «المسؤول عن إطلاق الصواريخ هو الدولة اللبنانية التي تسمح بتنفيذ الأعمال الإرهابية من أراضيها».

وأضاف أن بلاده ستعمل على مواجهة «أيّ تهديد لسيادتها ومواطنيها وسترد وفق مصالحها في الزمان والمكان المناسبين. ولن نسمح للأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في لبنان بأن تصبح تهديداً أمنياً لإسرائيل.

وأدعو المجتمع الدولي إلى التحرك لإعادة الاستقرار إلى لبنان».

وفي موازاة ذلك، كانت الأنظار شاخصة في بيروت على الأيام الفاصلة عن موعد الاستشارات النيابية المُلْزمة التي حدّدها الرئيس عون الاثنين المقبل لتكليف شخصية جديدة تشكيل الحكومة من دون أن يتّضح حتى الساعة «الخيْط الأبيض من الأسود» في ما خص مآلات هذه المحطة في ضوء عدم بروز توافق على أيّ اسم ولا حسْم «بروفايل» الحكومة ولا «وظيفتها»، ليبقى الثابث الوحيد في رأي مصادر مطلعة أن رئيس الجمهورية، بالإفراج السريع عن الاستشارات أبْعَدَ عن نفسه وعن فريقه، تجاه الخارج أولاً الذي يتحفّز لعقوباتٍ ضد معرقلي تشكيل الحكومة، كأس تحميله مسؤولية العرقلة أو الرغبة بأن تستمرّ حكومة دياب، وفي الوقت نفسه رمى ما يشبه «القنبلة المضيئة» فوق خيارات الحريري ورؤساء الحكومة السابقين لحشْرهم بالكشف عن توجهاتهم.

ولم يكن ممكناً أمس التكهن بسيناريو «اثنين الاستشارات»، في ظلّ عدم سقوط احتمالات تأجيلها بحال طلبت الكتل البرلمانية من عون ذلك تحت عنوان الحاجة لمزيد من الوقت للتشاور، ووسط أجواء أوحت بأنه لا يوجد اسم حتى الساعة يجْمع تقاطعات الداخل والخارج أو أعطي ما يكفي من ضمانات لخوض هذه «المغامرة الكبرى» رغم طغيان اسم الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، ولكن مع معلوماتٍ عن أن هناك «لا قاطعة» وحيدة يُقابَل بها نواف سلام من «حزب الله» الذي يعتبره من الأسماء «المعادية».

ووفق بعض المطلعين على ما يجري في كواليس ما قبل التكليف الجديد أن اسم ميقاتي، الذي يتردد أنه يحظى برضى الحريري، مازال يحتاج إلى بلورة معطيات عدة قبل أن يسير الرئيس السابق للحكومة (تولى حكومة 2005 الانتخابية و2011 بعد إسقاط حكومة الحريري) نفسه في هذه الطريق الشائكة وقبل أن تتّضح إمكانات التوافق عليه، علماً أن هذين العنصريْن يتكاملان.

وإذ ترى المصادر أن ميقاتي الذي لا يمكن أن يتقدّم إلى هذه المهمة من دون تفويض من الحريري ورؤساء الحكومة السابقين الآخرين (فؤاد السنيورة وتمام سلام) ومن دون ضمانات محلية ودولية تتصل بتسهيل مهمته وبتوفير الدعم للبنان لفرْملة الارتطام الكبير وأيضاً بحصول الانتخابات النيابية في موعدها (مايو 2022) وربما بما بعدها، فإنها تعتبر أن ما يُشاع عن أن إمكانات التفاهم بين عون وميقاتي قد لا تكون مستحيلة يُعاكِسُه الانطباع السلبي الذي تركه تذكير قناة «أو تي في» (تابعة لحزب عون اي التيار الوطني الحر) بـ «أن أسس الدستور والميثاق ووحدة المعايير تبقى منطقياً المدخل الوحيد لتشكيل أيّ حكومة، فلا إفراط في التسهيل ولا مبالغة بالتعطيل، بل مجرد تمسك بالحقوق».

ووفق المصادر نفسها فإن هذه الشروط - التي تعني أن فريق عون سينطلق مع أيّ رئيس مكلف من حيث انتهت «المعركة» مع الحريري - بدت على طريقة «تعا ولا تجي» لميقاتي وغيره، لافتة إلى أن أيّ رئيس مكلف جديد سواء اقتُرح اسمه تحت عباءة المكوّن السُني أو من خارجه لن يكون قادراً على التفلّت من السقف العالي الذي رسمه الحريري ومن خلفه دار الفتوى لكيفية إدارة ملف التشكيل، إلا إذا أراد الائتلاف الحاكم تكرار تجربة دياب (حكومة لون واحد مقنّعة) مع شخصيات مثل فيصل كرامي أو جواد عدرا أو فؤاد المخزومي وهو ما لا يبدو حتى الساعة أن رئيس البرلمان نبيه بري أو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ولا حتى «حزب الله» يحبّذونه وإلا فلتبقَ الحكومة المستقيلة.