ما هو اهمّ من دخول الكاظمي البيت الأبيض

18 يوليو 2021 09:00 م

ليس مهمّا أن يذهب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى واشنطن لعقد لقاء مع الرئيس جو بايدن في ظلّ حديث أميركي عن «شراكة استراتيجيّة» بين الولايات المتحدة والعراق. المهمّ ما الذي تستطيع الإدارة الأميركية عمله للعراق كي يستعيد البلد توازنه ودوره الإقليمي وكي يحمي نفسه من المشروع التوسّعي الإيراني الذي غيّر طبيعة العراق وموقعه في الاقليم؟

تقع مسؤوليّة كبيرة على الولايات المتّحدة في العراق. لا يتحمّل الكاظمي أيّ مسؤولية تذكر عن الوضع القائم الذي ورثه منذ وصوله الى موقع رئيس الوزراء في ابريل 2020.

يحاول الكاظمي مع رئيس الجمهوريّة برهم صالح القيام بكل ما يستطيعان من أجل استعادة العراق كبلد على علاقة طبيعيّة مع جيرانه، بما في ذلك «الجمهوريّة الاسلاميّة».

لكن الواضح أن حجم الضرر الذي لحق بالعراق يصعب إصلاحه في ظلّ موازين القوى القائمة، أي في ظلّ الهيمنة الإيرانية على مرافق الدولة التي تأسّست بعد التاسع من ابريل 2003.

المطروح بكلّ بساطة وجود دور أميركي يساعد في إعادة العراق إلى العراقيين، وهذه رغبة الأكثرية الساحقة من افراد الشعب العراقي، بما في ذلك شيعة العراق.

قبل ايّ كلام أميركي عن أي نوع من «الشراكة» مع العراق، يبدو مطلوباً التعرّف إلى العراق وما يدور على الأرض والقيام بعملية نقد للذات.

ليس معروفاً هل في استطاعة إدارة بايدن القيام بمثل هذه العمليّة التي في أساسها الاعتراف بانّ الاجتياح الأميركي للعراق قبل 18 عاماً ثم قيام مجلس الحكم الانتقالي على أسس يحرّكها الحقد كانا بمثابة خطأ مميت.

لا يمكن إصلاح الخطأ بوسائل تقليدية او ديبلوماسيّة من نوع استقبال الكاظمي في واشنطن او عدم استقباله بصفة كونه ثاني زعيم عربي، بعد الملك عبدالله الثاني، يدخل البيت الأبيض منذ بدء ولاية جو بايدن في العشرين من يناير الماضي.

يمكن الكلام طويلاً عن الحرب على «داعش» وعن التنسيق الأميركي - العراقي في اطار هذه الحرب.

لكنّ المفارقة أن الأميركيين يرفضون اخذ العلم بمن وراء ظهور «داعش» وبما تفعله ايران في العراق منذ ما يزيد على 18 عاماً.

أكثر من ذلك، يوجد رفض أميركي للإقرار بانّ إدارة جورج بوش الابن سلمت العراق على صحن من فضّة الى ايران وان إدارة باراك أوباما جاءت لاستكمال هذه العمليّة.

ظهر ذلك بشكل واضح عندما اتفقت ايران مع إدارة أوباما على ان يكون نوري المالكي رئيساً للوزراء على الرغم من انّه لم يكن على رأس اللائحة التي حلت في المركز الاوّل في الانتخابات الاشتراعيّة.

ليس سرّاً ان «داعش» استطاع السيطرة على مناطق عراقية عدّة في مرحلة معيّنة. وليس سرّاً الدور الذي لعبته حكومة المالكي في تسهيل انتشار تنظيم «داعش».

يُمكن لـ«داعش»أن ينشط مجدداً، لكن الخطر الأكبر على العراق ليس «داعش».

يكمن الخطر الأكبر على العراق في الأهداف الايرانيّة التي تتجاهلها الإدارات الأميركية المتلاحقة والتي وحدها إدارة دونالد ترامب كانت تعرفها جيّداً.

عبّرت إدارة ترامب عن هذا الفهم العميق للاهداف الايرانيّة عندما مزّقت الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في مايو 2018 وعندما نفّذت عملية اغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني في يناير 2020 في أثناء مغادرته مطار بغداد مع أبو مهدي المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي» العراقي.

هل تستطيع الولايات المتحدة، في حال كانت تريد فعلاً مساعدة العراق، استيعاب انّ لا فائدة تذكر من ايّ مساعدة في حال كان هناك جيش رديف للجيش العراقي هو «الحشد الشعبي».

ليس «الحشد الشعبي» سوى عنوان عريض تعمل تحته مجموعة من الميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران...

يستحيل بلورة «شراكة» أميركيّة – إيرانيّة في ظلّ «الحشد».

يستطيع الكاظمي الشعور بالفخر بعد اعتقال الأجهزة الايرانيّة المتهمين باغتيال هشام الهاشمي قبل نحو سنة. تبيّن من المعلومات المتوافرة أنّ بين أبرز من يقف وراء اغتيال الهاشمي، أحد المنتمين إلى الحلقة الضيّقة المحيطة برئيس الوزراء العراقي، الضابط احمد الكناني الذي ينتمي الى «حزب الله» العراقي.

ماذا عن الجرائم الأخرى وماذا عن الاعتراف الصريح بانّ العراق اسير ايران وان الولايات المتحدة وراء وقوع العراق في هذا الاسر؟

حسناً، ارادت إدارة بوش الابن الانتهاء من نظام صدّام حسين الذي كان نظاماً عائليّا متخلّفا قبل ان يكون نظاماً بعثياً.

لم يفكّر المحافظون الجدد في اميركا في خطورة الغاء الحدود بين العراق وايران ومعنى انهيار احد الاعمدة التي قام عليها النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. كانت النتيجة ما آل اليه العراق الذي بات عليه البحث عن كيفية الخروج من الهيمنة الايرانيّة.

اذا كان من دور أميركي في العراق، فإنّ هذا الدور يجب ان يتسم بالشجاعة اوّلا.

شجاعة الاعتراف بانّ ادارتي بوش الابن وأوباما اوصلتا الى جعله مجرّد رهينة إيرانية.

لم يعد العراق اكثر من ورقة ضغط على اميركا في المفاوضات التي تجريها مع ايران حالياً.

لعلّ اكثر ما يضحك، بل يبكي، ان الميليشيات العراقيّة الموالية لإيران التي عادت الى بغداد على ظهر دبابة أميركية، تلعب الدور الأبرز حالياً في التصدّي للوجود الأميركي في العراق وفي منع العراق من ممارسة دور متوازن.

يشمل هذا الدور التعاون مع محيطه العربي اوّلا من دون ان يكون معادياً لإيران.

نعم، هناك نقطة يمكن ان تنطلق منها عملية بلورة سياسة أميركية تجاه العراق.

لكنّه يبقى السؤال هل من استعداد أميركي لبلورة سياسة عراقيّة.

ليس ما يشير الى ان ذلك ممكن في غياب موقف واضح من المشروع التوسّعي الإيراني الذي اخذ بعداً جديداً في العام 2003 وما زال الى الآن في اندفاعه.

لا يقتصر هذا المشروع على العراق، بل على سورية ولبنان واليمن أيضاً. ماذا ستفعل اميركا كي تكون هناك فائدة من دخول الكاظمي البيت الأبيض...؟