العجز الإيراني يفسّر التصلّب...

23 يونيو 2021 10:00 م

ثمّة حاجة دائمة إلى العودة إلى السؤال الأوّل: هل «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران دولة طبيعيّة أم لا؟ الجواب عن السؤال «لا» كبيرة تعكس حاجة دائمة لدى النظام، الذي قام في العام 1979 بعد سقوط الشاه، إلى الهرب المستمر إلى خارج حدوده.

ليس معروفاً بعد ما الذي تفعله إيران في لبنان، باستثناء تدمير البلد مؤسسة وراء أخرى. ليس معروفاً تماماً ما الذي تريده إيران من سورية باستثناء فرض نظام أقلّوي مرفوض من شعبه.

كذلك، ليس معروفاً ماذا تريد إيران من اليمن غير السعي إلى تطويق دول الخليج العربي انطلاقاً من بلد هو جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة.

الأهمّ من ذلك كلّه، ما الذي تريده إيران من العراق الذي خاضت معه حرباً استمرّت ثماني سنوات (1980 - 1988). لعبت هذه الحرب دورها في استنزاف ثروات دول المنطقة كلّها، بما ذلك إيران نفسها.

بغض النظر عن مسؤولية صدّام حسين في اندلاع الحرب، يبقى أن إصرار «الجمهوريّة الإسلاميّة» على استمرارها كلّ هذه السنوات عكس رغبة في تحقيق أهداف غير واقعية.

في مقدّم هذه الأهداف اعتراف العالم ودول المنطقة بأنّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» قوة إقليمية تستأهل أن تكون لديها هيمنة على محيطها وما هو أبعد من محيطها وتصدير ثورتها.

حسناً، قدمت أميركا العراق لإيران على صحن من فضّة في العام 2003.

اجتاحت إدارة جورج بوش الابن العراق عسكرياً وأسقطت نظام صدّام حسين، البعثي الريفي الذي لم يتعلّم شيئاً من المدينة وقيمها.

لم يدرك صدّام يوماً ما هي موازين القوى في العالم وفي المنطقة ولماذا استطاع تحقيق شبه انتصار على إيران في العام 1988 عندما اضطر آية الله الخميني إلى القول إنّ عليه تجرّع كأس السمّ ووقف الحرب.

ما الذي فعلته إيران في العراق طوال سنوات غير استغلال ثروات العراق وإقامة ميليشيات مذهبيّة لتحل مكان مؤسسات الدولة العراقيّة؟ ليس في إيران من يسأل نفسه حاليا لماذا هذا الرفض العراقي للوجود الإيراني في البلد، بما في ذلك في النجف وكربلاء والبصرة وبغداد والناصريّة؟ يشمل هذا الرفض الشيعة العرب الذين لم يتوقفوا في السنوات القليلة الماضية عن تأكيد أن العراق هو العراق وإيران هي ايران.

توصّلت إيران إلى اتفاق مع أميركا في شأن العودة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي، وهو اتفاق موقّع في العام 2015 وقد مزّقته إدارة ترامب في العام 2018... أم لم تتوصّل.

المسألة تتجاوز الملف النووي الإيراني.

إنّها مسألة سلوك إيران خارج حدودها.

إنّها أيضا مسألة الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة التي تطلق يومياً من اليمن في اتجاه الأراضي السعوديّة.

ليست الحرب التي شنتها الإدارة الأميركية، عبر وزارة العدل، والتي أوقفت مواقع إخبارية إيرانية أو لأدوات تابعة لإيران، بما في ذلك قناة «المسيرة» الحوثيّة، سوى مثل عمّا ينتظر إيران في المستقبل.

ما ينتظرها يختلف جذرياً عمّا يتوقعه رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي الذي يطلب من أميركا العودة إلى الاتفاق النووي ورفع كلّ العقوبات المفروضة على إيران من دون أيّ شروط من أيّ نوع.

يُفترض في أيّ مسؤول إيراني الاقتناع بأن السنة 2021 مختلفة عن السنة 2015 وأنّ العالم بات يدرك أنه ليس مسموحاً لإيران متابعة لعبة الهرب من مشاكلها الداخليّة إلى خارج حدودها.

سلوك إيران خارج حدودها وصواريخها أهمّ بكثير من برنامجها النووي.

تلك هي المشكلة التي لم يعد في استطاعة إدارة جو بايدن تجاهلها بأيّ شكل.

هذه المشكلة تفسّر الحلقة المقفلة التي تدور فيها مفاوضات فيينا بين إيران والدول التي وقعت معها الاتفاق في شأن برنامجها النووي قبل ست سنوات.

هل تريد إيران الخروج من هذه الحلقة المقفلة وتقديم نفسها إلى العالم بطريقة مختلفة أم أنّها مصرّة على تجاهل أن العالم يعرف تماما أنّها في أزمة عميقة.

هذه الأزمة عميقة الى درجة لم يجد «المرشد» علي خامنئي من يعيّنه رئيساً للجمهورية، عن طريق انتخابات مضحكة، غير إبراهيم رئيسي.

اضطر خامنئي الى استبعاد أي مرشّح آخر يمتلك أي حيثيّة من أي نوع لضمان فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسيّة!

لا يبشّر الإتيان برئيسي، بتاريخه المعروف، بالخير.

ستأخذ ايران المنطقة إلى مزيد من الأزمات من منطلق أن لديها أوراقها الكثيرة في لبنان وسورية والعراق واليمن.

ما قيمة هذه الأوراق باستثناء أنّها تدمير لكلّ من البلدان الأربعة المذكورة.

بعد كلّ ما فعلته إيران في لبنان عن طريق «حزب الله»، سيكون من الصعب أن تقوم للبنان قيامة.

كذلك الأمر بالنسبة إلى سورية حيث النظام الأقلّوي مستعد للقول إنّه انتصرعلى العالم لمجرّد أن بشّار الأسد لا يزال موجوداً في دمشق...

كلّ ما يمكن قوله، إن أميركا لا يمكن أن تقبل بالشروط التي يسعى إبراهيم رئيسي إلى فرضها عليها.

لا يمكن للصواريخ الإيرانية البقاء خارج أي اتفاق يعقد بين «الجمهوريّة الإسلاميّة» وإدارة بايدن وذلك بغض النظر عمّا تروّجه طهران هذه الأيّام.

تستطيع إيران فرض انتخابات رئاسيّة في سورية وتحقيق فوز لبشّار في تلك الانتخابات المهزلة.

ما لا تستطيعه هو الاعتراف بأنّ لا نموذج لديها تقدّمه إلى محيطها وإلى العالم.

هذا يعود قبل أيّ شيء إلى أن النظام في إيران فشل في تحقيق أيّ نجاح من أيّ نوع على الصعيد الاقتصادي.

بعد سقوط الشاه، راح المسؤولون الإيرانيون، بمن فيهم الخميني مؤسّس الجمهوريّة الاسلاميّة ونظام الوليّ الفقيه، ينادون بضرورة استغناء إيران عن الدخل من النفط والغاز وبناء اقتصاد منتج من نوع جديد.

هذا صحيح نظرياً.

تمتلك إيران ثروات كبيرة. ولكن ما تبيّن مع مرور السنوات أنّها في الوقت الحاضر أكثر اتكالاً على النفط والغاز من أي وقت.

بعض الشجاعة تبدو أكثر من ضرورية لمواجهة الواقع المتمثّل في أن ما يزيد على نصف الشعب الإيراني واقع تحت خطّ الفقر... وأن النظام القائم لا مستقبل له.

لا مستقبل له لسبب في غاية البساطة يعود إلى عجزه عن الانفتاح داخلياً وخارجياً.

هذا العجز يفسّر كلّ التصلب الذي يظهره النظام، وهو تصلب سيعود بالكوارث على إيران نفسها وعلى المنطقة للأسف الشديد!