رسم الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الكويتي ـ السعودي، الذي عقد في 6 يونيو الجاري في الرياض، مساراً جديداً لتعزيز العلاقات المؤسساتية بين البلدين، والقائمة منذ قرون خلت واجه فيها البلدان معاً التحديات والأزمات، لتنتقل هذه العلاقة من مستوى المفاهيم التقليدية لطبيعة العلاقات بين الدول المجاورة إلى مفهوم الأخوة الحقيقية وروابط القربى ووحدة المصير المشترك، في خصوصية فريدة قلما يوجد لها نظير بين الدول، كما وصفها وزير الخارجية الشيخ الدكتور أحمد الناصر.
الأهمية المزدوجة
وتحدثت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ«الراي» عن «الأهمية المزدوجة» لاجتماع مجلس التنسيق، فهو الأول منذ توقيع محضر إنشائه في يوليو 2018، وانعقد بعد أيام فقط من الزيارة الناجحة التي قام بها سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد إلى المملكة، في أول زيارة خارجية له تلبية لدعوة من أخيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث عقدت المحادثات الثنائية بأجواء أخوية حميمة بين الجانبين، عكست تطابقاً في الرؤى إزاء مختلف المسائل ذات الاهتمام المشترك.
ولفتت المصادر الديبلوماسية إلى أهمية ما ورد في كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال الاجتماع، الذي وصفه بأنه دلالة واضحة على الرغبة الصادقة من كلا البلدين لتطوير العلاقات وتنويعها، والسعي الدؤوب لتكريس التعاون الثنائي في شتى المجالات ذات المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، مضيفاً: «أمننا واحد، ومصالحنا مترابطة، وأهدافنا مشتركة، ونعتبر تفعيل هذا المجلس عاملاً قوياً لرفع مستوى التنسيق، والتشاور القائم بيننا سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف تجاه مجمل القضايا التي تهم بلدينا في المنطقة والعالم، وهو ما سيدفع بقوة نحو تعميق ما يربط بلدينا من قواسم مشتركة».
وجاء هذا الاجتماع في إطار الرغبة المشتركة لقيادتي البلدين في دفع العلاقات إلى مجالات أرحب، مبنية على تعظيم المصالح المشتركة وتعزيز التكامل على مختلف الأصعدة والميادين.
عمق تاريخي
وتعد التطورات الأخيرة استكمالاً للمسار التاريخي الذي أسسه قادة البلدين، حيث تتميز العلاقات الكويتية - السعودية المبنية على الأخوة ووحدة المصير، عن غيرها من العلاقات بين الدول، بعمقها التاريخي الكبير الذي يعود إلى العام 1891 حينما حل الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، ونجله الملك عبدالعزيز آل سعود ضيوفاً على الكويت، قُبيل استعادة الملك عبدالعزيز الرياض في العام 1902، حيث تجمع بين البلدين روابط الدم والدين واللغة، وتجانس الأسر والمصاهرة، وحسن الجوار الممتد لقرون عدة، بشكلٍ قل نظيره بين أي من بلدان العالم، إضافة لانفرادها بخصوصية وترابط رسمي وشعبي وثيق.
وحرص الملك عبدالعزيز- رحمه الله - على توثيق وشائج المودة مع دول الخليج العربي، ووقع عدداً من الاتفاقيات الدولية، ومنها ما تم مع حكومة الكويت في الثاني من شهر ديسمبر 1922، وهي اتفاقية العقير لتحديد الحدود بين المملكة والكويت، وإقامة منطقة محايدة بينهما، وذلك بدعم من الملك عبدالعزيز آل سعود، والشيخ أحمد الجابر الصباح رحمهما الله.
وفي ديسمبر 2019، تم توقيع الاتفاقية الملحقة باتفاقيتي تقسيم المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بين البلدين، واستئناف الإنتاج النفطي في الجانبين.
ومع توقيع لسلسلة من الاتفاقيات والمذكرات في الاجتماع الأخير، وصلت الاتفاقيات التي تنظم العلاقات بين البلدين إلى 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم.
التطابق والتفاهم
وعلى مدى العقود وفي خضم الكثير من الأزمات، كانت تظهر قوة العلاقات بين البلدين الشقيقين ورسوخها وسط الأحداث بمنطقة الخليج العربي والمنطقة، حيث أضاف البلدان بعداً إستراتيجياً جديداً لمفهوم علاقاتهما الثنائية، تمخض عنه الوقوف يداً واحدة لضمان الاستقرار.
وتتحد جهود البلدين تجاه مختلف القضايا السياسية إقليمياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، عنوانها «التطابق والتفاهم» الثنائي المرتكز على تكامل الأدوار بين الرياض والكويت، إدراكاً من قيادتي البلدين الحكيمتين بوحدة المصير المشترك التي برهنتها المواقف التاريخية، وأدوارهما في إطار منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، وعضويتهما التأسيسية بمنظمة التعاون الإسلامي، ودولياً ضمن عصبة الأمم المتحدة تحقيقاً للأمن والسلم العالمي.
أول زيارة رسمية لسمو ولي العهد
حملت زيارة سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد إلى المملكة في 1 يونيو الجاري، دلالات عميقة كونها أول زيارة رسمية لسموه منذ توليه ولاية العهد في أكتوبر 2020، تأكيداً على طبيعة الروابط التاريخية مع السعودية واستكمالاً لنهج البلدين المتأصل في الدفع بالعلاقات الثنائية قدماً إلى الأمام نحو آفاق أرحب في مختلف المجالات.
«إما أن تعود الكويت أو تروح السعودية معها»
في العام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت، شاركت المملكة العربية السعودية قوات التحالف في حرب الخليج لطرد القوات العراقية من البلاد، وحينها قال الملك فهد - رحمه الله - عبارته الشهيرة في ذلك الوقت: «إما أن تعود الكويت، أو تروح السعودية معها».
هذه المواقف التاريخية أدت إلى إرساء علاقات ثنائية متينة ومتميزة. ولا شك أن كلا البلدين الشقيقين بما يملكانه من مقومات سياسية أو اقتصادية كبيرة وروابط اجتماعية متميزة، كان له أكبر الأثر في خدمة القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية إلى جانب الإسهام بكل فاعلية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
تضامن وثيق
تؤكد مواقف الكويت والسعودية على مر التاريخ في التعامل مع الأزمات والمنعطفات التي تشهدها المنطقة والعالم على حد سواء، تضامنهما الوثيق خدمة لقضايا العدل والسلام، وتأكيداً لدور قيادتي البلدين في دعم مسيرة العمل الخليجي منذ إنشاء مجلس التعاون في العام 1981.
حنكة الآباء المؤسسين
«إستراتيجية العلاقات السعودية - الكويتية» تستقرئ حنكة الآباء المؤسسين في إرساء دعائمها منذ العام 1891، وما تبعها لتعزيز كيانيهما السياسي من توقيع لاتفاقية العقير في 2 ديسمبر 1922 الخاصة بالحدود، وإقامة منطقة محايدة، وأخرى في 20 أبريل 1942 لتنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، لتمضي قيادتا البلدين عقداً بعد عقد على نهج حكيم عزز من تعاونهما وخدمة مصالحهما.
مشاركات شعبية
يحرص البلدان الشقيقان على المشاركة الشعبية في الفعاليات الوطنية التي ينظمها كلا البلدين سنوياً، وشكل معرض «الفهد روح القيادة» ملمحاً مهماً في توطيد العلاقات بين المملكة والكويت من خلال فعاليات عدة أقيمت على هامش تنظيمه في الكويت منتصف فبراير 2019، ومنها ندوة «العلاقات السعودية - الكويتية منذ التأسيس حتى وقتنا الحاضر»، بمشاركة العديد من الباحثين في التاريخ، والمهتمين والإعلاميين، وجمع من زوار المعرض.
الاتفاقيات
تصل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين الشقيقين إلى 27، أبرزها:
- اتفاقية ديسمبر 1922، وهي اتفاقية العقير لتحديد الحدود بين المملكة والكويت، وإقامة منطقة محايدة بين البلدين.
- اتفاقية 20 أبريل 1942، التي تهدف لتنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين، وشملت جوانب الصداقة وحسن الجوار، والتجارة، إضافة إلى ما يختص بالجانب الأمني واللوجستي.
- في ديسمبر 2019، تم توقيع الاتفاقية الملحقة باتفاقيتي تقسيم المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بين البلدين.
- في يونيو 2021، عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الكويتي ـ السعودي، وتم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات، دعم الشباب، وتشجيع الاستثمار المباشر، والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي، والرياضة والصناعة.