... ورحلت المذيعة القديرة ناعسة الجندي، فأغلقت برحيلها «نافذة على التاريخ»!
إذ خيّم الحزن أول من أمس على إذاعة الكويت، إثر وفاة المذيعة المصرية المخضرمة عن عمر يناهز 84 عاماً، حيث وُوري جثمانها الثرى في مقبرة صبحان، لتغادر دنيانا إلى نعيم الآخرة، تاركة إرثاً كبيراً للأجيال التي تتلمذت على يدها في الإذاعة، بعد أن صالت وجالت في برامجها المنوّعة على مدى عقود مضت، وقدمت خلالها ما لا يقدمه أحد قبلها، لاسيما برنامج «أخبار جهينة» الذي لم تعدّ أخباره سارة، لرحيل مَنْ أسهمت في تأسيسه وكانت واحدة من روّاده منذ انطلاقته في العام 1973.
ونعى عدد من الإعلاميين عبر «الراي» رفيقة دربهم المذيعة القديرة ناعسة الجندي، حيث استذكروا مآثرها وعبّروا عن بالغ حزنهم بوفاة مَنْ اعتبروها «أيقونة الإذاعة، وقامة إعلامية كبيرة كانت مثالاً للالتزام والانضباط».
علامة مميزة
في البداية، عبّر وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي عن حزنه العميق لرحيل المذيعة القديرة ناعسة الجندي، مؤكداً أن الجندي وضعت بصمة واضحة في إذاعة الكويت، إلى جانب نخبة من المذيعين المميزين، الذين توفاهم الله.
وقال: «لقد تلقيت خبر وفاتها ببالغ الحزن والأسى، لكن هذا قضاء الله وقدره، ولا اعتراض على حكم الله». مردفاً: «ولا شك أن الإعلامية الراحلة أثرت إذاعة الكويت طوال مسيرتها، وكانت فعلاً خير مَنْ يمثلها، فمَنْ منا لا يعرف برنامج (أخبار جهينة) التي لمعت فيه منذ العام 1973؟... لقد كانت علامة مميزة للإعلام الكويتي بإبداعها وتقديمها الراقي، ونجحت في تكوين هوية خاصة للإذاعة مع زملائها الذين عاصروها. أسأل الله أن يتغمّدها بوافر رحمته ويلهم ذويها الصبر والسلوان».
أيقونة الإذاعة
بدوره قال الإعلامي القدير يوسف مصطفى: «فوجئت بخبر وفاة الزميلة الإعلامية القديرة ناعسة الجندي رحمها الله. لكنه قضاء الله ولا راد لقضائه».
وأكمل: «الحديث عن رمز إعلامي مثل المرحومة ناعسة الجندي لا يمكن اختزاله ببضع كلمات رثاء، لكن أجد من باب الأمانة أن أقول فقدنا إعلامية قديرة كانت مثالًا للالتزام والخلق والانضباط والمهنية العالية».
وتابع مصطفى: «لطالما جلست معها في بداياتي الإذاعية أتعلّم منها ضبط اللغة العربية ومخارج الحروف والأداء الإذاعي سواء في تقديم البرامج أو الأداء الدرامي الذي أبدعت فيه، رحمها الله.
وعندما نقول أو نذكر اسم ناعسة الجندي فالجميع يذكر أيقونة إذاعة الكويت على مدى أجيال من السنين وهو برنامج (أخبار جهينة) العلامة الفارقة في دراما التقديم الإذاعي مع المرحوم أحمد سالم».
كما استذكر قائلاً: «مازلتُ أتذكر كلماتها لي شخصياً عندما كانت تقول بأنه سيكون لك شأن كبير في الإعلام الكويتي حين تلمّست الموهبة والإمكانات التي استشعرتها في شخصية يوسف مصطفى، وكنت أسعد وأحرص على الجلوس معها حتى أتعلّم منها أسرار التقديم الإذاعي والاحترافية المهنية».
وختم مصطفى: «سنظل نذكرها ونذكر عطاءها الكبير لإذاعة دولة الكويت ومساهمتها في حصد جوائز محلية وعربية أضافت إلى رصيد الإعلام الكويتي. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وألهم ذويها الصبر والسلوان».
إنسانة بسيطة
أما الإعلامي القدير ماجد الشطي، فقال: «فقد الإعلام الكويتي واحدة من روّاده، حيث استهلّت الراحلة ناعسة الجندي مشوارها قبل عقود طويلة ونجحت لأعوام عديدة في تقديم البرامج والتمثيليات الإذاعية عبر الأداء الصوتي فقط».
وزاد: «كانت جداً إنسانة بسيطة وتتميز بالطيبة ودماثة الخلق، حيث شاركتها في تقديم (أخبار جهينة) لفترة... رحمها الله وأسكنها فسيح جناته».
هكذا تسير بنا الأيام
من جهتها، استهلت الإعلامية القديرة أمل عبدالله حديثها لـ «الراي»، قائلة: «هكذا تسير بنا الأيام سراعاً نحو محطات لها اسم وعنوان وكل اسم نتوقف عنده بألم وحسرة، لأن صاحبه غادرنا في محطته التي رسمها له القدر».
وأضافت: «اليوم وقف اسم ناعسة الجندي في محطته التي وصلت إلى نهايتها الموعودة، أما عنوانها فهو ذلك العطاء الذي رافق بواكير العمل الدرامي في إذاعة الكويت، الذي اقترن بالالتزام والصدق والوفاء لـ (ميكرفون) الإذاعة، فلم يتغيّب صوتها في يوم من الأيام، وكان عطاؤها متميزاً اقترن بعشرات المسلسلات والبرامج، ولعلّ (أخبار جهينة) كان هو الأبرز في مسيرة الراحلة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته».
إعلامية لا تُعوّض
في السياق ذاته، لم يُخف المخرج السابق لبرنامج «أخبار جهينة» خليفة الجيماز حزنه على رحيل الإعلامية القديرة ناعسة الجندي، متضرعاً بالدعاء إلى الله أن يتغمّدها بواسع رحمته.
وأضاف: «نعزي أنفسنا أولاً، كما نعزي أهلها وذويها ونسأل الله لهم الصبر والسلوان. فقدنا إعلامية لا تعوّض وليس مثلها اثنان في تاريخ الإذاعة الكويتية».
واسترسل: «اشتغلتُ معها في العام 2004 وكان يشاركها في التقديم الإعلامي القدير الراحل أحمد سالم، فكلمات كرفيقي درب أو أخوين أو صديقين قليلة في حقهما، وليس هناك من وصف يمكن وصفه لهذا الثنائي الرائع».
وتابع: «خلال العام 2012 عندما توفي أحمد سالم، استمرت ناعسة الجندي بتقديم البرنامج (أخبار جهينة) لوحدها بالرغم من أنها كانت جداً متأزمة، وكنا عندما نقوم بتسجيل البرنامج نتوقف لحظات حتى تتماسك، لأنها كانت تتذكر رفيق دربها، إلى حد أنها حاولت الاستمرار في تقديم البرنامج ولكنها اعتذرت عن عدم الاستمرار فيه، بقولها: (حاولت أن التزم في تقديم البرنامج التزاماً أدبياً وليس مادياً، ولكن يعزّ عليّ أبص على الكرسي دائماً وأدوّر أحمد سالم)، فكانت جداً متأثرة برحيل رفيق دربها. بعدها تمت الاستعانة بالإعلامي والفنان الراحل صادق الدبيس إلى جانب المذيعة أماني الفقي».
ولفت الجيماز إلى أن الجندي كان معروفاً عنها الطيبة والعطاء وكانت مخضرمة في اللغة العربية، «فهي تصوغ النصوص والكلمات بطريقة رهيبة وجبارة وبدون عناء، بالإضافة إلى ثقافتها ولباقتها، ولن أوفّيها حقها مهما قلت من كلمات».
مؤكداً أن «أخبار جهينة» انتهى عصره الذهبي بوفاة روّاده أحمد سالم ومن ثم ناعسة الجندي، ولعلّ النهاية الكبرى للبرنامج بدأت منذ وفاة المعدّ اللبناني سليم سالم قبل أشهر قليلة، «ولكن يبقى في قلوبنا وقلوب المستمعين».
معلمتنا في الإذاعة
وقال المخرج الإذاعي الفنان أسامة المزيعل: «عرفناها منذ الصغر، حيث ارتبط اسمها في برنامج (أخبار جهينة).
وأتذكر تلك الأيام التي عملت بها موظفاً في مكتبة الإذاعة في العام 1989، وكنت أتردد على الاستوديوهات بشكل مستمر، فأرى الإعلاميين القديرين ناعسة الجندي وأحمد سالم منهمكين في العمل، رحمهما الله».
ولفت المزيعل إلى أن الجندي «كانت معلمتنا في الإذاعة وتمتلك خفة دم وظل، وقد أخرجت لها برنامج (نافذة على التاريخ)».