«حماس» والحاجة إلى التواضع

10 يونيو 2021 10:00 م

تصالحت السلطة الوطنية الفلسطينية مع «حماس» أم لم تتصالح. ليست تلك المسألة. المسألة مرتبطة بكل بساطة بمضمون المصالحة وما الذي ستفعله «حماس».

استطاعت «حماس» إلغاء السلطة الوطنيّة المترهّلة من جهة والاستفادة من حال التراجع التي تعاني منها «فتح» من جهة أخرى.

يستهدف استخدام كلمة التراجع، وهي كلمة مهذّبة، تفادي وصف وضع «فتح» بما هو أسوأ من ذلك.

هذا ما ظهر بوضوح في مرحلة ما قبل تأجيل الانتخابات التشريعية التي تنافست فيها ثلاث لوائح لـ«فتح»... كانت قائمة اللجنة المركزية التي على رأسها محمود عبّاس (أبو مازن) أضعفها!

خطفت «حماس» ثورة أهل القدس وحيّ الشيخ جرّاح تحديدا، وهي ثورة كشفت وحدة الشعب الفلسطيني.

أطلقت صواريخ بعيدة المدى من غزّة.

أدّى ذلك إلى شعور فلسطيني بالقوّة والقدرة على إلحاق الأذى بإسرائيل.

لا شكّ أنّ «حماس» لعبت أوراقها بطريقة جيّدة، خصوصا أنّ القرار الذي اتخذه «أبو مازن» والقاضي بتأجيل الانتخابات الفلسطينية كان أكبر خدمة تُقدّم لها.

حال هذا القرار دون معرفة ما حجم «حماس» في الشارع الفلسطيني وحقيقة ما تكنّه أكثرية الفلسطينيين في الضفّة وغزّة تجاهها.

ربحت «حماس» الانتخابات من دون خوضها، بفضل قصر نظر السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة...

لا شكّ أن الفلسطينيين يشعرون حالياً بعاطفة تجاه «حماس» وبتعاطف معها، لكن على المرء أن يكون على الأرض ليكتشف حجم الدمار في غزّة، إضافة بالطبع إلى البؤس الذي يعاني منه أهلها في ظلّ العيش في «إمارة اسلاميّة»، تحت الحصار.

لم يكن من هدف من إقامة هذه الإمارة، التي شكّلت إساءة لنضال الشعب الفلسطيني ووجهه الحضاري، سوى تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، وهي طبيعة منفتحة أصلا... إضافة بالطبع إلى إمساك الإخوان المسلمين بالسلطة في القطاع!

استطاعت مصر لعب الدور الأبرز في التوصل إلى اتفاق لوقف النار بين إسرائيل و«حماس». ساعدها في ذلك وجود إدارة أميركية، برئاسة جو بايدن، غير مستعدة لتغطية مزيد من الوحشية الإسرائيلية في التعاطي مع غزّة.

سمحت إدارة بايدن للإسرائيليين باستخدام القوّة المفرطة ولكن ضمن حدود معيّنة لم تسمح بتجاوزها.

جاء الفلسطينيون إلى القاهرة للتفاوض في ما بينهم والدوران مجدّدا في حلقة مقفلة.

لم يعد مطروحاً ما الذي ستفعله السلطة الوطنيّة التي فوتّت عليها الانتخابات التي كانت مقرّرة في السادس والعشرين من مايو الماضي بحجة واهية هي منع إسرائيل أهل القدس من المشاركة في الانتخابات.

المطروح ما الذي ستفعله «حماس»؟ هل صار لديها برنامج سياسي واضح مقبول من المجتمع الدولي أم ستبقى أسيرة شعاراتها والقوى المرتبطة بها في مقدّمها إيران؟

سيكون مفيداً إذا اعتمدت «حماس» أجندة فلسطينية بديلاً من الكلام العام عن أنّ «فلسطين من البحر إلى النهر وقف إسلامي» أو أن غزّة يمكن أن تكون منطلقاً لتحرير كلّ فلسطين. في النهاية، غامرت «حماس» في إطلاق صواريخها التي يبدو أن الهدف منها كان استرضاء إيران وإظهار قدرتها، عبر أداة محلّية، على قصف داخل إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب واللد.

كانت المغامرة ناجحة على الرغم من المآسي الفلسطينية في غزّة تحديدا.

ربحت «حماس» رهانها.

انبهرت بها، لأيّام قليلة الجماهير العربيّة الساذجة، في معظمها طبعا.

جانب من تلك الجماهير ما زال مصدّقاً أنّ «حماس» صارت ندّاً عسكرياً لإسرائيل وأن الطريق إلى القدس صارت سالكة!

لا بدّ في الوقت الحاضر، من العودة إلى الواقع. هذا يعني، بين الأفكار المطروحة، وجود حاجة إلى حكومة وحدة وطنيّة فلسطينية تضمّ شخصيّات مستقلّة على علاقة بما يدور في العالم وليس بحملة شعارات ينتمون إلى حماس «وتنظيم» الجهاد الإسلامي التابع كلّيا لإيران.

لا معنى لحكومة وحدة وطنيّة فلسطينية إذا لم تعن أوّلا شخصيات تمتلك كفاءة قادرة في الوقت ذاته على التعاطي مع الواقع والاستفادة من عاملين مهمّين.

العامل الأوّل حاجة «فتح» إلى قيادة جديدة تنبثق عنها سلطة وطنيّة من نوع مختلف.

أمّا العامل الثاني، وهو الأهمّ فيتمثل في المأزق الإسرائيلي.

في أساس هذا المأزق حشر إسرائيل نفسها في العقدين الماضيين في زاوية ضيّقة هي زاوية الاستيطان.

لا وجود في إسرائيل لأي طرح سياسي في تعاطيها مع قضيّة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى مثل هذا الطرح.

لا حلّ مع الفلسطينيين من دون طرح سياسي.

جرّب بنيامين نتنياهو كلّ أنواع الاستيطان وكلّ أنواع الحلول العسكرية.

وجد أمامه في النهاية قضيّة أكبر منه هي قضيّة شعب موجود على أرضه.

ما الذي تستطيع إسرائيل عمله مع الوجود الفلسطيني؟ هناك سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني بين البحر والنهر، بين البحر المتوسّط ونهر الأردن.

هل في استطاعتها إذابة هذه الكتلة البشرية بدل البحث عن مخرج سياسي معقول ومقبول يحظى بدعم المجتمع الدولي؟

يُفترض في «حماس» أن تتواضع وتقبل قيام حكومة وحدة وطنيّة تمثّل القوى الوطنيّة الحيّة في الشعب الفلسطيني بعيدا عن الفصائل المتمثّلة في منظمة التحرير الفلسطينية.

هذه فصائل باتت عبئاً على الشعب الفلسطيني نظراً إلى أنّها لا تمثل أحداً بمقدار ما أنّها تريد العيش على بطولات الماضي والارتكابات التي حصلت في الأردن ولبنان، على وجه الخصوص.

لا مجال أمام «حماس» سوى التواضع، في حال تريد البناء على الانتصار الذي حقّقته وخدمة الشعب الفلسطيني بدل بقاء هذا الشعب رهينة لإيران أو لتركيا وعقد رجب طيّب أردوغان.

يبدأ التواضع بالاتفاق داخل الحركة على برنامج سياسي محدّد يغني عن البقاء في أسر الأوهام و«الإمارة الإسلاميّة» في غزّة. لم تكن هذه الإمارة في يوم من الأيّام سوى فشل ذريع عاد بالويلات على القطاع الذي كان يمتلك إلى ما قبل سنوات قليلة مطاراً!

من هنا، يبدو الدور المصري أساسيّاً.

تعرف مصر تماماً ما حلّ بغزة نتيجة استخدام إسرائيل القوة المفرطة لأيّام قليلة.

تعرف مصر أن على «حماس» استعادة رشدها وأنّ فيها شخصيات لديها ولاء لفلسطين وليس لإيران وتركيا وغيرهما.

يفترض في هذه الشخصيات الدفع في اتجاه قيادة جديدة وحكومة جديدة تعرف كيف يكون التعاطي مع العالم ومع أي تسوية يمكن أن تطرح مستقبلاً بفضل مصر والأردن والإدارة الأميركية الجديدة وأوروبا، في طبيعة الحال...