ألوان

رسالة إلى الشباب الكويتي (5)

3 يونيو 2021 10:00 م

خلال حديثنا عن الشباب الكويتي، الذي نرى فيه الأمل والمستقبل، يجب أن نتطرّق الى ثقافة التسامح، التي إن انتشرت في المجتمع فإن ذلك سيؤدي إلى استتباب الأمن والطمأنينة في نفوس الجميع.

لأن التسامح في الحياة بمثابة البلسم الذي يزيل الاذى عن النفس البشرية، ويجعلها تتسامى فوق الجروح التي آذتها كما أنه يمنح الانسان الرضا والرقي.

وكما أن هناك حياة ونفساً بشرية وأقداراً، فإن السنن الكونية تضع أمامنا التعدد في الآراء والرؤية، ما قد يؤدي إلى التشاحن وبعض الشدة، وهذا الامر قد يكون صحياً متى ما وضع كل فرد عند نقاشه مع الآخر حدوداً لا يمكن تخطيها.

وفي الكويت، لدينا منبر رائع وهو الديوانية، التي قد تشهد بعض الاختلاف في الرأي، ومن ثم على الناس كافة والشباب بشكل خاص، عدم السماح بتحوّل هذا الاختلاف في الرأي الى عداوة شخصية.

إن التسامح متعدد في حياتنا، ومنه الديني حيث التعايش بين الأديان وحرية ممارسة الشعائر الدينية، مع التخلي عن التعصب، وهناك تسامح فكري وثقافي، الذي مفاده عدم التمسك بالأفكار واحترام الآخر، مع وجود لغة راقية في النقاش، وكذلك التسامح السياسي، الذي يضمن الحريات السياسية والتعاون بين الايديولوجيات المختلفة من أجل خدمة المجتمع والوطن.

ومن يقرأ التاريخ فانه يجد الكثير من أمور التسامح، مثل حياة أهل الكتاب في الدولة الإسلامية، بل إن الانسجام بين المذاهب الإسلامية المختلفة، إنما هو دليل على متانة المجتمع خصوصاً وقت الأزمات، ولنا في المجتمع الكويتي إبان الاحتلال العراقي الغاشم، وكيف تعاضد أبناء الشعب الكويتي معاً خير مثال، لأن من كان يريد الشر في الكويت لا يفرق بينهم.

والأسرة لها دور رئيس في تأصيل الصفات الحميدة لدى أبنائها، وفي مقدمتها صفة التسامح بين أفراد الاسرة الواحدة والجيران، وبقية أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين.

والطفل الذي ترعرع في منزل راسخة فيه صفة التسامح، سيجدعندما يكبر ويصبح شاباً أن الصفح عن الآخرين هي صفة أصيلة فيه، فالتسامح لقاح روحي وفكري يجعل الانسان جاهزاً ليصبح مواطناً مثالياً.

والدين الاسلامي يدعو إلى التسامح والعزة والعدل، كما أن القيم العربية تضم سلوكيات حضارية منها العفو، وعدم الاساءة إلى الآخرين بالقول أو الفعل، كما يدعو ديننا الحنيف إلى تعاضد أفراد المجتمع، والصفح والعفو عند المقدرة، فالتسامح لا يعني الضعف بل هو رفعة ورقي في السلوك، ولنا في رسول الله قدوة حين قال في حديث شريف: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، فلو تمتع الكبار والصغار بصفة التسامح، فان ذلك من شأنه أن يقوّي المجتمع.

فالإساءة إلى الناس، والغضب والتعبير عنه باللسان واليد، يُعيد الحياة المدنية إلى سياسة الغاب، حيث القوة هي التي يستخدمها الناس في الحصول على حقوقهم، كما أن الانتقام يؤذي النفس البشرية ويجعلها تتجه إلى سلوكيات سلبية.

إن سلوك التسامح مع من أنت قادر على النيل منه، دليل على أنك قادر على التحكم في غضبك أمام إنسان ضعيف ارتكب خطأ ما، وهذا ما ينقصنا في الكثير من الأحوال أمام المواقف المتكررة من أناس يعيشون بيننا من فئة الخدم والسواق، وبقية العاملين الذين ينتمون إلى فئات قد تكون بأمس الحاجة إلى الإحسان إليهم، ولا يعني ذلك التنازل عن الحقوق، فإن كان من بينهم من ارتكب خطأ فادحاً، فهناك القوانين التي وضعت من أجل التعامل مع مثل تلك المواقف.

وختاماً، نقول إن التسامح هو خلق خاص بالكبار، ويمنح صاحبه مكانة مرموقة في المجتمع، فسلوك العفو منح الانبياء والاتقياء مكانة مستمرة في ذاكرة الشعوب.