رأيها في شأن طعون الداهوم خلص إلى أن قانون إنشاء المحكمة خلا من نص يُجيز الطعن في أحكامها

نيابة «التمييز»: لا يجوز الطعن على أحكام «الدستورية»

20 مايو 2021 10:00 م

- المشرّع جعل للمحكمة طبيعة خاصة بحسبانها جهة مستقلة عن جهة القضاء العادي

خلصت نيابة التمييز، في مذكرتها التي رفعتها إلى محكمة التمييز، والخاصة بالطعون الثلاثة المقدمة من النائب المبطلة عضويته بدر الداهوم، في شأن تناقض الأحكام بين محكمتي التمييز والدستورية، بصحة ترشحه وإبطال عضويته، إلى «عدم جواز الطعن» على أحكام المحكمة الدستورية.

وأشارت النيابة في مذكرتها إلى أن للمحكمة الدستورية وأحكامها طبيعة خاصة، ولا ينال من أحكامها أي طعن من الطعون العادية وغير العادية، لاسيما أن قانون إنشائها ومرسوم لائحتها خلا من نص يجيز الطعن في أحكامها بأي طريقة من طرق الطعن.

وكانت المحكمة الدستورية قد قضت ببطلان فوز الداهوم في الانتخابات البرلمانية، وبعدم صحة عضويته في مجلس الأمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الانتخاب مجدداً في هذه الدائرة لشغل المقعد الانتخابي الذي حصل عليه، وذلك بناء على طعن لأحد المواطنين، فقام الداهوم بالطعن على الحكم أمام محكمة التمييز.

ورأت النيابة أن الدفع بعدم جواز الطعن في محله، وذلك بأن المقرر - في قضاء محكمة التمييز - أن قابلية الحكم للطعن تتعلق بالنظام العام، فيتعين على محكمة الطعن أن تتحقق من تلقاء نفسها من جواز الطعن وتوافر شروطه من عدمه.

وأن المقرر أن طرق الطعن إنما ترد في التشريع على سبيل الحصر في مجال تطبيقها على الأحكام؛ إذ إن تحديد طرق الطعن في الأحكام هو من عمل المشرع وحده، يورده حصراً في القانون المنظم لذلك، فإذا خولفت هذه القاعدة؛ كان الطعن غير جائز، ويتعين على المحكمة الحكم بعدم جوازه من تلقاء نفسها، لتعلق ذلك بإجراءات التقاضي، والتي تتصل بالنظام العام.

كما أن للمحكمة الدستورية وأحكامها طبيعة خاصة، فهي محكمة أنشأها المشرع تنفيذاً للمواد 90 و19 و193 من الدستور، وحرص على الإشارة إلى تلك المواد بديباجة قانون إنشائها، للتنبيه لما لها من طبيعة خاصة، بحسبانها جهة قضاء مستقل عن جهة القضاء العادي، فلا ينال من أحكامها أي طعن من الطعون العادية وغير العادية، خلافاً لما عليه الأمر بالنسبة لبعض الأحكام في القضاء العادي.

ملزمة لسائر المحاكم

أحكامها ذات حجية مطلقة وقضاؤها حاسم للخصومة

ذكرت النيابة أن المشرع خص المحكمة الدستورية دون غيرها باختصاصات محددة ذات طبيعة خاصة، وأحاط أحكامها بإجراءات تستهدف تحصين المنازعات من كل ما من شأنه التأثير على سير المنازعات أمامها، أو ما يؤدي إلى المساس بنفاذ أحكامها، مستمدة طبيعتها الخاصة من النصوص الدستورية والقانونية المشار إليها، ما جعل أحكام المحكمة ذات حجية مطلقة، وقضاءها حاسم للخصومة الدستورية (أو الخاصة بانتخابات مجلس الأمة)، ومانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد في شأنها، ولا يقتصر أثر هذه الحجية على الخصوم في الدعوى، وإنما ينصرف أثرها إلى الكافة، كما أن المحكمة الدستورية، بإصدارها الحكم تكون قد استنفدت ولايتها في ما قضت به وأقامت عليه أسبابها، فيمتنع عليها من بعد أن تتناوله بأي تعديل أو تغيير التزاماً بحدود ولايتها، طالما أنه صدر في حدود اختصاصها وفق قانون إنشائها، وغدا فصله ملزماً للكافة ولسائر المحاكم ولسلطات الدولة.

وأضافت أن قانون إنشاء المحكمة ومرسوم لائحتها خليا من نص يجيز الطعن في أحكامها بأي طريقة من طرق الطعن؛ ولا يقدح في ذلك ما تضمنته المادة الثامنة من القانون 14 /1973 بإنشاء المحكمة في فقرتها الأخيرة، حين نصت على أن «يطبق في كل ما لم يرد في شأنه نص خاص في تلك اللائحة، الأحكام المقررة لدى دائرة التمييز، وذلك في ما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون أو مع طبيعة العمل في المحكمة الدستورية»، إذ إن النص في الفقرة الأخيرة من المادة (156) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والواردة بالفصل الخاص بالطعن بالتمييز، على أنه «ولا يجوز الطعن باي طريقة من طرق الطعن في ما تصدره المحكمة من الأحكام»، يدل على أن المشرع قد منع الطعن في أحكام محكمة التمييز بأي طريقة من طرق الطعن العادية وغير العادية، باعتبارها نهاية المطاف في الخصومة، وهو ما يكون كذلك من باب أولى بالنسبة لأحكام المحكمة الدستورية، والتي لا مشاحنة في أن المشرع جعل لقضائها حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وملزمة لسائر المحاكم، وهي حجية تحول بذاتها من دون المجادلة في ما تصدره من أحكام أو السعي لنقضها بأي طريقة من طرق الطعن.

لا يغير من ذلك ما ينعاه الطاعن من انعدام الحكم المطعون فيه

لا معقّب على أحكام «الدستورية»

أشارت النيابة إلى أن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية، بما فيها الأحكام في الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم التي تنظرها كمحكمة موضوع، هي أحكام باتة، تثبت لها الحجية، وهي واجبة الاحترام، ملزمة للكافة بمن فيهم سلطات الدولة المختلفة والناس أجمعون، ولا يجوز الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن، والأصل أن الحكم القضائي متی صدر صحيحاً يظل منتجاً لآثاره، فيمتنع النعي عليه إلا عن طريق الطعن فيه بطرق الطعن التي حددها القانون على سبيل الحصر، فإذا كان الطعن غير جائز، أو كان قد استغلق، فلا سبيل إلى إهدار الحكم لمساس ذلك بحجيته.

وإذ كان المشرع قد أورد في المادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية أن أحكامها ملزمة للكافة ولسائر المحاكم، ومن ثم فإنه مع قيام هذا النص الخاص لا يجوز إعمال القاعدة العامة الواردة في المادة 152 منه التي تجيز الطعن بالتمييز في الأحكام الانتهائية أياً كانت المحكمة التي أصدرتها.

كما أن المقرر - في قضاء المحكمة الإدارية العليا المصرية - أن أحكام المحكمة الدستورية العليا هي أحكام نهائية لا يجوز الطعن فيها أمام أية جهة قضائية أخرى، إذ لا معقب على أحكامها. لما كان ذلك، وكانت الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية حجيتها تعلو حتى على اعتبارات النظام العام، فلا يجوز الطعن فيها بأي طريقة، وكان الطعن الراهن قد انصب على الحكم الصادر من المحكمة الدستورية ببطلان إعلان فوزه في الانتخابات، فإنه يكون غیر جائز.

ولا يغير من ذلك ما ينعاه الطاعن من انعدام الحكم المطعون فيه، لصدوره خلافاً لحكم نهائي سابق، أو لمخالفته القواعد المقررة لقوة الأمر المقضي، وحجية الأحكام، وعدم رجعية القوانين.

إجراءاتها غير مقيّدة بأحكام قانون المرافعات

الحكم إكبار لسيادة القانون الأساس الوحيد

لمشروعية السلطةبينت النيابة أن أحكام المحكمة الدستورية نهائية وغير قابلة للطعن، مما مؤداه أنها أحكام باتة لا يجوز الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن، احتراماً لحجيتها، وبالنظر إلى وظيفة تلك المحكمة وما أسند إليها من اختصاصات. وأن المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية أنه بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للمنازعات الدستورية والطعون الانتخابية، فإنها لا تتقيد في إجراءاتها بكل ما نص عليه قانون المرافعات من أحكام، بل لها طبقاً للمادة الثامنة من قانون إنشائها أن تصطفي من هذه الأحكام ما يتواءم مع طبيعة تلك المنازعات والطعون، فتطبقه عليها، وأن تطرح من هذه الأحكام ما يتنافر مع طبيعة عملها ووظيفتها فتستبعدها.

ولما كان قانون إنشاء هذه المحكمة قد جاء صريحاً على أن أحكامها في المنازعات الدستورية والطعون الانتخابية واجبة النفاذ، واعتبارها حجة في مواجهة الكافة، وأنه بصدور الحكم من هذه المحكمة صار متعيناً المبادرة إلى تنفيذه نزولاً على مقتضاه ومؤداه، وامتثالاً للحجية التي يحوزها، والتي تعلو حتى على اعتبارات النظام العام، إكباراً لمبدأ سيادة القانون، الذي هو أساس الحكم، والأساس الوحيد لمشروعية السلطة، وبالتالي فإنه ليس في رفع أي طعن على تلك الأحكام أمام هذه المحكمة، أياً كان وجه الرأي فيه - أو رفع أي إشكال في تنفيذها أثر واقف ما لم تقضِ ذات المحكمة بغير ذلك، طوعاً لما أورده قانون إنشاء المحكمة الدستورية في هذا المقام، فإذا تراءى لصاحب مصلحة أن يلتف على صحيح حكم القانون بالالتجاء إلى قضاء غير مختص، طالباً وقف تنفيذ حكم صادر من المحكمة الدستورية، فإن هذا المسلك يعد مخالفاً للقانون، ويتعين على الجهة المنوط بها التنفيذ أن ترد عليه قصده، وأن تبادر إلى تنفيذ الحكم.

لا محلّ لوقف تنفيذ «خلو المقعد»

خلصت نيابة التمييز إلى أن المشرع - وبالنظر إلى طبيعة المنازعات والطعون التي اختصت المحكمة الدستورية بنظرها - منع الطعن على أحكامها بأي طريقة من طرق الطعن، وذلك أياً كان العوار الذي ينسب إلى حكمها، ولا يستثنى من ذلك الأصل سوى الدعاوى المتعلقة بمخاصمة أعضائها وعدم صلاحيتهم؛ ما يضحى معه الدفع بعدم جواز الطعن قد قام على سنده القانوني الصحيح، متعيناً قبوله، ولا وجه، من بعد لأن تعرض النيابة لإبداء الرأي في الشق العاجل بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، لاسيما أنه لئن كان لا يجوز للقاضي أن يحكم بالعلم الخاص، إلا أنه غير ممنوع من الحكم بالعلم العام، ويعد من قبيل العلم العام أن مجلس الأمة قام بجلسته المنعقدة بتاريخ 2021/3/30 بتنفيذ الحكم المطعون فيه تنفيذاً کاملاً (بإعلان خلو المقعد الذي كان قد حصل عليه الطاعن)، مما لا محل معه لطلب وقف التنفيذ، وبناء عليه ترى النيابة عدم جواز الطعن.