هذا ما حذّر منه مصرفي كبير عبر «الراي»

خضاتٌ جديدة تعمّق «العزلة المالية» للبنان

4 مايو 2021 02:29 م

لم يكن مفاجئاً تَعَرُّض القطاع المالي اللبناني ومؤسساته الناشطة لموجاتِ ضغوطٍ جديدة بنتيجة الصعود المستمرّ لكتلة المَخاطر المحلية، ربطاً بتشنج الأوضاع الداخلية والشلل الحكومي المُسْتَحْكِم الذي يدفع قدماً بتأخير المعالجات الإنقاذية المرتكزة الى عقد اتفاقِ برنامجِ دعْمٍ تمويلي مع صندوق النقد الدولي، وأيضاً المماطلة بصوغ التشريعات المالية الطارئة وإقرارها، رغم حضّ المؤسسات المالية الدولية على أولويتها وفي مقدّمها «قوْننة» تقييد الرساميل والشروع بمفاوضات جدية مع حاملي سندات الدين الدولية.

وتبدو التوقعات موغلة أكثر في الاحباط، وفق المدير العام لـ «فرست ناشونال بنك» نجيب سمعان، مع سريان معلومات جديدة عن إمكان إقدام أكبر مؤسسات التقييم الدولية على حصر السوق المالي اللبناني بحدوده المحلية وعزْله عن قائمة الأسواق الناشئة، وبالتالي شطْب إدراج أسهم في أسواق خارجية تعود للشركات الأكبر في القطاعيْن المصرفي والعقاري في لبنان، وذلك بعد فترة قصيرة من إبلاغ مصارف دولية مُراسِلة ضمّ البنك المركزي اللبناني إلى قائمة «وقْف التعاملات» التي سبق أن طالت الجهاز المصرفي، وهو ما يكرّس شبه قطيعة مالية بين لبنان والخارج بعد سنة ونيف من قرار الحكومة بتعليق دفع مستحقات كامل محفظة سندات «اليوربوندز» البالغة نحو 30 مليار دولار.

ولفت سمعان في حديث مع «الراي» إلى القوة المرجعية في الأسواق والحساسية الفائقة التي تُمَيِّز تقارير وتقييمات المؤسسات المالية الدولية، بحيث إن تداعياتها اللاحقة على خطوط التواصل المالي عبر الحدود تفوق في غالبية الأحيان حجم الضرر المباشر الذي يلحق بالجهة المعنية سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص. ولا يستقيم في هذا النطاق تكرار معزوفة الحصار المالي الخارجي المفروض على البلد، باعتبار أن هذه المؤسسات مستقلة وتعتمد أعلى معايير الشفافية، وهي غير معنية بالإدارات السياسية للدول إلا بقدر تأثيراتها على الاقتصاد وهويته ومصادر قوته وضعفه، وهي تتولى، بموافقة المعنيين، مراقبة وتحليل مجمل القطاعات المالية حول العالم، ولا تتردد في كشف مكامن المخاطر حيث وُجدت.

ولا يمكن في هذا الصدد إغفال تأثير التطوّر السلبي المستجدّ والمتمثّل في ما أوردته وكالة «ستاندرد آند بورز»، وهي من أكبر الشركات العالمية في تقييم الجدارة الائتمانية للبلدان والشركات، حيث جاهرتْ بأنها تدرس شطب أسهم أكبر ثلاثة بنوك لبنانية، وهي «عودة»و«بلوم» و«بيبلوس»، وكذلك شركة «سوليدير» الأكبر عقارياً، من مؤشر الأسواق الناشئة ومؤشر الأسواق العربية، واعتماد تصنيف خاص للبنان معزول عن الأسواق الناشئة، على أن يتخذ القرار قبل 14 مايو الجاري.

ويعزز هذه الفرضية أن الشركات المسماة سبق أن بادرتْ قبل أشهر إلى طلب إلغاء إدراج وتوقيف التداول بأوراقها المالية من أسهم وشهادات ايداع في أسواق مالية خارجية، وبالأخص في بورصتيْ لندن ولوكسمبورغ. وقد عللت طلباتها حينها بتكبّد تكاليف مرتفعة لقاء تداولات محدودة، وبأنها ستكتفي في ظل الظروف الحالية بإبقاء أوراقها قيد التداول في بورصة بيروت. علماً أن أسعار الأوراق المالية اللبنانية كافة يجري تداولها دون قيمتها الاسمية بكثير، بينما هوت أسعار سندات الدين الدولي لِما دون 15 في المئة من قيمها الاصلية.

وأكد سمعان ضرورة ملاقاة هذه الاستحقاقات الداهمة من خلال حكومة متوازنة تعكف على معاودة صوغ خطة الانقاذ والتعافي واستئناف المفاوضات لعقد الاتفاقية الموعودة مع صندوق النقد الدولي، بوصفه مرجعية دولية ضامنة للاصلاحات الهيكلية المطلوبة. وكذلك تسريع إصدار التشريعات وفي مقدمها قانون «الكابيتال كونترول». وهذا المسار وحده الكفيل بوقف مسلسل الانهيارات والذي يضمن معاودة طمأنة المستثمرين في الداخل والخارج، فيما ينذر نفاذ مخزون ثقة الأسواق الخارجية الشركات اللبنانية بنزْع هوياتها الاقليمية والدولية وحصْرها في ميدان السوق المحلي وإلحاق الضرر بشبكة علاقاتها المتميزة بالمستثمرين وأصحاب الرساميل، وبما يشمل المحيط العربي والمغتربين اللبنانيين، وهو ما سيعوق مستقبلاً إعادة هيكلة القطاع المالي.

وكانت وكالة التصنيف الدوليّة «موديز» نبّهت بدورها من تأثيرات انخفاض احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي بشكلٍ كبير، وإلى أنّ الإستمرار في إعتماد سياسة الدعم الحاليّة سيستنزفه بالكامل. واعتبرت أنّ «استعمال الإحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان في ظلّ الفراغ الحكومي سيؤدّي إلى زيادة المَخاطر تجاه الأطراف المقابلة (Counterparty Risk) وبالتالي يهدّد علاقات لبنان مع المصارف المُراسِلة، الأمر الذي سيصعّب عمليّة تحويلات المغتربين والتجارة والسياحة».

وقد ناقشت «موديز» في ورقتها طريقتين لتخمين قيمة الإحتياطي بالعملات الأجنبيّة القابل للإستعمال. الأولى تتمحوْر حول تنقيص الإحتياطي الإلزامي من إجمالي الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى المصرف المركزي لإحتساب الإحتياطي بالعملات الأجنبيّة القابلة للاستعمال، والذي قدّرت الوكالة أنّه إنخفض إلى مليار دولار مع نهاية شهر فبراير الماضي. أمّا الطريقة الثانية لإحتساب الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة القابلة للاستعمال فتكون عبر خصم جزء من إجمالي الإحتياطي بالعملات الأجنبيّة والتي تمثّل القيمة الموازية لصافي المطلوبات الخارجيّة للمصارف التجاريّة بالعملات الأجنبيّة، والتي بحسب الوكالة قد استنزفت بالكامل منذ العام الماضي قبل إعلان الحكومة عن قرارها بالتخلّف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبيّة في مارس 2020.