منذ سنوات وكاتب هذه السطور يردد أينما حلّ وارتحل، بقلمه وصوته، بأن الأفضلية لديه في مضمار كرة القدم هي للمنتخبات وبطولاتها، وليس للأندية ومسابقاتها.
ليس لأن ثلج الأيام غزا شعري أو لأنّي مُدّعي معرفة، بل لأن من تذوّق كرة السبعينات والثمانينات يميل، طبيعياً، إلى تلك النسمات التي ما برحت تعوده حاملةً ذكريات كأس العالم، بحلوها ومرّها.
مضت السنون سريعة، وشهدت اللعبة، لا بل «المعشوقة»، تغيُّرات ما كانت في البال، أبرزها «قانون بوسمان» 1995، والتعديل الذي طرأ على كأس أبطال الأندية الأوروبية وأدى إلى تحويلها لـ«دوري أبطال أوروبا»، وإلغاء بطولات واستحداث أخرى.
حتى القوانين تبدلت، انطلاقاً من حرمان الحراس التقاط الكرة العائدة من زميل، وصولاً إلى تقنية الحكم المساعد «VAR».
لقد بنينا، نحن المعشر الحقيقي لكرة القدم، حياتنا على مداميك هذه «المستديرة»، إذ لا مواعيد ولا سفر ولا ارتباطات يوم المباريات، حتى أننا اعتمدنا طقوساً معينة لكل بطولة.
يوماً بعد يوم، شعر كاتب هذه السطور، بأن «حبيبته» باتت تميل، بسبب القيّمين عليها - ونتحدث هنا عن الأندية الكبرى - إلى «الوجبات السريعة».
لم تعد كرة القدم على هذا المستوى «رياضة بريئة»، بل عايشتُ واقعاً جديداً فيها: لا حدود للصرف على جلب نجوم بغية تحقيق انتصارات سريعة، لا ولاء لدى اللاعبين سوى لمن يدفع أكثر، عقود ضخمة، استغلال للجمهور «بالجرم المشهود»، من دون أن نتحدث مثلاً عن أمور أخرى مثل أنظمة بالية كعقود الإعارة التي تتم وفق مقولة «على عينك يا تاجر».
أين حصل كل ذلك؟ حصل ويحصل على مستوى الأندية الجشعة التي تريد، اليوم، وفوق كل ما خلّفته في جسم الكرة من جروحات، أن تفرض «الدوري السوبر الأوروبي»، لسبب واحد: المزيد من الأموال، من دون الأخذ في الاعتبار حبي وحبك لكرة القدم «النظيفة» التي عشقناها.
يريدون قتل اللعبة، في وضح النهار، من خلال جذب كبارها لبطولة خاصة، حتى وإن كلف ذلك «موت» صغارها.
يريدون القضاء على دوري الأبطال، واللافت أن عرّابي الفكرة داسوا على تاريخهم بأرجلهم، فريال مدريد ما عادت تهمه زعامة «القارة العجوز» بألقابه الـ13، وبرشلونة المديون حتى أذنيه وافق على المقترح لإنقاذ نفسه، ويوفنتوس وإنتر ميلان وميلان تريد المال، مع العلم أن الأخير غاب عن «الأبطال» منذ 2014 و«مات وعاش» ليعود، وها هو اليوم يرفس تضحياته على هذه الجبهة.
أما السداسي الإنكليزي الجشع، أفلا يشبع أموالاً؟ لائحة الانتقاد ستطال كل من ينضم إلى هذه الشريحة البالية من الأندية.
الإسباني فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، هو «زعيم المجموعة»، أو فلنقل «رأس الأفعى». فعندما هدد الاتحاد الدولي (فيفا) أي لاعب يشارك في «السوبر» بالإقصاء من كأس العالم، قال «الشامخ» - وهو لقب بيريز- الذي داس إرثنا وتاريخنا: «حسناً، سننظم كأس عالم خاصة بنا».
يريدون قتل اللعبة، يريدون قتلنا.
عاشت «المنتخبات»... فلتسقط «الأندية».