قيم ومبادئ

لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا

15 أبريل 2021 07:00 م

‏كان المسلمون في العهد الزاهر للإسلام عند مخاطبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وإذا سألوه عن أمر من أمور الدين يقولون له (راعنا) يعني بالعامية «ديربالك علينا»!

وهذا المعنى صحيح، ولكن اليهود انتهزوا هذه الفرصة فصاروا يخاطبون الرسول ويقصدون المعنى الفاسد وهو عند اليهود وبلغتهم يعتبر سباً ومعناه (اسمع لا سمعت) فكانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويضحكون في ما بينهم، فجاء النهي الإلهي عن هذا اللفظ حتى لا تعبث اليهود في دين المسلمين، ويتعدّون إلى سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ومع هذا النهي أعطاهم الله اللفظ البديل، وزال تعلق اليهود به وهو لفظ ( ولكن قولوا انظرنا) أي أمهلنا وأخرنا حتى نفهم عنك وتفهم عنا ونتلقى منك هذا الدين.

وهذا له نظير في لغة العرب، كما قال الشاعر عمرو بن كلثوم:

أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا

وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا

ومثله ما جاء بالحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله فهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسبُّ أبا الرجل فيسبُّ أباه ويسب أمه فيسب أمه.

فجعل التعرض لسب الآباء كسب الآباء، وعلى هذا بنى الفقهاء هذه القاعدة الشرعية وهي بالوقت نفسه قيمة أخلاقية وهي (النهي عن الجائز إذا كان وسيلة تؤدي إلى محرّم)، وفيها من الأدب في استعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا المعنى الحسن.

والابتعاد عن الفحش وترك الالفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع من التشويش على الناس أو احتمال أمر غير لائق، خصوصاً بين أفراد المجتمع الواحد.

وهذا من لطف الله بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة، وبكل كلام يقرّب إلى الله وتحديداً في هذا الشهر الفضيل، من قراءة للقرآن وتعلّم العلم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا أردت أن تعرف رقي الأمم فانظر في أخلاقها.

والقول الحسن الذي أمر به الشرع داعٍ لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من مَلَك لسانه مَلَك جميع أمره. ومن لا فلا.

وهذا كله يحتاج إلى عون من الله للعبد على نفسه وتدرب ومران حتى تصفو النفوس وتطيب الأرواح وتزكو الألسن.

ولقد أقسم الله تعالى في القرآن لَبئسَ الصنيع كان يصنعه علماء اليهود والنصارى في تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسط مجتمعهم حتى فشت فيهم المعاصي والآثام وأكل الربا، وظهرت فيهم الفواحش حتى قال علماؤنا ما في القرآن آية أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون).

والحقيقة التي لاشك فيها اليوم أن من فسد من علمائنا كان له شبه بعلماء اليهود، ومن انحرف من عبّادنا كان له شبه بالقساوسة، حتى وجدنا الغرب اليوم أصبحوا في حال لا يتمكنون من الخروج منها من التردي الأخلاقي والاجتماعي، وبذلك هلكوا بركوبهم لجميع المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحباب، وهم يعيشون معهم ويواكلونهم ويشاربونهم ويجالسونهم!

فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات العامة من شدة السنين، وانتشار الأمراض والإلحاد، وعليه نقول: يجب القيام بهذا الواجب بحسب الاستطاعة، حتى لا ينزل بنا ما نزل بهم واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرّب أجلاً.

والربانيون هم الذين ينسبون إلى الرب في كل تصرفاتهم وكذلك الأحبار وهم العلماء. والسؤال الآن كيف نصّب هؤلاء أنفسهم قادة للضمير الديني والإنساني من دون ان يقوموا بواجبهم بوعظ الناس؟ الخلاصة بالتأكيد القساوسة والبطاركة، إنما يريدون فقط سلطة الهيمنة على الناس وإلقاء الوصايا والتبشير بالسلام المزعوم ! ليكون الناس تبعاً لهم في الضلال؟