رؤية ورأي

الحظر الجزئي والأداء البرلماني الهزيل

24 مارس 2021 10:00 م

في مطلع هذا الأسبوع، أثار أحد النوّاب تساؤلات عدّة، حول دقّة ومصداقيّة الإحصاءات اليوميّة التي تنشرها وزارة الصحة في شأن تطورات جائحة كوفيد-19، وكانت في مجملها مجرّد تكرار لتساؤلات متداولة بين المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك استغرب عدد من الأكاديميين من طرحها عبر المنصة الإعلامية البرلمانية، لما تضمّنتها من مغالطات وسطحيّة وهزليّة في التعاطي مع تلك المؤشرات الإحصائية وعلاقتها بقرار الحظر الجزئي.

فمن بين الأسئلة المبنية على مغالطة، تساؤل النائب: «هل يعقل أن مؤشرات الإصابة بجائحة كورونا في جميع دول العالم في انخفاض ما عدا دولة الكويت؟». وهذا التساؤل يتناقض مع المؤشرات الرسميّة في العديد من دول العالم، التي تعاني من ارتفاع متزايد في أعداد الإصابات اليومية، ومن بينها دول مجاورة وقريبة كالعراق والأردن وتركيا.

وبالنسبة للتعاطي السطحي مع المؤشرات، فمن بين الأمثلة عليه تساؤل النائب: «هل يعقل أن الإصابات في ازدياد رغم تطبيق حظر جزئي لمدة 12 ساعة يومياً وبعد أسابيع من تطبيق برنامج التطعيم ضد الفيروس؟». فهذا التساؤل يتناسى تدني نسبة الذين تم تطعيمهم، ويتغافل عن وجود فترة حضانة للفيروس قبل ظهور الأعراض، ويتجاهل الصعود المناظر في منحنى أعداد الإصابات عند بداية تطبيق الحظر الجزئي والكلّي في الدول الأخرى. وعوضاً عن هذا التعاطي السطحي، كان الأجدر بالنائب أن يسأل في شأن كفاءة الحظر في تخفيض أعداد الإصابات اليومية «مقارنة» بالأعداد التي كانت متوقعة في حالة عدم تطبيق الحظر، وفي شأن المؤشرات والمنهجيّات والأدوات التي توظفها الوزارة في استشراف أعداد الإصابات المستقبليّة، وهل تم قياس دقتها من قبل جهة مستقلة وفق الإحصاءات اليومية التاريخية؟ كما أن المكان الطبيعي للسؤال السطحي وللأسئلة البديلة هو متن سؤال برلماني يوجّه إلى وزير الصحة، وليس في خطاب عبر المنصة الإعلامية البرلمانية موجه إلى المواطنين. لأن الخيار الثاني من مظاهر سوء استغلال الأدوات البرلمانية.

هذه السطحيّة في التعامل مع المؤشرات الإحصائية الخاصة بالجائحة، ظاهرة سياسية عالمية. حيث أعلن عمدة مدينة ديترويت الأميركية قبل أيام قليلة رفضه استلام 6200 جرعة من لقاح جونسون (Johnson & Johnson)، مطالبا باستبدالها بلقاحات موديرنا وفايزر لكونهما الأفضل وفق مؤشر الكفاءة الشائع. فردّ عليه مجموعة من الدكاترة المختصّين وأوضحوا مجموعة تفاصيل علمية لا مجال لسردها هنا، خلاصتها أن لكل من اللقاحات الثلاثة أفضلية وفق مجموعة عوامل، وهي متساوية في كفاءتها وفق مؤشر الوقاية من الإصابات الخطيرة التي تتطلب دخول المستشفى.

وأخيراً، بالنسبة للتساؤلات الهزلية، مثالها تساءل النائب: «هل يعقل أن الجائحة تنتشر في الليل ولا تنتشر في النهار؟»، فهذا التساؤل يتجاهل شيوع تطبيق الحظر الجزئي في الدول الأخرى، ومكانه الطبيعي ليس المنصة الإعلامية البرلمانية بل في قاعة استراحة النوّاب في المجلس أو في ديوانية محفوفة أو في مكتب الوزير، يوجه فيها النائب هذا التساؤل الهزلي إلى الوزير من باب الطرفة السياسية، وكمقدمة تلطيفيّة قبل التوسّط لتعيين قيادي في وزارة الصحة أو للحصول على استثناء الوزير على معاملة صعبة.

هذا المقال حلقة أخرى ضمن سلسلة مقالاتي الرامية إلى كشف زيف الصور المثالية، التي أنتجتها المنظومات الإعلامية الفاسدة للعديد من النوّاب الحاليين والسابقين. المنظومات التي تظهر الطائفي وطنياً والوطني طائفياً، وتصوّر القمعي جيفارا، وتجعل الإقصائي شريكاً في محاربة الفساد، وتقبّح الأداء الدستوري وتجمّل الأداء العبثي الهزيل. وحتى نرى بأنفسنا الصورة الحقيقية للنوّاب، ليس علينا سوى الابتعاد قليلاً إلى خارج منطقة تأثير الهالة الإعلامية المزيفة التي تحصّنهم... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com