قيم ومبادئ

بين الشوطَيْن

11 مارس 2021 10:00 م

المجلس الحالي في فترة استراحة تعتبر ما بين الشوطَيْن، وهي فترة قصيرة لكنها جديرة بالتأمل بين عهد مضى بكل آلامه وآماله في العمل النيابي، وبين فترة مقبلة حُبلى بالتحديات والعقبات إقليمياً وعالمياً ومحلياً أيضاً.

والمجلس الحالي سيد قراراته ـ إن جاز لنا التعبير ـ لإعادة النظر في مسيرته، ففي بداية العمل النيابي وفترة مطلع كتابة الدستور كانت القيم هي السائدة، والعمل الوطني هو الأساس، والمهن اليدوية لها وزنها في المجتمع، والأسرة مستقرّة وقائمة بدورها، و(ادختر) تعني الطبيب الذي كان له وزنه واعتباره في المجتمع، حيث يرتحل إليه من خارج السور إلى الداخل من أجل التطبيب والعلاج، والشيخ (إمام المسجد) له دوره ووزنه في (الفريج)، من حيث الإصلاح بين الناس وتوثيق العقود، وكل فريج ومطبة ونقعة تمثّل حقيقة الكويت في الترابط والتعاون ومدّ يد العون والمساعدة، هذه باختصار كانت حياة أهل الكويت مع الرعيل الأول المؤسس للعمل النيابي والنقابي، ولا نُذيع سراً إذا قلنا إن الكويت تأثرت سلباً وإيجاباً مع أوضاع الأمة العربية والإسلامية، فبرزت فيها كغيرها تيارات فكرية متعدّدة، مثل التيار الناصري والعروبي والبعثي والليبرالي والوطني، ومرّت بأطوار النشأة والشباب والفتوة، ثم دخلت مرحلة الشيخوخة وكبار السن، التي تحتاج إلى رعاية خاصة هذه الفترة، وقد تعاملت الحكومات مع هذه التيارات بحسب تبنيها للعنف في التغيير أو تطرفها في الطرح.

وما يعنينا هنا بشكل خاص ما يتعلق بالفترة المقبلة من عمر المجلس، فهل يغلّب جانب الحكمة والعقل ويتعامل مع الحكومة، وفق ما جاء محدداً بالطرق الدستورية، ويسعى جاهداً إلى المحافظة على المكتسبات وإعادة ترتيب الأولويات وفق المستجدات، ومن ثم ترتيب الأوراق واختيار الأكفاء وإيجاد السفير الناجح، ليفاوض الحكومة حتى لو كان من خارج المجلس، للتوصّل إلى أرضية مشتركة مقبولة بين الطرفين؟ الواضح من المجلس الحالي، رغم تمثيله لأطياف المجتمع وبروز الشباب والدماء الجديدة، إلا أنه يفتقر إلى السفير الناجح والمقبول للقيادة، وما زالت عقلية (عقدة النقص) و(الشعور بالمظلومين)، هي الأساس في ما يبدو لكل تظاهرة أو تجمّع أو ندوة سياسية أو بيان مشترك؟ فالمناكفة مطلوبة ليبقى رتم الحياة السياسية صعوداً وهبوطاً! وهذا مربط الفرس في توالي الفشل النيابي، رغم كثرة الضمانات الدستورية وارتفاع نسبة التصويت الشعبي، مع وجود الوعي النسبي في الرأي العام إلا أنّ هاجس عدم الثقة والرغبة في التشفي، أو نقل الحكومة من أن تستقّل برأيها إلى أن تسمع كلام الأعضاء، بمعنى خفضها إلى تابع، هو المطلب وإلا نعتبر المجلس فاشلاً ولا فائدة من الدخول فيه.

الفترة المقبلة مليئة بالتحديات ولن أذكرها في هذا المقال المختصر، إنما أودّ أن أهمس في آذان النواب، تذكرون بداية كورونا وكيف دبّ الخوف والهلع في شرائح المجتمع، في ما يتعلّق بالأمن الغذائي وبروز أزمة البصل! ورغم كثرة المزارع عندنا وسعة المساحة ووفرة المياه، إلّا أنّنا فشلنا في توفير البصل للمواطن والمقيم، فكيف سنوفّر الأمن الغذائي بشكل عام، ألا يجدر بنا أن نعيد النظر في منظومة هيئة الزراعة والثروة السمكية؟ ألسنا بحاجة إلى المصارحة مع الشعب أولاً وناخبيكم قبل الحكومة؟ لماذا المزارع لا تزرع؟ ولماذا الجواخير لا توفر اللحوم على اختلافها؟ ولماذا القسائم الصناعية لا توفر ضروريات المجتمع، خصوصاً في مثل هذه الظروف؟ ولماذا... ولماذا؟ لو نجح هذا المجلس في توفير الأمن الغذائي، بمعنى القدرة على تحقيق الاعتماد الكامل على الذات والإمكانات الذاتية، بعد التوكل على الله في إنتاج ضروريات المجتمع محلياً، لكان هذا إنجازاً حقيقياً وإضافة، وهنا نقول لكم كثّر الله خيركم، فهذا أفضل من ندوات جماهيرية، وسب وشتم، بينما لم نحصل أو نحقّق شيئاً من واجبنا الوطني.

الخُلاصة: تاجر + فئوي لا يساوي معارضة رشيدة.