سعود عبدالعزيز العصفور / كان صرحاً من خيال فهوى!

1 يناير 1970 09:11 ص
يا سادة يا كرام، هل تريدون الكلام المنمق المزركش اللطيف المغلف بورق الهدايا الفاخر الذي تقرأه على عجالة لتتمتم بعده بعبارات كويتية خالدة من نوعية «الله لا يغير علينا»، و«هذي الكويت صل على النبي»، وتسير بعده على هدى من رب العالمين ورحمة وكأنك ملكت الدنيا وطوعت الصعاب، أم تريدون الكلام الذي يخرج من القلب إلى القلب وإن كان يجرح ليداوي ويقسو ليوقظ الإحساس ويدمي لينظف الجراح؟! ما أسهل الخيار الأول وما أقل تكلفته وأعظم عوائده، فكل ما في الكويت جميل، وما لدينا أفضل مما لدى غيرنا ونحن بفضلٍ من الله ونعمه نتمتع بنظام سياسي متطور متفهم ومتعاون و«قلبه على الكويت»، ولدينا أفضل الرؤساء، وأحرص الوزراء، وأكفأ الوكلاء، وأشجع النواب، فالزين عندنا والشين حوالينا، ولا ينقصنا إلا النوايا الحسنة وقليلٌ من الحظ وسننافس اليابان في التقدم بمجرد أن يعتمد مجلس الأمة الخطة الخمسية التي تقدمت بها الحكومة! لأنام وتناموا قريري الأعين، وتستفيق ملء أرواحنا نشوة البكاء ورعشة وحشية تعانق السماء، كما يقول بدر شاكر السياب!

ولكن إن أردتم الخيار الثاني والصعب وذا التكلفة العالية، فاعلموا أننا نعيش في أسوأ مظاهر الدولة، وأضعف مراحل النظام، ونستظل بظل الفشل الإداري المتزايد منذ عام 1975، ونسابق الزمن والرياح في كسر الأرقام القياسية في السوء، فنحن بلا فخر نعيش في دولة اللا دولة، وتتحكم في مصيرنا حكومة اللا اتجاه، ويقودنا إلى الفشل التكعيبي المزمن وزراء اللا قرار، نخرج من مصيبة لنقع في كارثة، النظام عاجز عن التجديد حتى يخيل للجميع أنه أصيب بالعقم ولم تعد تنفع معه كل نظريات العلوم القديم منها والحديثة، فلا البقاء فيه للأفضل ولا يمكن للطبيعة معه أن تصلح من نفسها، والحكومة عاجزة عن أن تبرهن لنا أنها قادرة على البناء، ولم تنجح باقتدار وتميز مع سبق الإصرار والترصد إلا في الهدم ولجنة الإزالة، وكأن القوانين لا هيبة لها إلا في الهدم والتدمير، وكأن بلدنا لا يهدم بأيدينا وأيديهم منذ عقود وعقود! ولولا رحمة الرحمن القدير وبحبوحة العيش التي يتمرغ في وسطها المواطن الكويتي لكان في الأمور أمورٌ أخرى، وفي «الحكايا» قصصٌ وتفاصيلٌ تروى!

لم نكن في حاجة إلى اعتقال محمد الجاسم لنتأكد من أن مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور ليس إلا صرحاً من خيال قد هوى منذ اليوم الأول لتوقيع الدستور، ولم نكن في حاجة إلى شيكات الرئيس لنتأكد من أن لا سلطة تعلو فوق سلطة الدينار وإن طال صبر الصابرين، فكل قرار له سعر والصرف حسب فائض الميزانية أو حسب ميزانية الفائض، وبالتأكيد لم نكن في حاجة إلى تقرير «منظمة الشفافية الدولية» لنوقن بأننا «رايحين في خرايطها» وأننا أصبحنا نعيش في فساد به بلد ولسنا في بلد به فساد! للتاريخ أحداث إن لم نقرأها ويقرأها قبلنا المعنيون بالأمر، فسنصحو في يوم من الأيام على انهيار هذا البلد كما انهارت من قبله دول وممالك وإمبراطوريات! العدل أساس الملك، وفي غياب العدل لا تضمن أساسات الملك!





سعود عبدالعزيز العصفور

كاتب ومهندس كويتي

[email protected]