اتجاهات

القيادة الدولية لبايدن عبر الديبلوماسية

1 مارس 2021 10:00 م

في أول خطاب له في شأن تصوّر مسار وأولويات السياسة الخارجية الأميركية خلال ولايته الأولى، وضع بايدن شعار «الديبلوماسية أولاً»، وليس «عودة أميركا» - شعار حملته الانتخابية - كمرتكز لثلاثة أمور رئيسية: نمط القيادة الأميركية الدولية وأولوياتها، شكل تحالفات واشنطن وأولويات وقضايا هذه التحالفات، وأخيراً طريقة تعاطي واشنطن مع خصومها.

فمجمل ما أفرده بايدن في شأن أولوية الديبلوماسية كنهج رئيسي خلال حقبته الأولى، تمحور حول تقوية التحالف مع الحلفاء خصوصاً - على حد قوله - إعادة تشكيل تحالف «الديموقراطيات» الذي تضرّر إبان حقبة ترامب. وإعادة دور أميركا الريادي في المنظمات الدولية. والاهتمام بالقضايا العالمية الأكثر إلحاحاً كتغير المناخ. أما بالنسبة لخصوم واشنطن، والذين خصّهم بالذكر تحديداً في خطابه «الصين وروسيا»، سيكون التعاطي معهم بالحزم في المسائل الحيوية لواشنطن، كحقوق الإنسان ومصالحها القومية العليا، التي ستتضرّر من سلوكهم، وفي ذات الوقت الانخراط معهم في حوار ديبلوماسي بنّاء، حال تواجد مساحة مشتركة لعلاقات بناءة ومصالح مشتركة لكلا الطرفين.

ففي خطابه قال بايدن بوضوح إن الديبلوماسية هي أفضل وسيلة لتنال أميركا ما تريد. إذاً ماذا تريد أميركا بالتحديد، ولماذا عبر الديبلوماسية على وجه التحديد، وليس عبر أدوات وعبارات تنطوي على لغة الواقعية والصرامة والتهديد، كما هو معتاد من واشنطن؟

إن شعار الديبلوماسية أولاً يعكس في طياته شعار عودة أميركا، أي «عودة القيادة الأميركية الدولية» لحملة بايدن الانتخابية، لكن الشّعار - في حد ذاته - يمثل نهج هذه العودة الذي سيرتكز كلياً على الديبلوماسية والأدوات الناعمة.

إدارة بايدن - وإن كان ذلك نهجاً أميركاً رئيسياً - لديها أولوية كبرى في قيادة أميركية دولياً، لكن بنمط مختلف يراعي السياقات والمتغيرات التي حلّت على واشنطن على مدار العقدين الماضيين، والتي من أهمها تراجع قوة ونفوذ أميركا الحقيقيين، في النظام الدولي بالتوازي مع صعود خصومها خصوصاً الصين، فضلاً عن تعقّد القضايا الدولية وتشعبّها بالدرجة التي لا تستطيع واشنطن وحدها تحمّل حلّها بمفردها.

هذه المتغيرات والسياقات الجديدة، لا تجدي معها لغة القوة والتوازنات العسكرية والغطرسة. وبالتالي أيضاً لا تجدي معها قيادة أميركية منفردة تستند فقط على تفوّقها العسكري والديبلوماسي والاقتصادي الساحق، الذي يتآكل تدريجياً على أرض الواقع.

لذا لا مناص عقلانياً لدى واشنطن سوى التعويل على الديبلوماسية، أملاً في تمديد قيادة دولية تؤمّن بها مصالحها الحيوية المترامية الأطراف في العالم. هذه القيادة الجديدة - كما يمكن استنباطه من خطابه - ستعتمد على سلسلة الحلفاء وتحديداً الكتلة الأطلسية، وكتلة حلفاء واشنطن في الباسفيك.

إذاً فالملمح الأول لها هي قيادة تشاركية، تبدو فيها واشنطن القائد لكنها تحمّل الحلفاء عبء هذه القيادة بصور ووسائل مختلفة. البعض يطلق على هذه القيادة «القيادة من الخلف» أو «قيادة التوازنات الخارجية».

كما ستعتمد هذه القيادة على تقوية دور واشنطن في القضايا الملحّة، والتركيز على بناء مساحات تفاهم مشتركة مع الخصوم. وبالتالي فالملمح الثاني لهذه القيادة هو الانخراط الهادئ في القضايا الهادئة، والابتعاد قدر الإمكان عن القضايا والصراعات الشائكة التي تتطلب جهداً ديبلوماسياً وعسكرياً أكبر من واشنطن، لا سيما في المنطقة العربية. وبالتالي ستبدو واشنطن - أيضاً - كقائد عالمي وبمشاركة الحلفاء، عبر تلك القضايا المهمة، لكنها قد لا تكون الأكثر إلحاحاً.

كما أن المواجهة الهادئة ستكون من نصيب خصوم واشنطن، لا سيما الصين عبر الديبلوماسية المتعددة أو الضغط عبر الحلفاء. فقد تحقق إدارة بايدن بعض النجاح مع خصومها عبر المواجهة الهادئة. لكن استمرارها في هذه النهج مع خصم قوي كالصين - التي لا ترغب فعلياً في الانجرار معه في مواجهة عسكرية - لن يقوّض هذا الخصم «الصين» تماماً أو يجبره على تقديم تنازلات في بعض القضايا الملحة خصوصاً سجلّ حقوق الإنسان الذي أصدرته إدارة بايدن كأولوية في تعاطيها مع الصين.

إن «الديبلوماسية أولاً» شعار يحمل في طياته اعترافاً أميركياً بتراجع دورها في العالم، وأملاً في استعادة نسبية لهذه القيادة عبر الحلفاء والقضايا الناعمة.