قيم ومبادئ

النفاق السياسي

25 فبراير 2021 09:00 م

في الستينات لم يظهر فينا النفاق السياسي، ولا يعرفه الرعيل الأول، مثلما ظهر فينا اليوم والضحية أبناء الدائرة والوطن بشكل عام. فتجد المنافق يكون مع قوم على صفة، ومع غيرهم على صفة ثانية وهكذا.

فمثلاً إذا كان في مجلس الإسلاميين تعمم لهم وأخرج سبحته، وتمتم بشفتيه، ولكنه إذا جالس الفساق والفجار أظهر لهم النكت الفاحشة وتباهى بالسيئات والمجاهرة فيها، والاستهزاء بأصحاب الاستقامة ؟

وهذا ديدنه في كل مجلس يكون فيه، يستميل كل قوم بما يحبون لينال ما عندهم من حظوة، فإذا كان مع التجار أظهر لهم ما يحبون ويغيّر جلده مع دخوله كل مجلس.

قيل لابن عمر رضي الله عنهما: (إنّا لندخل إلى أمرائنا فنقول لهم خلاف ما نتكلم به، إذا خرجنا من عندهم فقال: كنّا نعدّ هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وصاحب الوجهين ليس له استقرار الشخصية التي اعتمرت بالإيمان الصادق، ولا يثبت على قيم ومبادئ لأنه نشأ على( الفهلوة) والمراوغة ـ والفهلوي في اللغة هو القادر على التكيّف السريع مع المتغيّرات ـ يتقلّب على ظهره وبطنه من أجل الدنيا وإن تزيّا بالبشوت واللحية العصرية!

فنجده مُحتَقَراً في نظر الرجال، أمره مكشوف عند أهل الصدق والفراسة، ولذلك فهو ليس أهلاً للأمانة ولا الولاية.

أما مَن سعى للإصلاح السياسي، وهو صادق في نفسه ومستقيم ظاهراً وباطناً وتودّد للناس لقصد الإصلاح بينهم فستر القبيح في كل طائفة وأظهر السمت الحسن والهدي، ونقل كلاماً طيّباً لكلّ فريق ليؤلّف بينهم فهذا من أفضل الأعمال الجليلة، فقد جاء في الصحيحين: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً). فهذا هو المُصلح السياسي، فليس من طبعه التلوّن حسب المواقف، بل له مبدأ ثابت لا يتغيّر من أجل المنصب والشهرة ولا يضمر السوء بالمسلمين حتى مع المخالفين، كما أنّه ليس بالضرورة أن يميل إلى إحدى الطائفتَيْن المجلس أو الحكومة، ولكنّه يدور مع الحق أينما كان، فقد يقف مع المجلس إذا كان مع الحق والعدل، وقد يكون محايداً بينهما، وقد يكون مخالفاً لهما جميعاً، المهم أنه صادق لا ينافق ولا يخادع.

إنّ مما نعانيه اليوم كثرة أصحاب الوجوه، بل وجدت هذه الصفة المذمومة في واقعنا اليوم بالوظائف والصحافة والدواوين والأسواق وغيرها، بل حتى مجلس الأمة لم يسلم من غائلة التلوّن، فتجد مَن يرعى الفساد يناصر الموظف الذي يعتدي على حقّ أخيه لأجل علاوة أو إدارة أو انتداب!

وهؤلاء في ميزان الشريعة هم من شرّ الناس، الذين يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

بل إنك تجده في كلّ مجلس، ومع كلّ الطوائف ينشر النكت والطرائف ليُضحك القوم، مع أنّ الناس حينَ يسمعون هذا الكلام يعلمون أنّه لم يحصل وهذا حرام لا يجوز، كما يحرّم على السامعين سماعه إذا علموه كذباً لأنه إقرار على المنكر، بل يجب عليهم النكير أو القيام من المجلس، وهذا شأن الناطق بأحاديث مفتعلة ليُضحك القوم، والكذب لا يصلح في جدٍّ ولا هزل، وإذا كان فيه غيبة أو نميمة أو عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريماً، وصاحب ذلك مستحقٌّ للعقوبة التي تردعه عن ذلك، وحكمه في الشرع أنّه فاسق مسلوب الولاية مردود الشهادة.

والسبب في ذلك واضح وهو أنّ الصّدقَ يهدي إلى البر، والبر يهدي إِلَى الْجَنَّةِ، ولا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ولا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.

الخُلاصة:

النفاق السياسي = لعبها صح... هكذا فلسفنا انحرافنا !