رغد صدّام حسين... لا تعرف أنّ الناس تعرف

24 فبراير 2021 10:00 م

من الزاوية الصحافية البحتة، كان ظهور رغد صدّام حسين حديثاً في سلسلة لقاءات مع «العربيّة» (خمس حلقات) بمثابة سبق صحافي موفّق استفادت منه تلك الفضائية التي تعتبر بين الأبرز عربياً، إن لم تكن الأبرز.

هذا لا يحول دون إيراد ملاحظات محدّدة قد تكون مفيدة، في ضوء أهمّية العراق، على هامش الحوار مع ابنة صدّام حسين وحديثها عن والدها وعن رؤيتها لمرحلة مهمّة من تاريخ البلد كانت فيه شاهدا، وإن ظاهراً، على أحداث ذات طابع مصيري. لم يكن لهذه الاحداث أهمّية بالغة على صعيد العراق فحسب، بل على صعيد المنطقة أيضاً.

تكمن المشكلة في أنّ رغد صدّام حسين لا تمتلك ما يكفي من الثقافة السياسية التي تسمح لها بفهم طبيعة الأحداث والتحدّث بحدّ أدنى من الموضوعية عن العراق والمنطقة. يحتاج أيّ تقويم للاحداث إلى مراقبين يمتلكون ولو القليل من العلم والمعرفة والتجرّد بما يسمح بإجراء مثل هذه العمليّة المعقدة.

لا يمكن، في النهاية، توقّع أيّ نوع من الموضوعية من شخص لا يمتلك ما يكفي من الجرأة والثقافة والتواضع للتغلّب على أهوائه الشخصية وعواطفه وعلى أوهام معيّنة تتحكّم به.

الأخطر من ذلك كلّه، ان ابنة صدام حسين، الذي أصرّ والدها في النصف الاوّل من ثمانينات القرن الماضي على تزويجها مع شقيقتها رنا من حسين كامل المجيد وشقيقه صدام، لا تعرف أن الناس تعرف. قد تكون المعرفة أوّل ما ينقص رغد صدّام حسين، أرملة حسين كامل الذي أعدم في بغداد بعيد عودته من عمّان إثر لجوئه الى الأردن بشكل مفاجئ صيف العام 1995.

كانت رغد، برفقة زوجها لدى لجوئه الأردن. لا تريد أن تعرف أن حسين كامل بدأ حياته عنصراً أمنياً تابعاً لجهاز المخابرات مهمّته مرافقة الشخصيات الكبيرة التي تزور بغداد. انتقل بعد ذلك الى مجموعة الحماية المرافقة لساجدة زوجة صدّام حسين ثم إلى زوج لرغد. أصبح لاحقاً الرجل الثاني في البلد، خصوصاً بعد تولّيه وزارة التصنيع العسكري.

حصل الزواج لأسباب تتعلّق بتصفية حسابات داخل العائلة. بات حسين كامل، وهو شبه أمّي، يسيطر على نحو سبعين في المئة من موازنة العراق وذلك في أثناء الحرب مع ايران، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة من تلك الحرب.

تعرف الناس أمرين: أولهما لماذا كان زواج رغد من حسين كامل وأختها رنا من شقيق حسين كامل ويدعى صدّام كامل. تعرف الناس أيضا انّ صدّام حسين بقي شخصا ريفيا على الرغم من انتقاله الى بغداد. كان يرفض، بتأثير من زوجته ساجدة، التي هي ابنة خاله، خيرالله طلفاح، زواج ابنته من أحد أقارب الإخوة غير الأشقاء وهم سبعاوي وبرزان ووطبان. ليس سرّاً أن رغد تزوجت وهي في الخامسة عشرة من العمر من حسين كامل الذي ينتمي الى فرع العائلة (المجيد) الذي يتحدر منه صدّام نفسه الذي أبعد إخوته الثلاثة عن أي موقع أساسي في السلطة بعد اعتراضهم على زواج رغد.

أمّا الأمر الثاني الذي يعرفه الناس، فهو مرتبط بالسياسة عموماً وبسذاجة صدّام حسين في هذا المجال. من الواضح ان سذاجة صدّام في المجال السياسي أمر مكمل لتصرّفه ذي الطابع البدائي الذي حمله على الأخذ بكلام زوجته وتزويج رغد من حسين كامل.

من الطبيعي، في ضوء ما قالته رغد لـ «العربية» التساؤل كيف لامرأة لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد، امرأة لا تعترف بأنّ شقيقها عديّ استدرج زوجها الى بغداد من عمّان من أجل قتله، الادلاء بآراء سياسية؟

لننسَ كيفية وصول صدّام إلى موقع رئيس الجمهورية صيف العام 1979. لننس أيضاً كلّ ما سبق ذلك وما تلاه من تصفيات داخليّة لعب دورا فيها. لننس كيف تلاعب حافظ الأسد به وبأحمد حسن البكر (الرئيس العراقي حتّى يوليو 1979) وجرّهما الى معارضة أنور السادات تمهيداً لعزل مصر بعد زيارة الرئيس السادات، وقتذاك، للقدس ثم توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل. لننس ظروف اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في العام 1980 والتي استمرت ثماني سنوات وكيف استدرجت ايران صدّام الى تلك الحرب التي أنهكت الجانبين واستنزفت دول المنطقة، خصوصا دول الخليج العربي. يمكن تناسي كلّ ذلك. لكنّ ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام قول رغد صدّام حسين لدى سؤالها عن الأسباب التي دفعت صدّام حسين في الثاني من أغسطس إلى احتلال الكويت: «هم أخطأوا ونحن أخطأنا». هذا ليس جواباً بمقدار ما أنّه هروب من الحقيقة وسذاجة سياسية ليس بعدها سذاجة. أين أخطأت الكويت التي كان هناك نزاع حدودي بينها وبين العراق. هل الردّ على نزاع من هذا النوع، حتّى لو كان يشمل حقلاً نفطياً، يكون باجتياح بلد عربي جار سيّد مستقلّ وتشريد أهله واعتباره محافظة عراقيّة؟

حقّقت «العربيّة» سبقاً صحافياً. كشفت بين ما كشفته أنّ رغد صدّام حسين، التي يظهر أنّها تطمح الى دور سياسي ما، لم ترث عن والدها سوى السذاجة السياسية... إنّها السذاجة التي أضاعت العراق، الذي نكتشف يوماً بعد يوم مدى أهمّيته في المحافظة على التوازن الإقليمي. إنّها السذاجة التي لعبت أيضاً دوراً في إيصال العراق إلى ما وصل إليه من تشرذم نتيجة حسابات أميركية من النوع البائس وغير المدروس لإدارة جورج بوش الابن في العام 2003!