رواق الفكر

نواب الأسئلة المعلبة

23 فبراير 2021 10:00 م

لا أدري لماذا لا يتم وضع اشتراطات في قانون الانتخاب، لمن يتولّى أمر التشريع والرقابة وكيلاً عن الأمة ؟!

المهن الحيوية والحاسمة لمستقبل البلاد، نجد أن لها شروطاً فارقة ومعاهد تأهيلية لازمة كالقضاء والافتاء وغيرهما.

يثار هذا التساؤل على السطح، لما نشاهده من مستوى النواب وأطروحاتهم وتناولهم للقضايا العامة.

تأتي الاسئلة النيابية بتفاصيل معلبة، لا يمكن صياغتها ومعرفة دقائقها، إلا من خبير في العمل ومطّلع على بواطن الأمور.

ما يدلّ على أن حضرة النائب يجمع أسئلته على قارعة الطريق!

وهذا ما يفقده الدقة والنقد والتمحيص.

وبالتالي فإن تسليم النائب عقله، وفكره إلى جهة معينة في وزارة أو مؤسسة او قطاع معين، هو إلغاء لأهم شرطين في العضوية المعتبرة وهما الأهلية، والعلم !

كيف يصوغ النائب أسئلته، من دون إدراك الملابسات ومن دون فهم لأبعاد القرارات المتخذة في أمر من الأمور... وهل يصح أن ينساق خلف الرأي العام؟! فالكل يعرف أن الرأي العام هو رأي العوام.

لست ضد حقّ النائب في الأسئلة النيابية؛ كلّا فهذا من صميم اختصاصاته... لكن اعتراضي على الهتاف خلف الجماهير، وترديد ما يطلبه المستمعون !

والرقص على جراحات الوطن؛ فقط من أجل تسجيل مواقف باهتة لا لون لها... قبل فوات الأوان، على غرار من سكت دهراً ثم نطق كفراً!

وعدم فهم سياقات السؤال وأبعاده؛ فقط إثارة الغبار على رؤوس الأشهاد من دون فهم لموضوع السؤال، وما يرتبط به من مبررات أو ملابسات. فبعض تلك الأسئلة مضى على تجاوزاتها أكثر من خمس سنوات!

أين الحس الوطني وأمانة القسم، من هذا التسويف والتراخي عن محاسبة المسيء؟

هذه الممارسة تذكّرني بحاطِب الليل! وهو الذي يخرج ليلاً ليجمع الحطب... من دون تنقية وفرز ما يجمع... ثم يُفاجأ صباحاً بأنه كان يجمع ما لا فائدة منه.

ويا ليت من يثير الأسئلة يدرك ويفهم ما يثير... وفحوى الموضوع وما وراءه! كون - وللأسف الشديد - المرء عدو ما يجهل!

ولا غرابة إذاً من تشابه النتيجة كما في دراسة قديمة عن الحياة البرلمانية في لبنان؛ حيث ثبت أن أطول النيابات عمراً وأوسعها نفوذاً كانت نيابات أنصاف المتعلمين!

بعض الاسئلة البرلمانية مشكوك في دوافعها، وبعضها الآخر لا فائدة منه سوى الضغط لتحقيق مصالح آنية، وهناك نوع من الأسئلة لدغدغة الجماهير !

فتدني المستوى التعليمي والتربوي، مرتبط ارتباطاً كبيراً بالنشاط السياسي... وكثيراً ما تشاهد أن الدول المتأخرة تعليمياً تتعاطى السياسة، وينشغل الرأي العام فيها بالسياسة !

كما أن الدول المتقدمة تعليمياً وتنموياً، تنشغل بالاقتصاد والاستثمار وتثيرها قضايا التنمية والنهوض!

ولا عجب من تداعي الناس للعمل الانتخابي، فهو بوابة للثراء والكسب السريع... فالأسئلة مفتاح الخزنة؛ والاستجواب الخزنة بحالها!

يروى أن وجيهاً معروفاً عنده ثلاثة أبناء، تعلّم الأول منهم المحاماة وصار سفيراً، وتعلّم الثاني وصار مديراً عاماً، وسئل الوالد لماذا ترك ابنه الثالث من دون تحصيل عالٍ فقال: لكي يتعاطى السياسة.

زبدة الكلام:

تأمّل الأسئلة البرلمانية، وستعرف مستوى النائب، ثم تابع نشاطه بعد ذلك وستدرك مغزى السؤال.