اتجاهات

صراع المحاور المبكر في المحيطين

22 فبراير 2021 10:00 م

من الواضح أن نهج بايدن تجاه الصين سيختلف عن سلفه، لكن ذلك لا ينكر حقيقة أنه رغم اختلاف الوسائل والأساليب، يبقى جوهر الصراع وهدفه واحداً، وهو تقويض الصعود الصيني، الذي بات يشكّل أكبر تهديد حقيقي للهيمنة الأميركية على النظام الدولي.

فقد ألمح بايدن إلى أهمية تشكيل المحاور والتحالفات الدولية بشتى صورها، لتقليص نفوذ الصين المتضخّم في النظام الدولي. كما يصف المراقبون هذه السياسة بإستراتيجية «الموازنة الخارجية»، التي تهدف إلى تجنّب الصدام العسكري المباشر مع الصين إلى أقصى قدر ممكن، والاعتماد عوضاً عن ذلك بالتحالفات والردع والقوة الناعمة وغيرها من الوسائل، القادرة على سحب بساط النفوذ من تحت أقدام الصين.

فسياسة تشكيل المحاور لبايدن بدأت مبكراً جداً عبر إعلان إدارته عن عزمها توسيع التعاون العسكري وتعزيز قدرات رباعي حلفاء واشنطن في المحيطين الهادي والهندي: اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا والهند. والملاحظ أن هؤلاء الحلفاء الأربعة يرتبطون بعلاقات اقتصادية مع الصين. ومع ذلك، لديهم مخاوف كبيرة من تنامي القوة الصينية، لا سيما العسكرية التي ستفرض بها هيمنتها على آسيا بالقوة.

المحور الأميركي - الآسيوي، ليس بالجديد، إذ بدأ في تدشينه ترامب لكنه أهمله بسبب التوتر مع بعض الحلفاء كاليابان. وتفضيله اتباع سياسات منفردة لتقويض الصين كالحرب التجارية. هذا المحور رغم كونه عسكرياً - أمنياً في الأساس، لكن المستهدف منه ردع وتقويض الصين والضغط عليها في بعض القضايا مثل تايوان والبرنامج النووي لكوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي، وليس الانخراط معها في مواجهة عسكرية شاملة.

في المقابل أيضاً - في ما يبدو - أن الصين لن تقف منفردة لمواجهة هذا التحالف، إذ هناك بوادر لتشكيل محور صيني - روسي لمواجهته. فالتنسيق جارٍ على أشده الآن بين البلدين، وهناك أقاويل لمناورات عسكرية مشتركة بين البلدين في المحيط الهادي. وروسيا - كحال بقية الدول الآسيوية - لديها توجّسات كبرى من القوة الصينية الصاعدة، لا سيما وأنها تتطلع إلى لعب دور قيادي في آسيا. لكن كلا الغريمين لديه مصلحة مشتركة في تقويض نفوذ واشنطن وحلفائها في آسيا. ناهيك عن المصالح الاقتصادية والجيوسياسية المتعارضة مع حلفاء واشنطن. صدام المحورين في حرب عسكرية أمر مستبعد إلى حد كبير، لكن لا شك أن تناحر المحورين سيغيّر من معادلات التوازن والتجاذبات في آسيا بل في العالم على نحو كبير. كما أن إضافة الهند إلى المحور الأميركي سيكون له مردود كبير في نجاح هذا المحور في تقويض نفوذ الصين في آسيا عسكرياً واقتصادياً.

الواقع، أن واشنطن لم تعد بمفردها قادرة على تقويض الصعود الصيني، وليست قادرة ولا مستعدة في الانخراط في حرب مع قوة عسكرية متطورة وكبيرة. والصين أيضا.

إذاً خيار بايدن في سياسة التحالفات والمحاور المبكر للغاية، هو خيار عقلاني قادر على تحجيم نفوذ الصين وليس تقويضه تماماً. فيما تأمل واشنطن بالقطع تقويض نفوذ الصين تماماً، لكن خلال تلك المرحلة لم يبق خيار لها سوى إضعافه لتمديد الهيمنة الأميركية لعقدين كاملين على الأقل. في المقابل، تتصوّر الصين أنها قادرة عبر وسائلها وإستراتيجياتها الذكية المتعددة - لا سيما التوسع الاقتصادي - في إضعاف ذلك المحور وجذب حلفاء واشنطن إلى مدارها، مع الاحتفاظ بتعاون عسكري رادع مع روسيا.