بوح صريح

لا تخبروه !

21 فبراير 2021 10:00 م

لا تخبروا أبي أنّ الشيب غزا شعري، وكثرت في وجهي التجاعيد.

لا تخبروه أنني لم أعد المرحة الشغوفة الفيلسوفة العنيدة التي يحبّ.

اتركوه يذكرني بصورتي الجميلة الضاحكة الفتية.

اتركوه على ظنه أنني «لولو»، التي يحملها في حديقة بيتنا ببحمدون.

وأنه لا يزال يقف أعلى سلم بيتنا بكيفان.

يطوي على جانبيه جناحين كبيرين بانتظاري.

أحتاج أن أدفن وجهي في يدك وأغرق في ماء عينك.

أحتاج دعاءك وأنت تمسح على رأسي.

دونك أنا في غربة عن ذاتي.

وحيد غريب يتيم غريق دونك يا يبا.

أحنّ إليك في هذا الزمن الرديء المادي القبيح.

أحاول أن أرتّل ما تبقى من حنين لأعبر إليك.

أغفو قرب صورتك وأعلم أنك تحرسني.

نعم... الأوفياء والنبلاء يغادرون مبكّراً.

لكنهم يتركون بعضهم فينا أو نترك بعضنا فيهم...

لقد تركت يا يبا بعضاً منك ليكون نجوماً تضيء روحي ودربي.

علّمني أبي أن الشجر أكثر وفاءً من البشر. والطبيعة أكثر طيبة. و أن الشجر ينتحر موتاً في الموقد ليدفئنا.

رحم الله أبي وآباءكم وكل موتانا آمين.

*ومضة

كتبت لوبوف دوستويفسكي في مذكراتها عن أبيها:

«كنت أحلم أن أبي لم يمت، وأنهم دفنوه حياً، وأنه كان في حالة سبات، وسرعان ما استيقظ في قبره وصاح طالباً النجدة من حارس المقابر، ثم عاد إلى البيت.

على أنه بقدر ما كانت الأيام تمرّ، ثم من بعدها الأسابيع، انبعث إلهام في رأسي، ليقتل كل الأوهام، ويلهمني أن الإنسان لا يمكن أن يظلّ طويلاً تحت الأرض، من دون هواء أو غذاء. وأن سبات أبي قد طال أكثر مما ينبغي، وأنه ربما قد مات حقاً، عندئذ فقط شعرت بألم الفراق».