اتجاهات

بايدن... وحقوق الإنسان والديموقراطية

15 فبراير 2021 10:00 م

دخل بايدن معترك منافسته الانتخابية الضارية ضد غريمه ترامب بشعار «عودة أميركا»، أي عودة القيادة الأميركية التقليدية في النظام الدولي على نحو عام، بعد أربعة أعوام من تراجعها الدولي على إثر سياسات ترامب الانعزالية، وقيادتها في المجالات الأكثر ارتباطاً بالتقليد الأميركي الخارجي.

لذلك، تصدّرت مسألة العودة الأميركية التقليدية للدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية حول العالم قلب شعاره الانتخابي، بعد أربعة أعوام أيضاً أهمل فيها ترامب تلك القضايا تماماً.

أثناء حملته الانتخابية - وفور فوزه بالرئاسة - خرج على لسان بايدن جُملة تعهدات ووعود تطرّقت فيها إلى معظم قضايا حقوق الإنسان والديموقراطية الشائكة في العالم.

منها تعهده بالتصدي لممارسات الصين السيّئة لحقوق الإنسان، وإنهاء حرب اليمن.

وأخيراً، تعهّده بالضغط على روسيا لإطلاق سراح المعارض نافالي، وفرض عقوبات على قادة الانقلاب العسكري في ماينمار.

بالإضافة إلى قرار بايدن التنفيذي بالعودة إلى مجلس حقوق الإنسان العالمي.

لا تصمد طويلاً المسائل الأخلاقية والمعيارية في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدول، أمام وطأة المصالح الحيوية والبرجماتية العملية.

فلا شك أنّ أجندة الدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية راسخة في السياسة الخارجية الأميركية، منذ تخلّصها من العزلة الدولية.

وإحقاقاً للحق، ساهمت القيادة الأميركية على نحو ما في ترسيخ وتطوير منظومات حقوق الإنسان و«الدّمَقْرطة» في العالم.

ومع ذلك، فالتتبع الدقيق لمسار وتوظيف تلك الأجندة في السياسة الخارجية الأميركية لكلا الحزبين، على مدار عقود نجد أنها لا تعدو كونها «انتقائية» تماماً.

تستخدمها أميركا للضغط على خصومها كالصين مقابل ملفات وقضايا برغماتية مصلحية أكثر أهمية.

وفي مناحٍ أخرى، تعامت أميركا تماماً عن تلك الأجندة في إطار علاقاتها مع بعض الدول كحال بعض الدول الأفريقية.

مجمل القول، إن تلك الأجندة لم تسفر عن قطيعة باتّة بين أميركا وأي دولة أخرى، كما لم تسهم إلا بالقليل جداً في تحسين سجلّ حقوق الإنسان والديموقراطية في الدول الواقعة تحت وطأة ضغوطها.

عزم بايدن الواضح لقيادة أميركية دولية في تلك القضية، سيسهم في تحسين وضع حقوق الإنسان والديموقراطية جزئياً في العالم.

ومع ذلك، فتلك القيادة لن تكون بأي حال من الأحوال قيادة فعّالة ومؤثرة، لاسيما في الضغط على خصوم أميركا الرئيسيين «روسيا والصين».

ناهيك عن سقوط تلك الأجندة أمام وطأة المصالح الأميركية البرغماتية.

وهذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، خصوصاً مع احتياج بايدن الشديد لبعض الدول التي طالتها انتقادات إدارته على إثر ملف حقوق الإنسان.

ويواجه بايدن تحديين كبيرين يجعلان تلك القيادة مهتزة غير قادرة على دفع نفسها بسهولة:

الأول والأخطر - من منظورنا - هو حالة الانقسام الداخلي الشديدة في الولايات المتحدة التي أسفرت عن مشهد الانتخابات الأميركية الهزلي بنهايته الأكثر هزيلة من خلال اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول.

ناهيك عن أن سجلّ أميركا في حقوق الإنسان ليس مثالياً، إذ يأتي ترتيب أميركا في مؤشرات حقوق الإنسان في مرتبة متأخرة بعد بعض الدول الأوروبية، بسبب استمرار التحيّزات ضد السود والمرأة وملفات الفساد.

فما شهدته أميركا على خلفية انتخاباتها الأخيرة قوض صورة ومصداقية ديموقراطيتها على نحو ما، وهذا الأمر يحتاج إلى عقد كامل لعودة الصورة شبه المثالية لها.

الثاني، وهو تراجع قوة أميركا في العالم، وهذا بدوره سيفقدها القوة الدافعة للدفاع بجرأة عن حقوق الإنسان، والتحول الديموقراطي في العالم.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن حلفاء أميركا من الأوروبيين خلال دفاعهم عن تلك الأجندة في تراجع متواز جنباً إلى جنب مع تصاعد شعبية التيارات اليمينية المتطرفة، التي تحمل أجندات مناهضة للديموقراطية.

إن القيادة الأميركية في مسألة حقوق الإنسان والديموقراطية، لا تعدو كونها سلاحاً انتقائياً يستخدم حسب الحاجة.

فأميركا في عهد بايدن غارقة في مشاكل داخلية وانقسامات وتحديات خارجية، أكثر صعوبة تجعل حتى استخدام تلك الأجندة بشكل انتقائي أقل فاعلية وتأثيراً.