أبعاد السطور

التهدئة والهدنة

21 يناير 2021 10:00 م

جاء في كتاب البداية والنهاية الجزء التاسع، أن الفقيه والنحوي والمؤرخ نفطويه حكى أنّ الشاعر جرير دخل يوماً على الأمير بشر بن مروان بن الحكم وعنده الشاعر النصراني الأخطل، وكان بين جرير والأخطل الكثير من قصائد الهجاء الشديدة، فقال بشر لجرير: أتعرف من يكون هذا؟ قال: لا، ومن يكون أيها الأمير؟

فقال: هذا الأخطل.

فقال الأخطل: أنا الذي قذفت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك.

فقال جرير: أما قولك (شتمت عرضك) فما ضر البحر أن يشتمه من غرق فيه. وأما قولك (وأسهرت ليلك)، فلو تركتني أنام لكان خيراً لك. وأما قولك (وآذيت قومك)، فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدي الجزية إليهم؟!

فسكت الشاعر الأخطل لأن كلام جرير كان مُحقاً فيه من غير مبالغة، وهذا درس يعلمنا فيه جرير ألّا نبادر في الهجوم على أحد حينما تكون مواجهته صعبة، خصوصاً وإن كان ذلك الأحد كان له التأثير الأقوى في المواجهات السابقة، وأن الجنوح إلى التهدئة والهدنة أحياناً يكون هو الخيار الأفضل من المواجهة التي تأتينا بالنتائج السلبية الحتمية!