«فايزر» صمَّمت لقاحها بتقنية mRNA... و«أسترازينكا» استخدمت تقنية «الفيروسات المؤتلِفة»

لقاحات «كورونا»... ما الفرق بين تركيباتها؟

14 يناير 2021 10:00 م

- لا أدلة علمية تدعم المخاوف ونظريات المؤامرة التي أثيرت حول تركيبات لقاحات «كورونا»...

بات واضحاً أنه لن يكون ممكناً أن يعود العالم إلى حياته الطبيعية التي كان عليها قبل الجائحة الحالية من دون لقاحات آمنة وفعالة ضد فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 جنباً إلى جنب مع برنامج عالمي للتطعيم يتم تنفيذه بشكل تنسيقي.

ومنذ ظهور الجائحة، يواصل باحثون وعلماء حول العالم جهودهم الدؤوبة من أجل اكتشاف وتطوير علاجات ولقاحات محتملة يمكن أن تساعد في إنهاء تلك الأزمة العالمية الخانقة.

وحتى الآن، ظهر حوالي 200 لقاح مرشح، حيث اجتاز نحو 55 منها مرحلة التجارب قبل السريرية إلى مرحلة التجارب السريرية، لكن 4 أو 5 لقاحات فقط هي التي نجحت حتى الآن في مواصلة رحلتها ووصلت إلى مرحلة التطبيق العلاجي على نطاق واسع بعد حصولها على موافقات رسمية، ومن بينها لقاح «فايزر» الذي بدأ استخدامه فعلياً في الكويت، ولقاح «أسترازينكا» الذي من المرتقب أن تتلقى الكويت 3 ملايين جرعة منه قريباً.

وعلى الرغم من ظهور وانتشار مخاوف ونظريات المؤامرة حول تأثيرات وأضرار تركيبات لقاحات كورونا، فإنه لا توجد أي أدلة علمية موثوقة تؤيد تلك المخاوف التي تُشيع أن بعض اللقاحات قد تسبب أضراراً تصل إلى جينات متلقي التطعيم، أو أن بعضها أكثر أماناً وفعالية من غيرها، وهو الأمر الذي يدفع بعض الناس إلى الإصرار على أن يتم تطعيمهم بلقاح معين دون غيره عندما يكون الاثنان متاحين.

لذا، نسلط الضوء من خلال الاستعراض التالي حول تقنيات تركيبات لقاحات كورونا، سواء تلك التي تم إقرارها فعلياً أو التي ما زالت قيد التجريب، وهو الاستعراض الذي يوضح أن هناك تقنيات وطرقاً متنوعة لتطوير تركيبات لقاحات كورونا سواء التي بدأ استخدامها فعلياً أو التي ما زالت قيد التجارب.

وصحيح أن المعطيات الأولية تشير إلى أن تركيبات لقاحات عدد من تلك التقنيات قد أعطت نتائج مبشرة وواعدة، لكن يبقى علينا أن ننتظر ونراقب السباق لنرى أي لقاح سيثبت في نهاية المطاف أنه الأقدر والأكفأ في القضاء على فيروس كورونا بشكل نهائي وإراحة العالم من ويلاته.

فإلى تفاصيل الاستعراض...

هناك أكثر من طريقة لتقسيم أنواع تركيبات لقاحات كورونا، وإحدى هذه الطرق أن نتصور تقسيمها في مخطط دائري يتألف من ست قطع غير متساوية وفقًا للتقنية المستخدمة لتصميم وتطوير وإنتاج اللقاح.

لكن لتبسيط الأمر أكثر، يمكننا إدراج هذه التركيبات الست ضمن ثلاث تقنيات أوسع نطاقاً، وهي: تقنية الفيروسات الميتة أو الخاملة، وتقنية النواقل الاصطناعية، وتقنية المكونات الفيروسية.

أولاً: تقنية «الموَهَّنة»... و«المُعطّلة»

تقليدياً، تتألف تركيبات اللقاحات التقليدية من فيروسات حقيقية تم قتلها أو إضعافها إلى أن تصبح خاملة وغير قادرة على التكاثر، وذلك كي تكون غير قادرة على التسبب في مرض شديد في الجسم المحقون بها، وبهذا يقتصر مفعولها على استثارة استعداد مناعي كافٍ لصد هجوم الفيروس الحي عندما يحاول غزو الجسم.

وتشمل تلك تركيبات تلك التقنية ما يلي:

• تركيبة «الفيروسات الموَهَّنة»

كلمة موَهَّنة تعني أنه يتم إضعاف فعالية الفيروس إلى درجة كبيرة، حيث تنطوي هذه التقنية على إضعاف الفيروس الحي من خلال الهندسة الوراثية لتقليص قدرته على التكاثر وعلى التسبب في المرض. لا يزال الفيروس يصيب الخلايا وهكذا، فإن الفيروس يبقى محتفظاً بقدر ضئيل جداً من قدرته على إصابة الخلايا والتسبب في ظهور أعراض خفيفة، لكن ذلك القدر كفيل بتحفيز مناعة الجسم كي تفرز دفاعات مضادة استعداداً للتصدي لأي هجوم محتمل من جانب الفيروسات الحقيقية.

بالنسبة لتركيبة الفيروسات الحية الموَهَّنة، يتمثل أحد أبرز مخاوف السلامة في أن الفيروس الموَهَّن قد يكتسب تغيرات جينية تجعله يتمكن من استعادة نشاطه وقوته وقدرته على الإمراض. ويتمثل مصدر القلق الآخر في إمكانية حدوث خطأ بشري أو آلي أثناء التصنيع، وهذا الخطأ يمكن أن يؤدي إلى إنتاج لقاح معيب يصيب بالمرض ويتسبب في تفشيه، وهو ما حدث ذات مرة في الماضي مع أحد لقاحات شلل الأطفال.

لكن هناك في المقابل ميزة كبيرة في استخدام تركيبة الفيروس الحي الموهن، وهي أن اللقاح يكون مشابهاً للعدوى الطبيعية، وهو الأمر الذي يؤدي عادةً إلى تحفيز استجابات مناعية أقوى وأطول أمداً في الجسم، حيث يمكن أن تستمر لسنوات عدة.

وحتى الآن، ما زالت لقاحات كورونا التي تعتمد على تلك التركيبة قيد الاختبارات والتجارب قبل السريرية، وتعكف على تطويرها كيانات بحثية من بينها شركة Codagenix الأميركية الناشئة ومعهد Serum Institute في الهند.

• تركيبة «الفيروسات المُعطَّلة»

يشير مصطلح «مُعطلَّة» إلى أن الفيروسات أميتت، لكن يتم استخدام كلمة «مُعطَّلة» بدلاً من «ميتة» لأن العلماء يعتبرون الفيروسات كائنات غير حية أصلاً. وفي هذه الحالة، يكون الفيروس المعطل المستخدم هو من نفس نوع الفيروس المراد التطعيم ضده، مثل فيروس كورونا المستجد، والذي يمكن قتله عادة بمواد كيميائية.

وحتى الآن، طورت شركتان صينيتان لقاحات يجري اختبارها لتحديد مستوى السلامة والفعالية من خلال تجارب سريرية واسعة النطاق وصلت إلى المرحلة الثالثة، وهما: لقاح «CoronaVac» الذي تطوره شركة سينوفاك-بيوتك ولقاح «New Crown» الذي تطوره شركة سينوفارم. وتتألف تركيبة كلا اللقاحين من نسخ معطلة من فيروس كورونا المستجد. وحتى الآن لم يتم الإبلاغ عن أن أياً من هذين اللقاحين قد تسبَّب في آثار عكسية جانبية ضارة أو خطيرة، بل إنهما نجحا في حث الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة ضد فيروس كورونا المستجد.

ووفقا لتقارير، فإن لقاح «New Crown» التجريبي تم إعطاؤه لمئات الآلاف من الأشخاص في داخل الصين، كما أنه يجري حالياً تجريب كلا هذين اللقاحين في دول مختلفة حول العالم، وتحديدا في آسيا وأميركا الجنوبية ومنطقة الشرق الأوسط.

ثانياً: تقنية «النواقل الاصطناعية»

النهج التقليدي الآخر في تقنيات تصميم اللقاحات يتمثل في إنشاء «مركبات ناقلة» اصطناعية متناهية الصغر، بحيث يمكن حقنها في الجسم لتقوم بتوصيل مكونات معينة من الفيروس الحقيقي إلى المناعة التكيُّفية في الجسم، وهو الأمر الذي يكون بمثابة تدريب مسبق لتلك المناعة على استهداف تلك المكونات والقضاء عليها بنجاح عند حدوث غزو فيروسي فعلي.

وتتحقق هذه الحماية من خلال تعريض جسم الشخص لجزيئات اصطناعية ناقلة تحث المناعة التكيفية على إنتاج أجسام مضادة (مستضدات) تصبح هدفاً تدريبياً للاستجابة المناعية. وتعتمد فكرة عمل لقاحات كورونا المعتمدة على هذه التقنية على استهداف البروتينات التي تتألف منها الأشواك الناتئة من سطح الفيروس، وهي البروتينات التي تسمح للفيروس باختراق غشاء الخلية واقتحامها.

وتشمل تركيبات تلك التقنية ما يلي:

• تركيبة «الفيروسات المؤتلِفة»

«الفيروس المؤتلف» هو عبارة عن ناقل متناهي الصغر يجمع بين مستضد مستهدف مأخوذ من فيروس ما وبين «نواة» فيروس آخر مختلف عنه. وبالنسبة لفيروس كورونا المستجد، فإن الإستراتيجية الأكثر شيوعًا للتصدي له تعتمد على وضع بروتينات أشواك فيروس كورونا على نواة فيروس غُدانيّ (adenovirus).

لكن تركيبات الفيروسات المؤتلِفة تعتبر سيفًا ذا حدين، وذلك لأنها تتصرف مثل الفيروسات الحية الموهنة. لذا فإن اللقاح المؤتلف يأتي مع فوائد محتملة من خلال استثارة استجابة مناعية قوية في الجسم، ولكن هناك أيضا في المقابل مخاطر محتملة من التسبب في الإصابة بعدوى اصطناعية قد تؤدي إلى أعراض وتأثيرات عكسية حادة.

وعلاوة على ذلك، فإن اللقاح المؤتلف قد لا يثير استجابة مناعية كافية لدى الأشخاص الذين تعرضوا سابقا للإصابة بالفيروسات الغدانية التي تصيب البشر (وبعضها يسبب نزلات البرد).

وهناك عدد من اللقاحات المؤتلِفة المرشحة يجري تطويرها حالياً، بما في ذلك واحد تطوره شركة CanSino Biologics الصينية ولقاح «Sputnik V» الذي يطوره مركز Gamaleya الوطني الروسي للبحوث – وكلاهما حالياً في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية وأصبحا مرخصين للاستخدام لتطعيم جنود الجيش في الدولتين.

وبهدف تعظيم فرص إثارة الاستجابات المناعية، فإن تلك اللقاحات يتم تركيبها على فيروسات من أنواع أخرى لضمان أنه لن يكون لدى البشر مناعة مسبقة موجودة ضدها.

واللقاح الأكثر شهرة في هذا النطاق هو «أسترازينكا» المعروف إعلامياً بلقب «لقاح أكسفورد» لأن الذين ابتكروه علماء في جامعة أكسفورد.

ووفقا للمؤشرات المتاحة حتى الآن، يبدو أن فعالية هذا اللقاح قد تصل إلى 90 في المئة في تحفيز المناعة ضد الإصابة بمرض كوفيد-19.

وبعض الفيروسات المؤتلِفة يمكنها أن تتكاثر تلقائيا في الخلايا (وهذا شيء جيد لأنه يعني اتساع نطاق وأمد مفعول اللقاح)، بينما البعض الآخر لا يستطيع ذلك.

ومن بين أبرز اللقاحات المرشحة التي تحوي فيروس مؤتلف قادر على التكاثر، تعكف شركة Merck العملاقة على تطوير لقاح تعتمد تركيبته على فيروس التهاب الفم الحويصلي (VSV).

• تركيبة الـ «VLP»

الجزيء الشبيه بالفيروس (VLP)، هو عبارة عن تركيبة هيكلية يتم تكوينها من بروتينات فيروسية. وهذا الجزيء يشبه الفيروس، إلا أنه لا يحتوي على المادة الوراثية التي تسمح له بالتكاثر. وبالنسبة لفيروس كورونا المستجد، فإن الجزيء الشبيه بالفيروس يجب أن يحتوي بالضرورة على البروتينات التي تتألف منها أشواك ذلك الفيروس.

وقد اجتاز لقاح من هذا النوع المرحلة الأولى من الاختبارات التجريبية، وهو لقاح تطوره شركة Medicago الكندية، ودخل المرحلة الثانية للتأكد من مدى فعالية أنه آمن.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد حاليا سوى عدد قليل من لقاحات كورونا المعتمدة على تقنية «الجزيئات الشبيهة بالفيروس» (VLPs)، فإن تلك التقنية راسخة وسبق أن تم استخدامها لإنتاج لقاحات تجارية ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وضد فيروس الالتهاب الكبدي B.

ثالثا: تقنية «المكونات الفيروسية»

الفكرة التي ترتكز عليها تقنية المكونات الفيروسية هي أن تركيبات وتصاميم اللقاحات تتألف من أجزاء من الفيروس المراد التحصين ضده (وليس الفيروس بكامله). ولهذا فإن هذا النوع من اللقاحات يتألف من مكونات معينة يتم استخلاصها بعناية من الأشواك الناتئة من الفيروس.

وتشمل تركيبات تلك التقنية ما يلي:

• تركيبة «البروتينات الشوكية»

هذه الفئة من اللقاحات تتألف تركيبتها من بروتينات يتم استخلاصها من أطراف أشواك فيروس كورونا، وهي تلك الأطراف المدببة التي يستخدمها فيروس كورونا كرماح لاقتحام الخلية.

وينطوي تصنيع هذه اللقاحات على ميزة عملية تتمثل في أنها لا تفرض على الباحثين التعامل مع فيروسات كورونا الحية، والتي يجب استزراعها داخل خلايا في مختبر يتمتع بالمستوى الثالث من تدابير السلامة الحيوية.

وأبرز اللقاحات المرشحة في هذا المجال هو لقاح «NVX-CoV2373» الذي تعكف شركة Novavax الأميركية حالياً على تطويره، وهو مشابه في تركيبته للقاح FluBlok الأميركي المرخص بالفعل ضد الإنفلونزا.

• تركيبة «mRNA»

بشكل عام، تعتمد تركيبة اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي على استخدام مكونات جينية، إما حمض الديوكسي ريبونوكلييك (DNA) أو الحمض النووي الريبي (RNA). وفي ما يتعلق بلقاح فيروس كورونا، يحمل أحد هذين الحمضين الوراثيين تعليمات لإنتاج بروتين شوكي يتم تصنيعه داخل الخلايا.

وهذه الجينات الشوكية يمكن حملها على حلقات من الحمض النووي تسمى «البلازميدات»، والتي يسهل تصنيعها عن طريق زراعتها مختبريا في أنواع معينة من البكتيريا. ولكن الحمض النووي لا يستثير سوى استجابة مناعية ضعيفة نسبيًا، ولا يمكن حقنه ببساطه داخل الجسم، بل يجب إعطاؤه باستخدام جهاز خاص لإجبار الحمض النووي على الدخول في الخلايا.

وحالياً، هناك أربعة لقاحات مرشحة من هذا النوع قيد التجريب، وهي إما في المرحلة الأولى أو الثانية من التجارب.

واللقاحان الأشهر في نطاق هذه التقنية هما لقاح «BNT162b2» الذي ابتكرته شركة «فايزر» الأميركية بالتعاون مع شركة «بيونتيك» الألمانية ولقاح «mRNA-1273» الذي أنتجته شركة «موديرنا» الأميركية.

وتعتمد تقنية هذين اللقاحين على استخدام الحمض النووي الريبوزي الرسولي (mRNA) ليقوم بحمل الجينات البروتينية الشوكية وتوصيلها إلى الخلايا من خلال جُسيمات نانوية دهنية متناهية الصغر.

وقد اجتاز اللقاحان تجارب المرحلة الثالثة بنجاح وبدأ استخدامهما على نطاق واسع، وتشير النتائج الأولية إلى أن نسبة فعاليتهما ضد كوفيد-19 أكثر من 90 في المئة.

«أكسفورد - أسترازينكا»... كيف يُصنع؟ وكيف يعمل؟

من خلال تقنية بيولوجية تعتمد على استخدام أحد «الفيروسات المؤتلفة»، يُصنع لقاح أكسفورد-أسترازينكا عن طريق استخلاص جينات من الأشواك الناتئة من غلاف فيروس كورونا المستجد، ثم يتم حقن تلك الجينات في فيروس غُدَّاني معين ليصبح معدلاً وراثياً.

وتتلخص طريقة عمل لقاح «أسترازينكا» في أن تركيبته هذه تحفز مناعة الجسم المحقون بها على أن تبدأ في إنتاج أعداد كبيرة من الأجسام المضادة لفيروس كورونا المستجد. وبهذا، فإن تلك الأجسام المضادة تبقى كامنة في الجسم استعداداً للتصدي لأي محاولة غزو من جانب الفيروس التاجي المسبب لجائحة كوفيد-19.

ووفقا للوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في بريطانيا، فإن التجارب التي أجريت على هذا اللقاح أثبتت أنه آمن على الصحة بدرجة كبيرة فضلاً عن أنه يتمتع بكفاءة عالية.

وفي حين يتعين حفظ لقاح فايزر طوال الوقت في درجة حرارة منخفضة جداً تبلغ 70 درجة مئوية تحت الصفر، فإن لقاح أسترازينكا يتميز بأنه يمكن تخزينه في درجة حرارة أعلى (الثلاجات العادية)، وهو الأمر الذي يسهل عمليات نقله وتوزيعه.

وبعد إقرار الوكالة الحكومية المذكورة للقاح «أسترازينكا» في 30 ديسمبر الفائت، بدأ استخدامه على نطاق واسع في 6 مستشفيات بريطانية كبرى في إطار حملة وطنية تستهدف تطعيم ملايين البريطانيين على مراحل متتابعة. وحتى الآن لم يتم الإبلاغ عن أي تأثيرات عكسية خطيرة ناجمة عن اللقاح.