بوح صريح

هكذا لم يتكلم نيتشه

3 يناير 2021 10:00 م

قيل عن نيتشه إنه أديب متطفل على الفلسفة. والمدهش أنه لم يدرس الفلسفة في حياته.

بل أتاها من خارج دائرة المنطق والحكمة... ولعله لذلك تفوّق فيها وتميّز.

حين كتب تأملات أقرب إلى النص منها إلى النظرية.

لقد تأمل في الحياة عبر ذاته.

لذلك أحبه الجمهور أكثر من الفلاسفة والنقاد ومجموع «المتعالين».

أحبه الناس لأنه خرج من بينهم وكتب ما يحامي تجاربهم ومعاناتهم، وكل ما يدور في أدمغتهم من تساؤلات أقرب إلى العتّة والجنون منها إلى الحكمة والمنطق.

يقول في «هكذا تكلم زرادشت»: «الإنسان ليس إلا حبلاً منصوباً بين الحيوان والإنسان المتفوق، فهو الحبل المشدود إلى الهاوية.

العبور إلى الجهة المقابلة... خطر، البقاء وسط الطريق... خطر، الالتفات إلى الوراء، وفي كل تردّد، وفي كل توقّف... خطر.

عظمة الإنسان قائمة على أنه معبر وليس هدفاً، وما يستحب فيه هو أنه سبيل وأفق غروب».

وقال: «أحب من لا يحتفظ لنفسه بشرارة واحدة من روحه، فيتجه إلى أن يكون بكلّيته روحاً لفضيلته، لأنه بهذا يجعل روحه تجتاز الصراط.

ومن لا يريد الاتصاف بعديد الفضائل، إذ في الفضيلة الواحدة من الفضائل أكثر مما في فضيلتين... ومن تفيض نفسه حتى يسهو عن ذاته، إذ تحتله جميع الأشياء فيضمحل فيها ويفنى، ومن يشبه القطرات الثقيلة التي تتساقط متتالية من الغيوم السوداء المنتشرة فوق الناس، فهي التي تنبئ بالبرق وتتوارى».

وأنا مثله لدي إيمان بأن الفلاسفة الحقيقيين ليسوا من نشروا الكتب واعتلوا المنصات، وصدح صوتهم عالياً في الميكروفون وملأت صورهم الشاشات والصحف... بل هؤلاء المتوارون في غرفتك وخلف كتبهم، منهمكين في الإبداع الصادق بكل صمت وكبرياء.